بيان وتوضيح بشأن قصيدة: «يا خادم الحرمين» وتداعياتها..

26 أغسطس 2013 12:45

د. عادل رفوش

هوية بريس – الإثنين 26 غشت 2013م

(على إثر القصيدة التي كتبها العلامة المغربي الدكتور عادل رفوش في انتقاد ملك العربية السعودية واستنكار انحيازه إلى الانقلابيين في مصر أصدر العلامة الدكتور محمد المغراوي بيانا يستنكر فيه ما أسماه هجوا لخادم الحرمين، وقد توصلنا في “هوية بريس” ببيان من الدكتور رفوش يناقش فيه شيخه المغراوي بأدب العلماء الكبار متمسكا بموقفه الداعي ملك السعودية إلى التراجع عن الانحياز ولعب دور الحاكم العادل الذي ينحاز للحق والعدل ويرفض الظلم وهذا نص البيان):

“بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد: 

فإنني مع شدة وفائي لشيخي المغراوي حفظه الله الذي ترعرعت بين يديه متعلما منذ الصبا وفي مرابع العلم الزاخرة عند شيوخ مملكتنا المغربية الحبيبة، ثم بتوجيهه بالرحلة إلى بلاد شنقيط الشامخة؛ فإنني أشد وفاءً واعترافاً بالجميل للمملكة العربية السعودية الشقيقة؛ التي نهلنا من معينها في معاهدِ جامعةِ الإمام قبل أن نلتحق بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وفي مختلف مناطق المملكة المباركة وبين جل علمائها الأبرار بدءاً بشيوخي الأجلاء: ابن باز وابن العثيمين وابن جبرين رحمهم الله وألحقنا بهم صالحين..؛ بلدُ خيرٍ وحياضُ برٍّ أرضاً وحكومةً وشَعْباً؛ وهذا أمر معروف علينا متواتر عنا وشواهده والحمد لله متوافرة أذكر منها قصيدة كنت ألقيتها أظن في سنة 1999 بين يدي شيوخي الكرام في مسجد شيخ الإسلام بالرياض في ختام دورة علمية مطلعها:

لله درك يا محروسة الحصن
 

ويا جمالا أدام القلب في وسن
  

أعني مدينة الرياض وما يليها وما فيها..

وكنا والحمد لله مع المملكة أنصارا مغاربة خلف أمير المؤمنين الحسن الثاني ومحمد السادس بعده؛ في كل القضايا التي خاضتها وتربص أعداء الحرمين بها فيها، تربينا على ذلك ديناً وتحملنا الإذاية في سبيله ضد مختلف التيارات والاتجاهات وبالأخص المد الرافضي الخبيث ودعاة فتنة الخروج من التكفيريين، وكنت اتجهت إلى البحرين إبان الأحداث الأخيرة وفي أوجها قبل تدخل “درع الجزيرة” نناصر الحق وندعم توجه المملكة للدفاع عن جارتها ونطفئ نيران الخبث الرافضي الحاقد على السنة وأهلها وبلادها وحكامها..

ولم نكن يوما نخوض مع اللاغين في عيوب الحكام أو تصيد العثرات أو التشهير على المنابر.. بل كنا ننآى عن ذلك لكذب معظمه ولعدم فائدته ولعدم جوازه شرعاً..

إنما الواجب النصيحة والأدب في السر وفي العلن دون تهويل ولا تهوين.. (ولا يغيب عني التباحث في ذلك وتفصيلاته المعروفة في مظانها رواية و دراية).

كل هذا ذكرته حتى لا يزايد علينا أحد في واجب الاحترام ودين الوفاء والعرفان..

وفي المقابل: فإنني تعلمت في تلك المرابع الصافية؛ أن “الدين النصيحة.. ولأئمة المسلمين وعامتهم..“، وأن المعصوم المصطفى صلى الله عليه وسلم هو وحده “الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى“، وأن الكبير المتعال سبحانه وحده “هو الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون“.. 

ومن محفوظات الطفولة قول الطحاوية: “لا معقب لحكمه ولا رادَّ لأمره”، وأن “كلا يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب الروضة الشريفة ذو المقام المحمود”..

