نوايا ما قبل وأثناء وبعد الحرب القذرة على غزة؟

05 سبتمبر 2014 20:59
نوايا ما قبل وأثناء وبعد الحرب القذرة على غزة؟

نوايا ما قبل وأثناء وبعد الحرب القذرة على غزة؟

د. محمد وراضي

هوية بريس – الجمعة 05 شتنبر 2014

إن كانت النوايا عبارة عن مقاصد خفية، أو هي بصيغة أخرى عبارة عما يفكر فيه الإنسان، ويهيئه في ذهنه لتحقيق أمر ما، أو لبلوغ هدف محدد، فإنها طالما تحولت في المجال السياسي بالذات إلى التناجي. والتناجي يستدعي وجود طرفين على الأقل. وحتى إن هما لم يكونا متناغمين تمام التناغم، فإن مصلحة ما أو مصالح على المدى القريب والبعيد قد تجمع بينهما، إلى حد استعدادهما للدفع بها إلى النهاية التي تم لهما تحديدها وتصورها بأي ثمن، وبأية وسيلة. فكأنهما يعدان مسرحية لحملها إلى حلبة الصراع، في انتظار النتائج المرسومة المتوقعة.

إنما مع استحضارنا لعمل مسرحي يتحكم فيه المخرج، بتكامل مع كاتب النص أو “السيناريو”، ومع الممثلين الذين حددت لهم أدوارهم بعناية فائقة. يعني أن العمل المسرحي فنيا نتحكم في إخراجه، بينما العمل السياسي معززا أو غير معزز بالعمل العسكري، يظل عرضة لاحتمالات شتى، ربما لم تدخل في حسبان المخططين له، وبالتالي يفقدون السيطرة في الوصول به إلى المحدد من الأهداف أو الغايات.

ومن الملاحظ أن دائرة التناجي قد تتسع لتشمل أكثر من طرفين. إنه حوار من المعتاد أن يجري مباشرة وراء أبواب موصدة، بعيدا عن أية مراقبة محتملة للمتناجين. غير أن مضامين التناجي، أصبح اليوم الاطلاع عليها من الممكنات، فإن كانت تلك المضامين أسرارا ذات خطورة، فإنها سوف تصبح بعد حين من الواضحات المعلومات، الموضوعة على مكاتب بعض قادة الدول، بل وحتى على مكاتب بعض أصحاب المواقع الإلكترونية النبغاء! وما غزوات موقع “وكليكس” الشهيرة عنا ببعيدة! فكثيرة هي الأسرار التي فضحها وكشف عنها صاحب هذا الموقع الهام، ليصبح مطلوبا باسم القانون من جهات عدة، وبحجج واهية، تذكرنا بتلك التي تم اعتمادها من طرف الأنظمة العلمانية الغربية والعربية لغزو العراق! وفي طليعتها بكل تأكيد، الولايات المتحدة الأمريكية.

ولتكن انطلاقتنا للكشف عن المستور، هي الهجوم الصهيوني المفاجئ على غزة عام 2012م! لتكن هذه الانطلاقة من حيث توقيتها ومن حيث ملابساتها مجرد استجابة لطرف ظالم طاغية يهيئ لشيء ما من جهة! أو مجرد بالون اختبار للوافد الإسلامي الجديد على حكم مصر من جهة ثانية! حتى لا يتمكن مطمئن البال من ترتيب كافة أوراقه وملفاته!

ويبدو -لمجرد وصول الإسلاميين إلى السلطة- أن القائد الجديد في مصر، لم يكن على استعداد للبقاء في أحضان الصهيونية والأمريكيين كسلفيه العلمانيين المتجبرين: محمد أنور السادات، ومحمد حسني مبارك. فقد اتضح كيف أن مرسي عبر بتصرفاته السياسية الواضحة، عن كون فك الارتباط مع الحليفين المقيتين المذكورين قبله، مطلب شعبي لا محيد عنه. كما عزم على وضع حد لاستيلاء أثرياء الخليج الجشعين على أراض شاسعة في بلده بأبخس الأثمان! فصح أنه سوف يكون عرضة لأكثر من جهة ناقمة. كل جهة تنهش لحمه وعظمه! ومن خلال نهشها لهما تنهش لحوم الشعب المصري وعظامه! متكاملة ومتناسقة مع الغرب الاستعماري الذي لا يريد أن يفقد حليفا من جملة ما يحرص عليه، إبقاء المحتل الصهيوني دولة قوية، تؤدي دورها الاستعماري بعيدا عن أي إزعاج محتمل.

