لا دين لا نخوة ولا حميّة

06 سبتمبر 2014 21:13
لا دين لا نخوة ولا حميّة

لا دين لا نخوة ولا حميّة

ماهر الصديق

هوية بريس – السبت 06 شتنبر 2014

من أي زاوية يمكنننا رؤية العداء المحموم من قبل مؤسسات دينية وإعلامية وسياسية وقضائية على غزة بصفة خاصة وعلى أهل فلسطين عموما. بل على كل إرادةٍ مقاومة رافضة للذل والهوان! وهل من مبرر منطقي وأخلاقي لهذه الحملات المتلاحقة التي وصلت حد شكر الأعداء على مجازرهم والتشفي بآلام الضحايا الذين يتعرضون لحرب إبادة، بعد سنوات من الحصار والتجويع والاذلال على الحدود؟

هل تمكنت دولة الاحتلال من استغلال الفرصة الذهبية المتمثلة بالتطبيع بينها وبين بعض العرب فجندت جيوشا من علماء الدين والإعلاميين والعسكريين والنشطاء النقابيين؟

جيوش قادرة على قلب الحقائق وتصوير العدو شقيق والشقيق عدو! وعندما جاء دورهم وشعرت الدولة الصهيونية بالخطر من خلال بروز قوة معادية لها صعدت إلى السلطة باختيار شعبي حر، أوعزت لهذا الحشد الهائل من المرتبطين معها بالتحرك للانقضاض على اختيار الشعب، وبعد ذلك التآمر على قوى المقاومة خلف الحدود، والمساعدة بإجهاض المكتسبات الشعبية في الدول التي شهدت الربيع العربي.

هذا ما حصل في مصر بعدما انتخبت لأول مرة في تاريخها رجل مدني يحمل العداء للصهيونية ولا يعترف بشرعية احتلالها لفلسطين، ويؤيد بقوة الحقوق الفلسطينية، وحركة المقاومة التي تناضل من أجل استعادة الحقوق؛ وهو ما سيحصل في أي بلد آخر فتح أبوابه لأجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” عبر ما يسمى بالتطبيع.

يمكن أن نتفهم مواقف الدول ذات الحكم الشمولي لأن استمرارها في الحكم يقتضي التآمر على الإسلام الوسطي المتنور، الذي يرضى بمشاركة المكونات الدينية والقومية والفكرية الأخرى في إطار الوطن ومصالح الأمة. ولهذا رأينا التعامل المفرط بالظلم والقهر مع المعارضين لحكمهم كالقتل والنفي وإلغاء جنسية المواطن والزج في السجون مع التعذيب. يكفي ذاك الشيخ الجليل الذي يتعرض للتعذيب اليومي ويمنع من الوضوء والصلاة، “لذنب عظيم اقترفه” لمطالبته بموقف حازم من دولة نشرت صحفها صورا تسيء للرسول عليه الصلاة والسلام. لقد زاد القاضي عشر سنوات على الحكم لأن الشيخ حاول الدفاع عن نفسه، فأي عدل وأي إنسانية وأي قانون يحكم تلك البلاد؟

منذ متى كان الإسلام لا يسمح للمتهم بأن يدافع عن نفسه وأن يبين موقفه؟ لكنه حكم الظالم الذي يحاول أن لا يترك مجالا للتنفس حتى لا تضيع امتيازاته واحتكاره لثروات البلاد. انظروا لقائمة أغنى 15 حاكما في العالم حيث تتضمن 10 حكام عرب!(1) بينما يعيش معظم أبناء الوطن العربي تحت خط الفقر، وتعج البلاد بالبطالة، وتزداد المشكلات الاجتماعية، وهذا يؤدي إلى تزايد معدل الجريمة والآفات الاجتماعية.

الإسلام لا يقر الحكم المطلق وتناوب السلطة داخل العائلات، ولا يرضى بتحكم عشيرة بالثروات، ولا يتسامح مع المفسدين والمستغلين والعملاء. لهذا رأينا تدفق الأموال الطائلة على الانقلابيين وأعداء الحريات أينما كانوا، والمشاركة العملية والمعنوية لمواجهة محاولات التغيير والتقدم في المجتمعات العربية. يخافون من عدوى التغيير أن تصل إلى عروشهم المهترئة، ولو قضى الله أن تحقق الثورات العربية أهدافها فإن تلك الأنظمة كانت ستزول واحدة بعد الأخرى إن عاجلا أم آجلا.

