هجمات سبتمبر.. دروس ولا معتبر

11 سبتمبر 2014 02:52
رفض إسقاط تهم أميركية للسعودية تتعلق بـ11 سبتمبر

هجمات سبتمبر.. دروس ولا معتبر

هوية بريس – علي صلاح

الخميس 11 شتنبر 2014

تحل هذه الأيام ذكرى هجمات 11 سبتمبر التي هزت العالم، وقلبت الكثير من المفاهيم السياسية وغيرت العديد من التحالفات الإقليمية حتى أننا لا يمكن أن نستبعد تأثيرات هذه الهجمات وتداعياتها على كثير من الأحداث التي تجري الآن في العالم العربي والإسلامي بل والعالم كله..

فقد مثل رد الفعل الغربي على الهجمات -والذي بدا مبالغًا فيه- تفجيرًا لضغائن محبوسة في الصدور تجاه العالم العربي والإسلامي كانت تظهر من حين لآخر ولكنها لم تكن بهذه الصورة الفجة

كما أنها كشفت عن موجة من التطرف “المسيحي” الذي يجتاح الغرب الذي كان دومًا يتشدق بأيدلوجياته العلمانية والفصل التام بين السياسة والدين، وانتهت المزاعم التي كانت تروجها النخب اليسارية واليمينية في عالمنا العربي بشأن نزاهة الغرب وحياديته تجاه المسلمين وقضاياهم، وأن الخطأ يقع علينا نحن لأننا لم نقدم لهم الصورة الصحيحة عن مشاكلنا وقضايانا، وظهر هذا جليًّا في بروز المحافظين الجدد بأمريكا.

لقد تم اتخاذ مواقف صارمة ومجحفة ضد الإسلام كدين والمسلمين كأشخاص والعرب كقومية في جميع بلدان العالم تقريبًا رغم أن من قاموا بهذه الهجمات -بصرف النظر عن دوافعهم- لم يكونوا سوى عدد قليل من الأشخاص لا يذكر إذا ما قورن بحجم العرب والمسلمين على مستوى العالم، وكان قد وقع من غيرهم من أصحاب الأديان الأخرى أكثر من ذلك بكثير دون أن يتم التعميم واتخاذ ما رأيناه من مواقف حادة دمرت الكثير من المتبقي من مصداقية الغرب في عالمنا وأدت لتزايد الحنق والعداء تجاهه.

لقد قتل الخمير الحمر البوذيون ديانة والشيوعيون منهجًا ملايين من سكان كمبوديا خلال 3 أعوام فقط، باعتراف عشرات المنظمات والحكومات وآلاف الشهود ولم نر تحركًا غربيًّا مماثلًا تجاه أصحاب هذه الديانة أو المذهب السياسي أو القومية، رغم أنهم بالملايين ومنتشرون في أماكن عديدة.

كما نفذ هتلر النازي “المسيحي” جرائم بشعة في الحرب العالمية الثانية ضد خصومه وقتل وعذب الآلاف واحتل دولًا ودمر عواصمها، وتجاوز الغرب عن الديانة والقومية، وتسامح مع الألمان، وضمهم إلى حلفه واتحاده، ولم نر تداعيات مثل التي رأينها بعد هجمات سبتمبر.

هل يمكن أن يصدق أحد من الناس أن مسلمين في أقاصي الأرض لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بمن قاموا بهجمات سبتمبر يدفعون بعد مرور 13 عامًا ثمنًا لهذه الهجمات من تضييق عليهم في شعائرهم ووظائفهم والنظرة العنصرية البغيضة إليهم؟

وتستمر موجة الكراهية تتصاعد وتأخذ أشكالًا مختلفة تصل إلى وضع قوانين ضد الحجاب والنقاب والسماح باختراق الخصوصيات والتجسس على الهواتف والاعتقال والسجن بأقل الشبهات وتصديق أي خصم لمسلم أو عربي يتهمه بأي اتهام مهما كانت غرابته وعدم انسجامه مع ما يعرف عن هذا الشخص من خلق وقيم، كما جرى مع أحد المبتعثين السعوديين لنيل درجة الدكتوراه من أمريكا، والذي اتهم بإساءة معاملة خادمته وحكم عيه بالسجن لفترة طويلة.

إن آلافًا أو قل عشرات الآلاف من حالات الاضطهاد والظلم تعرض لها المسلمون والعرب في شتى بقاع الأرض منذ هذه الهجمات وصلت إلى منع ركاب من صعود طائرتهم أو إجبار راكب على النزول من الطائرة قبل أن يصل إلى مقصده لمجرد تلفظه بكلمة عربية أو تحمل ميولًا إسلامية، كما تم توجيه اتهامات جزافية لمسلمين وعرب بالخطف والتفجير وارتكاب جرائم لمجرد انتمائهم الديني أو العرقي.

أضف إلى ذلك حجم الابتزاز الذي مارسه الغرب على الدول الإسلامية والعربية من أجل تحجيم أنشطة التيار الإسلامي وأعمال الجمعيات الخيرية التي كانت عونًا لملايين من الفقراء والأيتام واللاجئين حول العالم من أجل إخلاء الساحة للكنائس لتقوم بجهودها في التنصير والتضليل مستغلة انتشار الفقر والحاجة.

