صراع الأجيال بين الأطر التعليمية

25 يوليو 2013 19:24

أشرف سليم*

هوية بريس – الخميس 25 يوليوز 2013م

حين تلتقي عقليات مختلفة عن الأخرى، وبينها أمد بعيد من طريقة التفكير ونمط العيش والنظرة إلى الحياة وفهمها  فهذا كفيل بخلق تصادم أجيال اِخْتلفت في كل شيء فكان الصدام سمةً تطبع علاقاتها اليومية، إنها تمثل حالة طبيعية لما سمي بالصراع بين القديم والحديث.

فالحداثي يسعى إلى التمرد على القديم والخروج على طوعه، أما القديم فهو حريص على التشبث بتقاليدَ ماضيةٍ منافحاً عن إرث سلف الجيل الذي رتع فيه ردحاً من الزمن، هذا السّجال عُرف في كل مجالات الحياة وضروبها، وأُلّفت في شأنه كتبٌ كثيرة تبين هذه الحالة التي قد تكون محمودةً من باب رحمة الاِخْتلاف، لكنه يصير خلافاً عنيفاً في تارات أخرى حين تختلف الذات المجددة والذات التقليدية.

مجال التدريس لا يخلو البتة من هذا التصادم بين الأجيال، هناك عقلية تقليدية تشربت معين برامج انتهت صلاحيتها وولّى عهدها، وقضى مفكروها نحبهم، لكن تجد من لا زال يعض عليها بالنواجذ، مطبِّقَهاَ بحذافيرها في علاقاته مع محيطه المدرسي، وهناك عقلية مجددة تسعى إلى البحث عن الجديد، وتفتش عن الإبداع، وتتقاطع مع القديم، وتنفتح على البرامج المستجدة.

تحتاج العقليتان إلى نوع من التكامل والانسجام في العمل لسريان مهمتهما بسلاسة وحسن تدبير، لكن الواقع للأسف يشهد عكس ذلك، فهناك تدافع رهيب بين هذه العقليات، فالعقلية التقليدية تعتبر أي خروج على النظام الذي تشبعت به، واهتدت بهديه تمرداً وعقوقاً وشقَّ عصا الطاعة، ومن ثم فهو يقتضي الإبادةَ والقمع والتجاهل، أما العقلية المتجددة فتعتبر العقلية التقليدية صدوداً عن مشاريع راودتها منذ أن أنيطت بها مهمة التدريس، مما يحتم التمرد عليها وإحداثَ ثورة مطالبة بالتغيير وضرورة التجديد.

هيئة التدريس ذات العقلية التقليدية تنظر إلى المحيط المدرسي نظرةً مطلقة، كل استنتاجاتها وخلاصاتها الماضية منزهة عن الخطأ، ومعصومة من أي زلل أو شائبة، يحاولون إسقاط تجاربهم مع عصر عرف بالقمع والرأي الواحد على واقعهم الحالي المتغير الذي انقلبت فيه الأمور إلى تعدد الآراء، ونسبية الأحكام، لذلك طبيعي أن تكون أفكارهم اجتراريةً في المحيط المدرسي، وتساهم في امْتهان المدرسة، وتكريس وهنها الضاربة أطنابُه…

أما هيئة التدريس ذات العقلية المتجددة فهي تنظر إلى المحيط المدرسي نظرةً تتسم بالمرونة، وقَبول الرأي الآخر، وأخذ الأمور في نسبيتها، وبسط أفكار جديدة هي وليدة آخر ما تم التوصل إليه من نظريات حديثة، وهذا يساهم في ازدهار المدرسة، وتفتق ذوات مبدعة قادرة على خلق التطور المنشودة مراميه في التعليم .

حين تلتقي العقليتان يكون الصدام أمرا طبيعيا ما دام التمايز بينهما ملقٍ ظلالَه على العلاقة القائمة بينهما، رغم أن وضعيتهما تحتم عليهما خلق تكامل لتحقيق النتائج المنشود تحقيقها، من كلا الجانبين، العقلية التقليدية راكمت تجارب كثيرة، واستوعبت الكثير من أسرار المهنة، لكن غياب ملكة التجديد حرمها من تقديم أنموذج حديث يطور عملها التربوي، وهذا ما لا يتم استساغته من لدن العقلية المتجددة التي ترفض هذا التحجر، وتحاول الانعتاق منه، هي تنشد تطبيق مخططاتها التربوية التي خامرتها في ذهنها، مخططاتٍ وليدةِ العصر الذي نعيشه ما داموا فردا حديثي العهد به.

من باب التجني أن ننعت كل هيئة تدريسية كبيرة السن بالعقلية التقليدية، لأن التجديد لا سن له، فكما أن الأربعيني أو الخمسيني قد يطور عمله التربوي، ويجعله مسايرا لأهم مستجدات علوم التربية والمناهج الحديثة فهناك عقليات شبابية ما زالت ترهن نفسها في خندق أفكار بالية وجامدة أكل عليها الدهر وشرب.

جدير بالبيان أن منظري علوم التربية لم يتطرقوا كثيرا إلى مثل هذه القضايا الهامة مستغنين عنها بالانكباب على القضايا المفاهيمية ذات الطابع النظري .

إن الاهتمام بمثل هذه القضايا في المجال التربوي حري بخلق مؤسسات تعليمية تقصي الهوة السحيقة التي تخلق بين هيآتها التربوية، خاصة فيما بتعلق بالمشاريع التربوية التي تخص المؤسسات، وتنهي الخلافات التي تدب دائما في فضاءاتها، والتي صارت ميدانا تتداعى إليه أعين ساعية إلى استئصال شأفة التعليم وإدخال القلاقل إليه، أما تهوين الأمر  والتغاضي عنه فمن شأنه زيادة الهنات التي توهن التعليم وتجعله دائما القهقرى.

ــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ مادة اللغة العربية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M