قامت بعض تلك الأنظمة ذي النشأة المشبوهة بإرسال المجموعات المجرمة التي لا هدف لها سوى تشويه الإسلام إلى سوريا حتى تضرب الثورة من الخلف وتسيء لها وتقوم بأعمال تنفر الناس من الثورة بل وتجعل الأديان والطوائف والأقوام الأخرى تقف مع النظام ضد الثورة، فقامت المجموعات التي تأخذ أوامرها من عواصم عربية وغربية بطعن الجيش الحر في ظهره ومكنت قوات النظام ومن معه من الأنظمة والمجموعات الطائفية باستعادة الكثير من المواقع المهمة التي خسرتها في بداية الثورة، فيما فضح حاكم النظام أحد الأنظمة الخليجية الكبيرة وقال إنها “عرضت علي المساعدة للقضاء على الثورة!”، أما المجموعات المشبوهة فكانت تقوم بأعمال لا يقرها الإسلام الحنيف بقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث والاعتداء على بيوت العبادة للأديان الأخرى وعلى حرمات الآمنين من المسلمين وغير المسلمين مما ساعد النظام المجرم وجعله يحقق مكتسبات لا حصر لها بعدما كان آيل للسقوط. أما الشعوب التي كانت ترزح تحت ثقل الحكومات الدكتاتورية فإنها خسرت فرصة تاريخية للتحرر عندما عادت لنفس النمط من الحكم بوجوه جديدة هي في حقيقتها أسوأ بكثير من سابقاتها.

لقد كان عليها “الشعوب” أن تدافع عن اختيارها مهما قدمت من تضحيات. بغض النظر عن رضاها عن الرئيس المنتخب. إنها مسألة مبدأ، الأصل فيه تثبيت التداول والمشاركة، والتغيير الحقيقي الذي يؤدي للنهضة الفعلية والتخلص من التبعية السياسية والاقتصادية بالدول التي تحمل العداء للأمة. لو نظرنا للدول المتقدمة لوجدنا احتراما لاختيار الشعب من قبل الموالين والمعارضين، ورأينا التعاون لاستمرار قيام السلطات بمهامها. حيث يقوم الموظفون الحكوميون بمهامهم كما لو أن التغيير في هرم السلطة لم يقع. أن الحزب الذي تم اختياره يقود السلطة حتى الفترة المحددة، فإن أخفق في تقديم إصلاحات ولم يحقق تقدما فلن يتمكن من الحكم في فترة جديدة، وإذا أثبت عن جداره وقدم جديدا في المجالات المختلفة التي تهم الشعب فسيختاره الشعب من جديد. ما رأيناه كان شكل جديد من الغدر والخديعة والمكر، فالسلطة السابقة بمكوناتها السياسية والحزبية والإعلامية والاقتصادية وحتى باتباعها من علماء الدين ينقضون على الخيار الشعبي الذي اختار غيرهم ولا يريدون تسليم السلطات، ويقومون بكل ما أمكن لإفشال جهود الوجوه الجديدة، حتى بالوسائل العسكرية، هذا ما رأيناه في مصر وقبلها في الجزائر وفلسطين، وما نراه في غيرها من البلدان التي وصلها الربيع العربي فتحول إلى الخريف بل إلى الصيف القائظ فإذا كان الأسلوب السلمي عبر صناديق الاقتراع والبرامج الانتخابية المتنافسة التي تقدم أفضل الأفكار للنهوض والتخلص من الأزمات لم ينفع في بلادنا فما هو النافع. هل اللجوء إلى العنف هو الحل، أم بقاء القوى الأساسية المهمشة بفعل العسكر والقمع والاقصاء بل والإلغاء على الهامش هو الحل؟

اختار الشعب في الجزائر الحركة الإسلامية فلم يسمح لها بالحكم واختارت الشعوب في فلسطين ومصر وتونس هذه الحركات فلم يسمح لها أن تأخذ دورها لتثبت عن كفاءتها بالحكم أو إخفاقها به، ولو تركت الشعوب في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج أن يختار حكامه بحريه وبدون خوف لما اختار إلا الإسلام المعتدل العقلاني الذي يمتلك برامج إنقاذية لواقع الترهل والانحطاط في الأداء الرسمي القائم. وبالعودة للأدوات التي تستخدم للحيلولة دون وقوع تغيير في الواقع الحكومي، تبرز وجوه تجاهر في مواقفها المعادية للأمة وقضيتها المركزية وتمتدح العدو بلا خوف من محاسبة أو حتى لمضايقة. بل وقبل العدوان على غزة نادى كثير من الذين يظهرون على الشاشات إلى ضرب غزة.