ومصدر الإزعاج الوحيد، لم يكن غير حماس والجهاد الإسلامي، وكل من تم وضعهم في خانة الإرهاب الديني، بحيث أصبح الدفاع عن القيم الكونية مطلبا تساهم في إرساء دعائمه دول الشرق الأوسط التي تنعم شعوبها بالحرية والكرامة والديمقراطية كحال مصر والأردن وعامة دول الخليج!!! جنبا إلى جنب مع الغربيين بدون ما استثناء! فكان أن نجح الحلف العربي الصهيوني الغربي لإعادة الأمور إلى نصابها في أرض الكنانة! أو في أم الدنيا التي ما انفكت تنجب أبناء عاقين! من عادتهم تركيع بقية أبنائها المرضيين المخلصين المستعدين لدفع آلاف الضحايا مقابل التحرر من الطاغوت الجاثم على صدورهم لأجيال عدة! فكان أن شهد العالم كله مسرحية الدفاع المستميت عن القيم التي يروج لها الغربيون باللسان! بينما هم على أرض الواقع يعملون على دحرها من خلال مشاهد تحكي ما جرى في مذبحة الفجر المشهورة! تلك التي تركت خلفها عادة رفع المصريين لأصابعهم الأربعة دون الإبهام الذي سوف يرفعونه لاحقا في ساحة ربما أطلقوا عليها “خامسة”!!!

وبما أن تهمة الاستعانة بالحمسويين لتحرير آلاف من سجناء الرأي في المحروسة أثناء ثورة الشعب المصري المجيدة! بما أنها موجهة مباشرة إلى الرئيس الشرعي المنتخب! وكأنه رتب قبل الزحف الشعبي مع حماس لتنفيذ الخطة التي هي واحدة من التهم الملفقة الموجهة إليه! فإن حماس لا بد أن تدفع ثمن حضورها غاليا إلى مصر لمساعدة إخوانها في القناعات الدينية والسياسية، ولكي تدفع الثمن غاليا، جرى تأليب إسرائيل على الغزيين، كي يتبرأوا من حماس خاصة، ومن المقاومة المسلحة عامة! وكأننا بمخطط يستهدف العودة بغزة إلى بيت الطاعة! بيت الطاعة الإسرائيلية! أو بيت الطاعة المصرية كما هو الحال منذ عام 1948م إلى حرب حزيران عام 1967م! أو إلى بيت طاعة السلطة الفلسطينية المقيمة بالضفة الغربية! غير أن المقاومة الشعبية الباسلة، كذبت كل التوقعات! وأفشلت كافة المخططات! ولم يكن قادتها أشخاصا مطواعين، تغريهم الوعود، وتزعزع ثقتهم في الله وفي أنفسهم تهديدات الأنظمة الرجعية المتخاذلة التي تتوعدهم بالويل والتبور!

ومما يثلج صدور الواثقين بقوة الشعوب، هو أن “العروبيين” أو “الأعراب” المتآمرين على الشعب المصري لإجهاض ثورته -وهم يذوقون طعم انتصار المقاومة المر وأنوفهم راغمة- هو ما فاجأهم به منذ قرون طرفة بن عبد البكري إذ يقول:

 ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا***ويأتيك بالأخبار من لم تزود

 ويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتا***ولم تضرب له وقت موعد

فلا أمل مؤكدا للعروبيين في كون حماس بالذات سوف تنهزم! وأن المقاومة الفلسطينية سوف تسلم السلاح لأعداء السلام وخصوم الحرية والكرامة! فوعود المخططين لا يمكن الاعتماد عليها وكأنها مضمونة التحقيق! فكم سعت الإمبريالية الأمريكية إلى هزم الفيتناميين الذين قاوموا طغيانها المسلح لسنوات طوال؟ وكم خططت ورسمت، وتنبأت، وتوقعت، فإذا بها تخرج من اعتداءاتها السافرة السافلة على الشعوب خالية الوفاض!!! ونفس حساباتها الخاطئة سوف تتكرر في كل من العراق وأفغانستان. إذ كل ما جنته وتجنيه هو صرف ميزانيات ضخمة لضمان السيطرة على منابع النفط! ولحماية أصدقائها الأعراب أو “العربان” من انتفاضات الشعوب التي أعياها انتظار الوعود المعسولة. هذه التي لم يفارقها التخلص من الهيمنة الاستعمارية على مقدراتها. يعني بوضوح العبارة: إن المستهدفين الأساسيين هم الشعوب التي أرادها سماسرة المال والأعمال، أن تظل رؤوسها متطأطئة! والبركة كما يقال في قادة الأنظمة الذين لا يجدون أية غضاضة في القبول باللاآت السائدة، التي لا ينبغي لهم رفضها مخافة من انقلاب السادة الآمرين عليها في ظروف لم يقرأوا، لا ما قبلها ولا ما بعدها! يكفي أن ما جرى في غزة، لم يكن توقعهم له كما جاءهم مخيبا للآمال! فلا إسرائيل -وخلفها أكثر من حليف- حققت الأهداف المحددة. ولا الأحلاف، بالرغم من كل جبروتهم قضوا على بعبع به أصبحوا يخوفون شعوب العالم! إنه بعبع لجأ إلى التخويف به القذافي ومبارك وابن علي، وغيرهم ممن وجدوا أنفسهم منبوذين من شعوبهم الغاضبة الثائرة! يعني أن الخطر كل الخطر قادم من الشرق! وأن السعد الذي لا تحصى ألوانه وأشكاله قادم من الغرب! فلا أقل من تكرار هذا البيت الشعري السائر كمثل ظل على قيد الحياة منذ العصور الجاهلية الأولى! وهي عصور للمدققين في الوصف والمقاربة، لا تختلف كثيرا عما يجري الآن بين ظهرانينا كعرب، ندعي أن الدين واللغة والوطن والعادات والتقاليد والطموحات والآمال والأحلام تجمعنا جميعنا. يقول الشاعر:

 وظلم ذوي القربى أشد مضاضة***على المرء من وقع الحسام المهند

ولنا أن نتصور التكامل الحاصل الذي لا مراء فيه، بين ظلم الأقارب من العربان، وظلم الأباعد من الإفرنج المدعين للتحضر والتمدن! عندها نقرأ بوضوح لا لبس فيه ولا غموض معه، ما الذي جعل الشعوب تتأفف من الحكام، ومن أحلاف الحكام الغرباء عنا بالوجه، واليد، واللسان، والمصالح والأهداف والغايات؟ مع أننا -والحالة هذه- لا نستطيع الوقوف على مبررات سياسية وأخلاقية وقانونية ودينية وقومية ووطنية مقبولة، لمن يرغبون في نسف ما تم من خطوات على درب المصالحة الوطنية بين كافة الفصائل الفلسطينية؟

فهل خصوم البندقية، والمدافع الرشاشة، والصواريخ من العروبيين، يخططون بأنفسهم ما يخططونه من تحركات للتقليل من عمل المقاومة، وللسخرية مما سماه أبو مازن منذ أعوام “الصواريخ العبثية”؟ أم إن غيرهم من ذوي القربى والغرباء هم الذين يخططون لهم كي يواجهوا فريقا من المقاومة يرى أن لا أمل يرجى فيما يصح وصفه بالمفاوضات العبثية؟ أو لم يصل خصوم البندقية إلى نفس القناعات السياسية التي وصل إليها الأحرار في كافة المعمور؟ إنها انتصار المقاومة في رقعة من الأرض محدودة مساحتها، ومحدودة ساكنتها.؟ أو لم يخجلوا من أفاعيلهم النكراء وأحرار العالم قد تعاطفوا مع المحاصرين في تلك البقعة التي تشبه جزيرة محاطة بالأعداء من كافة الجهات الأربع؟