وأن طاعة ولي الأمر الذي بايعته -وهو جلالة الملك محمد السادس- تلزمني في المعروف، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.. وأن ما عداه من رجال الأمة نحترمهم بقدر احترامهم للحق وسلوكهم لسبيله..

ونناصح الجميع ونقبل النصح من الجميع “فكل بني آدم خطاء“.. كل ذلك بضوابطه وشرائطه..

وأن قضايا الأمة الإسلامية وهموم الإنسانية تعنيني بحسب طاقتي وما يبلغه فهمي وبياني؛ فلن نقبل ظلماً ولن نرضى بخَرَسٍ..

ولن نوغل في افتتان ولن نستنكف من العَوْدِ عن  خطإ..

ولا نخلط الحابل بالنابل؛ فوجوب الاحترام لا يعني السكوت عن باطل.. ووددنا لو غيرنا كفانا..، وأما دعوى “مسائل الكبار”؛ فجبهة مدافعة للتكميم، ونحن معها ونذعن لأهل العلم والعمل فسمُّوا لنا رجالكم وأسمعونا خطابهم؟! ما دامت الأهلية بأوصافها المعتبرة عند أهل الأثر والنظر، وليس بتوزيع الألقاب وتعيين المناصب، أو بالأعمار؛ فإن خالف المرسومَ وكان فتىً ادعي عليه التسرع! وإن كان شيخاً ادعي عليه “اختلط بِأَخَرَةٍ”..!!

ولست ممن يستولي على عقله حَدَثٌ فينسى الأحداث، ولا أهتم لصغيرٍ وأهمل كبيراً..

وأما سبب النزول -وهو قصيدتنا في “خادم الحرمين” وفقه الله وأجزل مثوبته على ما أسدى ويسدي لبلاد الإسلام ولمغربنا بالأخص؛ آخرها ما سمعناه في خطاب ملكنا محمد السادس قبل الأخير عن تلك المنحة السخية؛ وأياديه الكريمة يلهج بها محيطنا كله-؛ فالبيان الذي تضمن نصيحة شيخنا لنا؛ أخطأ خطأ فادحا في تسميتها: “هجاءً”!! 

إذ الهجاء سب وقذف، “وما كان رسول الله فحاشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا صخابا في الأسواق“؛ كما هو متواتر في شمائله الشريفة..

وذلك ما نحسب أنفسنا سلكناه استهلالا بثناء يليق بمقامه الرفيع وتقديرنا البليغ..

والثابت لا يحتاج إلى إثبات، وكونه بيتا واحدا كاف في المقام، وهو وفقه الله غني عنه في مقام النصيحة وما أكثر المادحين!!!!

فكونه “خادم الحرمين” وكونه “أرض حمى” وكونه “سيدا تسعى له الأسياد”.. ظاهر في تنزيلنا الناس منازلهم كما أمرنا رسولنا المجتبى صلوات ربي وسلامه عليه وبعيد أشد البعد عن الشتائم والسباب..

بل زدته بيانا بقولي: “أنت مبجل بالعدل” وأنه يمثل البيت الحرام في أن يكون أمنا للناس أجمعين، وأبا مصلحا بالحسنى بين المختلفين في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة..

وكل كلمات القصيدة بعد ذلك الأدب الجَمِّ؛ هي استغراب واستنكار لموقف هذا الملك المبجل الذي وصف بأنه ملك الإنسانية وأياديه البيضاء بالخيرات في كل العالم بادية للعيان؛ كيف يقف هذا الموقف المريب في قضية مصر التي لم يناصر الانقلاب فيها إلا أعداء العدل أو من ظن -وَهَماً- أن يحفظ قَشَّةً من عدل إن كان مقهوراً..

هذا الانقلاب الذي بُيِّتَ له من مُدَدٍ و نُفِّذَ بِحِقدٍ وعُدَدٍ و مَدَدٍ، و ملامح الطغيان فيه بادية لا تبقي لنا عذراً في اللياذ بالصمت.. وقد وضحنا هذا ووضحه المسلمون والغربيون والمخالفون بمختلف البراهين، ومازالت البراهين تترى اعتقالا واعتداء وانتقاما، واستخراجا للاعترافات بالإكراه والتلبيس، مع استغلال مقيت للتهمة المكشوفة: “الإرهاب”!