أحد أولئك المرتبطين الحاقدين كان قد دعا المصريين لملاحقة الجزائريين المتواجدين في مصر وقتلهم من أجل مباراة كرة قدم، وفعلا تعرض الطلاب والمقيمين من الجزائريين لأعمال عنف نتيجة هذا التحريض العنصري البغيض. ها هو نفسه يدعوا الآن لمهاجمة غزة من أجل أخبار مغرضة لا أساس لها إلا في عقول الموغلين في الحقد على القوى الإسلامية والمقاومة والذين يؤيدون التطبيع، بل والتعاون مع العدو ضد أبناء جلدتهم. كيف تمكن الحاقدون من قلب الحقائق وجعل العدو صديق والصديق عدو؟ كيف طمسوا الوقائع التاريخية وأنكروا مجازر العدو وضخموا الزلات والأخطاء البسيطة من أبناء وطنهم وقومهم؟

كل هذا وهم يتحركون بحريه ويمتلكون وسائل بث السموم بدعم حكومي واضح وبرضى أعلى الهيئات في الدولة. في الوقت الذي تم فيه إقفال وسائل الإعلام المحايدة والصادقة، وتعرض أصحاب المبادئ للملاحقات والاعتقالات والتهديد والاعتداء. لفت نظري أحدهم وهو يقول: ليس في غزة رجال، ليس فيها راجل واحد! أثار هذا استهجاني وسخطي وقرفي من هذا المستوى المتدني الذي لم تشهد له الأمة مثيلا قبل اليوم. كل هذا ونحن في حضرة المجزرة حيث الدماء وأشلاء الأطفال والنساء، وحيث تباد العائلات تحت دمار البيوت وتهدم المساجد والمدارس والمستشفيات ودور الحضانة. وحيث تلوث الأجواء الغزية بسموم قنابل الأعداء، وتدمر المدن والقرى والأحياء عن بكرة أبيها. وتسطر المقاومة أعلى آيات البطولة التي لم تشهد لها الأمة مثيلا منذ حطين وعين جالوت والزلاقأ.

وتساءلت في نفسي: إذا كانت غزة بلا رجال فأين الرجولة إذن، وإذا كانت غزة بلا كرامة، فأين الكرامة في هذه الأمة وأين الشهامة وأين الدين أيضا؟ هل بقي في هذه الأمة من يدافع عن شرفها وكرامتها سوى المقاومة؟ فهذه غزة بشريطها الضيق وأرضها البسيطة وإمكاناتها المعدومة، المحاصرة لسنوات طويلة تستعصي على آلة الحرب الصهيونية وتكبد العدو خسائر هائلة وتجعل المدن المحتلة من الشمال إلى الجنوب تحت نيرانها، فيما الجيوش المجحفلة والمجوقلة ترتعد في خوفها ولا تتقدم خطوة إلى الإمام للدفاع عن أرضها عندما تنتهك. وما أكثر الانتهاكات التي تعرضت لها البلدان من المحيط إلى الخليج. هذه غزة بلا ماء ولا كهرباء ولا مواد طبية المحاصرة من الشقيق قبل العدو تمنع الأعداء بكل إمكاناته العسكرية الهائلة من التقدم خطوات قليلة، فيما انهارت الدفاعات التي تمتلكها الدول في ساعات وتوغل الأعداء آلاف الكيلومترات في الأراضي الكبيرة القابلة على الصمود لمئات السنين بفعل إمكاناتها وتضاريسها الطبيعية وحجم جيوشها. كيف تكوّن هذا الكم الهائل من الحقد والضغينة، ما جعل إعلاميون وسياسيون وعسكريون وأكاديميون يحملون أسماء عربية يتشفون بآلام أبناء غزة ويشكرون العدو على جرائم رفضها واستنكرها حتى بعض اليهود.

