إقبار «الأمم المتحدة» في غزة

16 أغسطس 2014 09:29
إقبار «الأمم المتحدة» في غزة

إقبار «الأمم المتحدة» في غزة

عبد الرحمان سعيدي

هوية بريس – السبت 16 غشت 2014

بعد شهر من العدوان والقتل والدمار تنتصر غزة رغم آلامها وبؤسها وقتلاها ورغم كل ذلك الخراب والدمار، فقد انتصرت حيث أوقفت عدوها وعدو الإنسانية ومنعته من تحقيق أهدافه وأفشلت مخططاته وأجبرته على الاندحار، نعم قد انتصرت على أعداء الإنسانية والمتواطئين والخانعين والجبناء وكل من خذلهم من الأمم بجميع منظماتها وهيئاتها وما تدعيه من حقوق ومبادئ، ولم يكن صناع الانتصار فيها إلا الشهداء والأرامل والثكالى والأيتام والجرحى والمنكوبين والمشردين.

نعم انتصر فيها المستضعفون حيث قهروا العدو وأعوانه من الخانعين وقهروا التواطؤ والخذلان وأقبروا الأمم المتحدة في قطاعهم الصغير، فاتسع هذا القطاع ليكون مقبرة لتلك الأمم بجميع دولها وبهرجها وشعاراتها ومبادئها، ففضحت بذلك سياسات هذه الأمم وكشفت عن الوجه القبيح لتلك الدول وعن خبث سرائر صناع القرار فيها، فأضحت هذه الحرب درسا في الإنسانية لمن يريد أن يعتبر، حيث قتلت فيها الإنسانية بأيدي دعاة الحقوق الإنسانية.

فطيلة شهر كامل بأيامه ولياليه و”الجيش الذي لا يقهر”، في أسطورة الخانعين، يشن حربا بلا هوادة على القطاع، هناك في فلسطين أرض الأنبياء والمرسلين، لمحو آثار الإنسان فيها وإبادة أهلها، فسخر لهذا العدوان أحدث الأسلحة وأشدها فتكا ودمارا واستخدم ما لديه من قوة برا وبحرا وجوا، وكأنه يواجه خصما يضاهيه في البطش والفتك، وهو يعلم علم اليقين أن هذا الخصم الذي استعصى عليه في محاولات سابقة ليس بذاك الجيش الذي يوازيه في القوة وليس بذاك الذي يستدعي تسخير كل تلك القدرات، ومع هذا العلم اليقين هجم بجيشه المشئوم على الأهالي الآمنين واجتاحهم على حين غرة لعله يكسر شوكتهم ويقضي على بيضتهم، فأمعن في الفساد والدمار وأكثر في قتل النساء والصبيان قصدا للقضاء على نسلهم وإبادة عرقهم.

وقبل بدء عدوانه على الآمنين عمد هذا الوحش الهمجي إلى توطئة الميدان وتهيئة الأجواء، فاستعمل بعض العملاء وأعانهم على الاستيلاء على أهم بلدان الجوار ذات المنافذ التي تشكل عليه الخطر لاستكمال الطوق وإحكام الشد، وعقد بموازاة لذلك اتفاقات مع بعض الخانعين، ناهيك عن مؤازرة الأحلاف التقليديين في القارتين القديمة والجديدة، واستطاع بمكره المعهود من طبيعته الخبيثة أن يستقطب إليه قلوب الغافلين من أغلب الأمم، بل آزره في عدوانه أغلب أصحاب القرار في البلدان الغالبة على أمر جميع الأمم.

فتكالبت الدول وتواطأت الأمم على قتل وإبادة أطفال ونساء وشيوخ فلسطين في القطاع “المنبوذ”، وانتكس الخانعون ولم يهرعوا كما كانوا يفعلون لإبداء الشجب والتنديد بل أطبقوا أفواههم واستكانوا.

وارتفعت أصوات المدافع والطائرات الحربية التي تنفث الصواريخ والقنابل، فانتشر الدمار والخراب واستحر القتل في الأهالي، من غير تمييز بين المقاتلة من الرجال والمسالمين منهم ولا بين النساء والولدان ولا بين الشيوخ الصبيان، وخلا الجو للمجرمين فعاثوا في البلاد الفساد ولسان حالهم يقول: “ليس لنا في الأميين سبيل“، بل يردد بعضهم: “أقتلوا نسائهم فإنهن أفاعي لا يلدن إلا الثعابين”، ففهم من فهم السر أن تلك دعوة لإبادة المستضعفين واستئصال عرقهم، وفي هذا الجو المشحون طال الدمار والقتل حتى مدارس الأمم من غير مراعاة لولاء ولا حرمة.