وسُخِّرَ في ذلك: “سُداسي الموت”: (الجيش والشرطة والمال والإعلام والقضاء والدين!).

(وكلها بالمناسبة كانت في عطلة أيام مرسي، بل في عصيان لمن وكله الشعب المصري -بغالبيته- لكي تطيعه هذه الأقطاب الستة حتى يخدمه فَتْرَتَه ثم يحاسبه، فَعَصَتِ الشعب وخرجت على الشرعية، وأدخلت العالم في احتراب وانتحاب كان يمكن تفاديه).

انتهت مؤخرا بتمتيع مبارك المخلوع بالحرية! مع اختطاف الرئيس المنتخب والولي الشرعي وأنصاره والمتعاطفين وراء الظلام، -وكل شيئ بالقانون!!-؟؟ (أين عقولكم يا أمة الإسلام)..

في انتهاك صارخ لكل الحقوق والأعراف، وفي استخفاف بليد بالعقول البشرية، -حبكاً للقصص وتلاعبا بالتقارير والتصاوير- وفي استقواء تام على الحق بالسلاح والبطش..

وليس في “رابعة وما حولها”؛ إلا القيام والصيام والنساء والأيتام والسلام والاستسلام، ولكن بعزة الأحرار حتى يشهد التاريخ لهم وإن كَفَرَ بحقهم الظاهرون..

هذه هي “أسلحةُ البناءِ الشامل” التي كانت عند أصحاب الشرعية المستضعفين: اعتصام وكلام واحترام وسلام وقنوت والناس نيام، حتى تلقفتهم الأيادي من “جيش بلادي”؛ باقتحام وإجرام ثبت أنهم سعوا إليه دون سواه وأرادوا الإجهاض فقط ولا مصالحة..

أفلم يكن في المقدور أن يحافظ على الشرعية، وتنصلح الأمور بمختلف الوسائل وما أكثرها في عالم السياسة؟

ويؤخذ على أيدي الشرفاء ليكونوا أشرف، ويتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان؟! 

أفلم يكن بمقدور خادم الحرمين -وهو حنون- أن يجمع الشتات وأن لا ينحاز في لمح البصر، ولو احتراما لمشاعر الذين لا يعرفون ظلمات السياسة العالمية؟؟

وأحلف بالله -وما أكثر الحلف هذه الأيام-؛ لو أن جلالته اختار السبيل الآخر لَحَقَنَ الدماء ووافق بين الأطراف ولأُطيعَ وأُعين وكان له من الله ظهير، أو كان على الأقل قد أبرز الأسوأ في نظام مرسي -(وهل استتب له نظام أصلا وقد جوبه بـ22 مليونية في سنته اليتيمة)!!!-؛ كما يُدَّعى حتى يعذره الناس في موقفه، ويكون خادم الحرمين قد نأى بمقامه أن يُذْكَرَ إلا حيث العدل والإحسان والصدق والرحمة والحكمة والألفة والتحابب..

فلمّا كان ما كان مما تتفجر منه الأنهار وما يشقق فيخرج منه الماء “وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون“.. لم نتحمَّل أن تكونَ قلوبنا حجارَةً أو أشدَّ قسوةً، ولا أن نترك أفئدتنا التي ستطلع عليها “الحطمةُ نار الله الموقدة” هامدةً والأرضُ تميد؛ فتكلمنا كما تكلم العالَمُ الحر البصير، باعتدالٍ واعتصام؛ لا نريد من أحد جزاء ولا شكورا ولا نخاف في الله لومة لائم ونطبق وصية رسولنا: “لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول بحق علمه أو سمعه“، “وقد أحسن من انتهى إلى ما قد سمع”..

لم ننجرف بإعلام ولا نغتر بحماس ولا ننساق لعاطفة، بل نسْمعُ ونَسمَّعُ مسمعين، ونلقي السمع بشهادة أُذْن خيرٍ للأمَّةِ بإذن الله راجين، غير سَمَّاعين ولا أَكَّالين ولا في الخلال مُوضِعين، وبمثل هذا الصدع نجح شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب برفقة الأمير محمد بن سعود رحمهم الله في إرساء دعوة الإصلاح، وضربنا لجلالته المثل بموقفه النبيل في سوريا وعدم مهاودته للخوارج في البلد الأمين، وأن كل علماء الدنيا قد اصطفوا وراء السعودية وأصدقاء سوريا دفعا للظلم ومناوأة للظالمين.. (وذلك ما تعلمته في تاريخ المغرب في ثورة الملك والشعب وفاءً لصاحب الحق الأصيل ومدافعة لابن عَرفة الدخيل العميل)..