في نفس الوقت وجدت بعض الأنظمة في الدول العربية والإسلامية الأمر فرصة لكي تتخلص من أقوى معارضيها الذين يمتلكون الشعبية الحقيقية على الأرض واتهامهم “بالإرهاب” دون أدلة في معظم الأحيان، في صفقة رخيصة فوَّتها الغرب من أجل أن تساعده هذه الأنظمة في مراقبة بعض الشخصيات والحركات وتعذيب بعض المعتقلين المشتبه فيهم على أراضيها خوفًا من الحساب إذا تمت هذه الإجراءات على الأراضي الغربية “الطاهرة”.

إن هذا الإجراءات والصفقات أدت إلى غليان بين الشباب العربي والإسلامي في العديد من الأماكن، أضف إلى ذلك ما جرى في غزو أفغانستان والعراق من جرائم قتل ونهب للثروات وفساد وظلم وتعذيب، وهو ما أدى إلى تدفق الدماء في شرايين بعض الجماعات التي تبنت العنف وحصولها على بعض التعاطف.

إن تعميم العقاب دون تفرقة والنظرة العنصرية والتعسف في استخدام القوانين دون مراعاة لحقوق الإنسان الأساسية جعل العالم أشبه بغابة، وأحيى رغبة الانتقام في نفوس الكثير من المحبطين.

ووسط هذه الظلمة الحالكة ظهرت بوادر تغييرات سلمية في عالمنا العربي، وهي ثورات الربيع العربي التي أحيت في النفوس الأمل نحو غد أفضل دون الحاجة إلى ممارسة العنف، ولكن الأنظمة الاستبدادية التي دعمت الغرب طويلًا في حربه على ما يسمى “الإرهاب” قابلتها بالعنف وسط صمت غربي متعمد، مما أدى إلى خروج بعضها عن نطاق السلمية كما حدث في سوريا وليبيا

وحتى البلدان التي انتهت فيها الثورة بشكل سلمي أيد فيها الغرب انقلابات مضادة حصدت آلاف القتلى وسط انتهاكات واسعة أدانتها العديد من المؤسسات الدولية إلا أن الغرب كالعادة أيد الأنظمة القمعية وغض الطرف عن حق الشعوب في اختيار قادتهم مما أرجع المنطقة مرة أخرى لحالة من الغليان وتنامي منطق العنف والتكفير، وعاد الغرب ليشكو من “الإرهاب” وتزايده وضرورة وجود تحالف عالمي جديد ضده.

واستغلت بعض الأنظمة في المنطقة مرة أخرى النغمة السائدة حول موضوع “الإرهاب” لتبرر قسوتها مع المعارضين وقمعهم وفشلها في تحقيق الأمن والاستقرار والنمو، وها نحن نعود مرة أخرى لحال العالم عقب هجمات سبتمبر، فلا الغرب استفاد من الدروس التي مر بها والفشل الذي أصابه طوال 13 عامًا وفشل إجراءاته القمعية في مكافحة ما يسميه “الإرهاب”، ولا الأنظمة في المنطقة وعت الدرس وأصلحت من نفسها، بل ظلت سياسة استخدام الفزاعات الأمنية هي السائدة من أجل السيطرة على الشعوب وكبح إرادتها نحو التطلع للحرية والاستقرار.

لقد مرت تركيا بالعديد من الانقلابات العسكرية وحاول العسكر أن يقودها لفترات عديدة وفشلوا فشلًا ذريعًا حتى أوشكت البلاد على الإفلاس، وعندما ترك للناس حرية الاختيار وصل للحكم من يستحقه بعد تجربة رائدة في المحليات أظهرت نبوغًا واضحًا وأفلح حزب العدالة والتنمية أن يصبح أول حزب يجلس على مقاعد السلطة 3 فترات متتالية منذ قيام الدولة التركية الحديثة، وتمكن رجب طيب أردوغان من تحقيق طفرة اقتصادية وتشريعية ضخمة أدت إلى دخول تركيا ضمن أفضل 20 اقتصادًا في العالم، وتخطط للدخول ضمن العشرة الكبار قريبًا.

إن التجربة التركية التي أظهرت تحررًا واضحًا من الرضوخ للإرادة الغربية ومشاريعها في المنطقة أصابت الدول الكبرى بالفزع، وهو ما يبدو في طريقتها في التعامل مع حلم دول الربيع العربي نحو الحرية والنمو والذي قد يخرجها من بين يديها ويجعل تنفيذ أجنداتها أمر مستحيلًا.

إن المشروع الغربي في المنطقة قائم على مجموعة من الاعتبارات؛ من أهمها تكريس التخلف والاستبداد حتى يسهل قيادة الدول للقرارات التي ترضيها وفي هذا الطريق لا مانع من التغاضي عن التجاوزات الحقوقية والإنسانية، لكن ما ينساه الغرب دائمًا أن هذا الأمر يوسع نطاق الظلم والإحباط ويروي بذور العنف و”التطرف” ويعود إليها بما تسميه “إرهابًا”، بينما يرى أصحابه أنهم ينتقمون ممن أذلهم وترك الأمر في أيدي من يذلهم.

وإذا عدنا من حيث بدأنا أو من نقطة هجمات سبتمبر 2001 سنجد أن نفس الملابسات والظروف لم تتغير، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه بينما صانعو الأحداث في غيبة عن الوعي.

(مفكرة الإسلام)

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M