والعودة إلى الوراء في الصفوف الفلسطينية، أو لا يمثلها القفز الأعمى إلى الأمام لاستغلال ثمار المقاومة الباسلة بحجة وجوب تصرف السلطة المركزية في كل ما يتصل بإعادة إعمار غزة وتسيير شؤون الغزيين، وكأن السلطة في رام الله قد نجمت عن انتخابات لم يشارك فيها قادة حماس السياسيين على وجه التحديد، كحزب يمثل من تم انتخابهم في صفوفه نسبة مائوية عالية، لها كامل الحق في النزول إلى الشارع لإدارة شؤون الشعب الفلسطيني بكامله؟ فلو نص الدستور الفلسطيني على انتخاب رئيس الدولة من طرف البرلمانيين، لما تأتى لأبي مازن ولا لغيره من الفتحويين الوصول إلى كرسي القيادة أو الزعامة؟

والمتفاوضون الفسطينيون منذ سنوات طوال ثقيلة على المواطنين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، هل تقدموا خطوة واحدة إلى الأمام؟ وهل تمكنوا مثلا من بناء المطار والميناء في غزة، وحققوا للمواطنين حرية التنقل كبقية ساكنة العالم؟ وبعبارة أخرى: هل حصلوا فعلا على نفس المطالب التي تطالب بها المقاومة المسلحة في غزة على لسان قادتها السياسيين الحمسويين والجهاديين؟ وهل أوقفوا المد الاستيطاني الآخذ في الاستفحال، إلى الحد الذي بادرت فيه “إسرائيل” بعد هزيمتها النكراء إلى نهب أراض فلسطينية جديدة في الضفة الغربية لإقامة مزيد من المستوطنات، وكأن المتفاوضين معهم لا يملكون غير الاستسلام للأمر الواقع؟ حتى ما تم بناؤه من مستوطنات، لا يحلم المتفاوضون باسترجاعه بقدر ما هيأوا أنفسهم للقبول بالحصول على أراضي أخرى بدلها حتى يظل المخطط الصهيوني قائما لأسباب عسكرية ولأخرى سياسية كما يدعي حكام تل أبيب؟

ومع ذلك يبدو أن السلطة الفلسطينية برام الله لم تدرك بعد مدى حاجة الشعب الفلسطيني إلى التضامن والتلاحم والتآخي والاتفاق، إنهاء لإنجاز مهمة فشل الأعراب على مدى عقود طويلة في إنجازها؟

وبمناسبة ذكر الأعراب، أو العربان، أو العروبيين، أشير إلى أنني والحرب على غزة قائمة تلتهم الكبار والصغار والمنازل والمستشفيات والعمارات والمصانع والمعامل ودور العبادة التي نال الكثير منها القصف الوحشي إن بالليل وإن بالنهار، والناس داخلها يؤدون واجبهم الديني، والأخطار تحدق بهم من كل جانب.

أقول: تساءلت -بمناسبة ذكر العروبيين- عن دور الجامعة العربية التي يوجد مقرها بمصر القاهرة؟ والتي لم تتحرك حتى حدود الساعة، على الأقل لتقييم ما جرى ولاتخاذ موقف محدد لتقديم العون الضروري لسكان غزة الجريحة؟ ثم لتحديد موقف مشترك لمواجهة ما يمكن أن يحدث أو يتكرر في نفس القطاع الفلسطيني غدا أو بعده؟ فحتى الآن لا زال بالنا مشغولا بخصوص الدفاعات الجوية التي لم تتوفر عليها المقاومة الفلسطينية! إذ لو توفرت لديها، لما كان للسلاح الجوي الإسرائيلي أن يتمختر فوق سماء غزة المكلومة الصامدة؟ كما أنني تساءلت عن مدى جاهزية منظمة المؤتمر الإسلامي المهمومة حسب مزاعم المنخرطين فيها بتحرير ثاني القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين؟ فكان أن قويت شكوكنا -كمشاركين في مواجهة المنكر بالقلب واللسان- بحقيقة دامغة ملموسة ينبغي أن لا تغيب عن أذهاننا، نقصد تخاذل الحكام كلما تعلق الأمر بقضايا الأمة العربية، تمثلت في الماديات أو تمثلت في المعنويات! هذا التخاذل الذي ترجمته الشعوب إلى تحركات واحتجاجات وانتفاضات، لولا الظلم والقسوة والجبروت المنصب على قلوب وصدور وأجساد أبنائها، ما سمعنا بالربيع العربي، ولا بخريفه، ولا بصيفه، ولا بشتائه!!!

الموقع الإلكتروني: www.islamtinking.blog.com

العنوان الإلكتروني: [email protected]  

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M