وذلك الواجب هناك وكذلك نحسبه في مصر الحبيبة؛ التي لا نريد لها ولكافة البلاد إلا الأمن والأمان، -والنأي بمؤسسات الدولة والجيش في مقدمتها عن الطَّرفية في النزاع، ولله در ملكنا -“رَئيس حزب المغرب وكل المغاربة عنده سواء-“..

فهل من أمن مع الظلم؟ وهل من أمانٍ مع الخيانة؟!

وهبها سلمت الصفقة في الدنيا “وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور“؛ فهل الأمور مسلَّمة عند الله يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية؟؟؟! 

ثم ختمت القصيدة بالتذكير لجلالته ولغيره من رؤوس جامعة الدول العربية التي عنيتها بالجمع في قولي: “هذي الوقائع كشفت إفلاسكم وبأنكم صور ترى وتشاد”؛ أليس هذا هو واقع الدول العربية؟ أليست كل قضايانا عالقة وكل الشعوب بالآمال متعلقة؟!

وأن اللقاءات كاميرات والبيانات تنديدات..، حتى هذا الربيع الذي عقدت عليه الآمال واحتملت من أجله الشدائد، صار سحابة صيف عابرة وما توارى (ديناصور) الطغيان إلا لينبعث من جديد.. 

ثم ذَكَّرتُ العروشَ -أَعِزَّةً وفراعنةً- على طريقة القرآن في الوعد والوعيد بذكر أيام الله “وتلك الأمثال نضربها للناس“..

قد أُهْلِكَ الفرعونُ في أوتاده

وعَتَادُ  عَادٍ مَا حَمَتْهُ  عِمَادُ
  

وأن الأمر كما قال دفين بلدنا أغمات الملك الأندلسي المعتمد بن عباد: 

من بات بعدك في ملك يسر به
 

فإنما بات بالأحلام مغرورا
  

وذلك ما عنيناه بالاعتبار بملوك الأرض ممن قص الله علينا أخبارهم كعاد وفرعون، وأن التطفيف في الميزان طغيان مآله الخسران: “ووضع الميزان أن لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان

فبهذا يا قوم تصلح الأرض للأنام..

ومازالت الآمال معقودة بعد الله تعالى على حكمة عقلاء الأمة وعلى رأسهم ملكنا محمد السادس نصره الله وخادم الحرمين الشريفين؛ أن يجري الله على أيديهم أنهار الوفاق وسبل الحق وإنصاف المظلومين، وموعظة الظالمين غير ناقمين ولا منتقمين؛ فالرجوع إلى الحق فضيلة والذلة للمؤمنين عزة وشرف، وحُكْمُ الشعوب بالكرامة أسلم من حكمهم بالهراوة، و”خير أمرائكم من تحبونهم ويحبونكم، وشر أمرائكم من تلعنونهم و يلعنونكم“..

فهذه تباريح ما انطوت في عَروضه قصيدتي؛ لا تَهَوُّراً في إقدام ولا تَدَهْوُراً في إحجام، ولا سوءةَ فتستر ولا وصمةَ فيعتذر..، بل هي تذكرة؛ خذ ما صفا ودع ما كدر..

وبلاد الحرمين فوق الرؤوس وحكومتها بمحل العَين، وكلمة الحق بمحل ناظر العين: 

قالوا خذ العين من كل فقلت لهم
 

في العينِ فضل ولكن ناظرُ العَينِ
  

حفظ الله المغرب وبلاد الإسلام، وفرج همّ مصر والشام، ورفع عنهما يد البطش والطغيان، وهدانا الله أجمعين وجعلنا صالحين مصلحين.. آمين.

 

 

(نص بيان الشيخ محمد المغراوي في قصيدة: يا خادم الحرمين)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M