فلم تبد الأمم تنديدا ولا استنكارا بل خفت صوتها وانتكس ناشطوها وكأن الأمر لا يعنيها أو كأنه لا علاقة لها بما يحدث، بل كأن ما يجري من العدوان والجرائم الإنسانية والإبادة الجماعية لا يمت بصلة للمبادئ التي قامت عليها ونادت بها وأخذت على عاتقها رعايتها والمحافظة عليها، وكأن المعتدى عليهم جنس من غير بني الإنسان يجب إبادتهم والخلاص منهم ليسلم المجتمع “الإنساني المتحضر” من شرهم.

والأدهى والأمر أن يقوم القائم على أمر هذه الأمم من غير خجل ولا استحياء بمطالبة المقاومين بإطلاق سراح أسير الحرب من غير شرط ولا قيد في الوقت التي تدمر فيه القذائف من كل نوع البيوت على النائمين وتقصف المساجد والمدارس وتقتل الشيوخ والأطفال والنساء من غير أن يحرك ذلك فيه مشاعر الإنسانية، ومن غير تنديد بالعدوان ولا بالجرائم الإنسانية التي يفترض أن ينتفض لها كما انتفض هو وأسلافه في حالات أقل عدوانية وشراسة منها بكثير.

إن سكوت الأمم وظهورها بهذا الموقف الخجول والمخزي والتزامها الصمت أمام العدوان البربري الهمجي الذي تقشر له الأبدان، مع كونها طرفا في النزاع حيث استهدفت مؤسساتها، لبرهان قاطع على إدانتها واعتبارها من المشاركين في العدوان.

ومهما أبدت من تبريرات فهذا العدوان كشف عن تواطئها على قتل الإنسانية، وأبرز انعدام المشاعر الإنسانية في نفوس القائمين عليها، وأظهر زيف المبادئ التي قامت عليها والتي ادعت الحرص على نشرها والدفاع عنها، وأبان بأن تلك الادعاءات مجرد شعارات براقة لاستدراج الشعوب المستضعفة قصد إيقاعها في شرك الدول المهيمنة وإخضاعها لسياساتها وتروضيها كما تشاء، وفق قواعد اللعبة التي قامت عليها عصبة الأمم التي أنشأتها الدول الإمبريالية بعد الحرب الكونية الأولى والتي ورثتها عنها بعد الحرب الثانية الهيئة الحالية، تلك القواعد التي جعلت الحسم في النزاعات يرجع لتلك الدول بعينها وفق ما يحقق أهدافها ويحافظ على مصالحها، فهن صواحب الأمر والنهي، من غير اعتبار لبقية الأمم ولمبادئها الإنسانية.

ومن مصالح تلك الدول “صواحب القرار” الذود عن هذا الكيان العدواني الهمجي الذي أوجدته في قلب البلاد الإسلامية وتعهدت برعايته والدفاع عنه وعملت على ضمان استمراره، ومن أجل تحقيق هذه الغاية فرضت قواعد لعبة الأمم تلك وأحكمتها بمجلس أمنها، وقد أكدت مواقف هذا المجلس من الاعتداءات المتكررة لهذا الكيان منذ إنشاءه هذه الحقيقة الظاهرة.

 ولكن هذه الحرب جرت بما لا يشتهيه المتواطئون، فبعد حرب من الدمار والقتل يندحر هذا المجرم ويقبل بالهدنة والجلوس على طاولة المفاوضات، بعد أن كان يستنكف من ذلك، فخر هادئا مستكينا كالذئب المنهوك ليستسلم للتفاوض على مضض، فقد قهرته غزة على ضعفها وغلبته على قلتها وانتصرت عليه رغم الحصار والدمار، وأقبرت معه حماته من الأمم المتحدة وشعاراتها ومبادئها.

ورغم هذه المآسي فقد جلت هذه الحرب حقيقة الصراع الأزلي وأبانت عن المعجزة الربانية التي أنبأ بها القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي تجلي بشارة المؤمنين بالنصر في الوعد الآخر في سورة بني إسرائيل، ولعل هذه البشارة التي لا تخفى إلا على الجاهلين أن تكون من أهم عوامل الصمود والانتصار.

وأخيرا، بعد ما حدث في القطاع أليس من العيب والعار أن يتحدث متحدث باسم “الأمم المتحدة” ويثني عليها ويدافع عن مبادئها بعد أن أقبرت في غزة؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M