سرعان ما تذكرت المطالبات حتى من بعض أصحاب العمائم الأزهرية بضرب غزة بتهمة تمت صياغتها بدقة متناهية حمّلت غزة ومقاومتها مسؤولية الأوضاع الأمنية غير المستقرة الناتجة عن الانقلاب. أعلنت المقاومة في غزة مرارا بأنها لا تتدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية، لكن حتى يكتمل المشهد ويمتلك المرتبطون مبررات حقدهم، كان لا بد من شيطنة المقاومة في غزة، وإلصاق التهم الجزافية فيها لتأليب الشارع على غزة ولقبول المنطق المشبوه الذي يريدون تمريره خدمة لأهداف القوى المعادية. قالوا إن للفلسطينيين أطماع في سيناء! فكيف يكون لهم أطماع في أرض عربية وهم يمارسون المقاومة منذ مائة عام متواصلة، وهل يقبل الفلسطيني بأي أرض عوضا عن أرضه المقدسة المباركة؟ هذا الأمر لم يكن جديدا في مصر على وجه الخصوص فلقد عمل النظام السابق على تلفيق تهمة تفجير كنيسة القديسين واتهم غزة ليبرر مؤامرته عليها، ولو تأخرت ثوره يناير لشاهدنا وضعا مأساويا بين الأشقاء على جانبي الحدود. في حين أن المخطط لم ينته بل استمر على أيدي وجوه جديدة، وشارع للأسف تم تهيئته بشكل أفضل مما كان عليه قبل الثورة المصرية، التي تم القضاء عليها منذ اليوم الأول لإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية النزيهة في مصر. أن الذي يدعو للغرابة أن السهام صُبت على متهم ينكر التهمة، بينما تناسى أصحاب الأهداف الخبيثة الوقائع الدامغة التي تؤكد قيام العدو بقتل الالاف من أبناء الشعب من أبناء الشعب المصري خلال الحروب السابقة. وأن نسي أولئك المشبوهون فكيف ينسون آلاف الجنود المصريين الأسرى الذين تم إعدامهم بدماء باردة بل وأجبروهم على حفر قبورهم بأيديهم في الرمال الحارقة(2). وأين أصبحت مسألة الطائرة المصرية الذي ذهب ضحيتها 217 راكبا منهم 36 ضابطا و3 علماء ذرة واتهم فيها مساعد الطيار البريء جميل البطوطي. كيف تناسى إعلاميو الصهاينة في مصر هذه القضية، لا سيما أن هناك دلائل كبيرة على تورط أصدقائهم الصهاينة في إسقاطها؟(3) لماذا لا يتكلم هؤلاء عن القضايا والهموم المصرية بدل توجيه المواطن المصري لمسائل ثانوية، واتهامات لا أساس لها تطال إخوة لهم على الحدود. فهل أصبح من قتل الأسرى وأسقط الطائرة المصرية صديقا وحريصا على مصر وشعبها وأرضها وتحولت المقاومة الحريصة على شعب مصر هي العدوة! هل يفرح العلماء والعلمانيين بانكسار المقاومة وهزيمتها حتى تتساوى مع طبائعهم المهزومة معنويا وأخلاقيا؟! ولماذا يضعون مصائب الأمة على كاهل المقاومة فيما تؤكد كل الوقائع بأن المشكلات التي تواجه الأمة بالنواحي السياسية والاقتصادية والتنموية والمعنوية ناتجة عن افتقار الحكام ومن حولهم من أصحاب الضمائر الميتة لملكات القيادة وانعدام الإحساس بما يعانيه المواطن العربي من إحباط كذلك حرصهم على أن يشمل هذا الانحطاط والتراخي كل العرب بما في ذلك فخرهم وعزهم المتمثل بالمقاومة. لهذا يتهمون المقاومة ويستبعدون مكائد الأعداء الصهاينة ودسائسهم وتخريبهم وإفسادهم، فصوروا الصهيوني بالحضاري المسالم أما المقاوم فهو المتوحش الإرهابي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) http://www.alquds.co.uk/?p=203941

2) http://news-arabe-1.blogspot.ca/2010/01/blog-post_1468.html?m=1

3) https://dvd4arab.maktoob.com/f161/3056604.html

http://www.youtube.com/watch?v=tjJapDyanYk

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M