خطاب ابن عبد الكريم لمجلس الأمة الفرنسوية

28 أغسطس 2013 00:51

ذ. إدريس كرم

هوية بريس – الأربعاء 28 غشت 2013م

تقديم:

نقدم للقراء، كتابا مفتوحا للمجاهد الكبير: محمد بن عبد الكريم الخطابي، بعث به إلى “مجلس الأمة الفرنسي” يبين فيه سعيه إلى السلم والتفاهم، وينفي تواجد أجانب على الأراضي الريفية غير الأسرى، ويحمل “ليوطي” مغبة تنفيذ مخططه الإستعماري مثل ما فعل بأجزاء أخرى من المغرب، كما يندد بتجاهل معارفه له بالمجلس السالف الذكر، ويقر بالحاجة إلى الصحافة لإسماع صوت الحق، وإيصاله لأحرار العالم حتى يدافعوا عن القضايا العادلة في المحافل التي يوجدون بها..

وفيما يلي نص الكتاب:

“قالت جريدة: المنقذ:

نشرت جريدة السياسة في الشهر الماضي، نص هذا الخطاب، ونشرته الصحف الانجليزية، وأشارت إليه الصحف الفرنسوية، وفي الأسبوع الماضي نشرته جريدة “لومانيتي”، ونشرت نتفا مترجمة عنها بعض الجرائد التونسية، ونشرت “الزهرة” تعليقا عليه من باريس في تفنيده..

كتاب مفتوح

من الحكومة الريفية، إلى مجلس الأمة الفرنسي بباريس:

 لنا الشرف بأن نرفع خطابنا هذا إلى مجلس “الأمة الفرنسي” المحترم، وننهي إلى مسامع حضرات النواب الأجلاء بعد أداء واجبات الاحترام، ما نحن عليه من الاستياء العظيم من جهة ما يروجه عنا دولة المارشال “ليوطي” وحتى صحف باريس، من الإشاعات التي لا تدخل تحت حصر، تشويها لسمعتنا عندكم، وحطا من كرامتنا.

ومما آلمنا كثيرا، إنكار بعض الرؤساء من الذين بيدهم مقاليد الدولة، ولديهم صبغة النفوذ بالبرلمان الفرنسي، حيث قاموا في مجلس الأمة بدون خجل، منكرين معرفتهم بنا، وتصفحهم لمكاتبينا، وحتى مشاهداتنا لهم يوم كنا بباريس 1923 حسبما نراه في الصحف الباريسية، مع أننا كاتبنا أولئك الرؤساء مرارا، وشافهناهم حتى بالكلام، مثل “م.بانلوفي” رئيس الوزراء الحالي، كما سبق لنا الكلام مع “م.بوانكاري” بالمراسلة، وأعربنا للكل، عما تنطوي عليه ضمائرنا من الوداد، نحو فرنسا التي كنا نظن فيها أن تكون أول من يساعد على تأييد مطالبنا، والاعتراف بحقوقنا الطبيعية، التي لا يمكن لنا أن نعيش بدونها.

وكم راسلنا المارشال “ليوطي” أيضا بالمكاتب المتوالية، وخاطبناه بواسطة الرسل مرارا، كل ذلك حرصا على الموافقة، وطمعا في الحصول على حسن التفاهم، حيث كان اعتقادنا جميلا فيه، وفي دولته.

أما هو فكان لا يكترث بذلك، ولا يقابلنا ورعيتنا إلا بما فيه الحط من شرفنا، الشيء الذي لا يطيق الصبر عنه إنسان ذو شعور وإحساس، على أن المارشال “ليوطي” من أول يوم لم يرنا بعين الرضى قط، ولا قابلنا بما يعد إحسانا أو اعتبارا، بل ما كان يقابلنا إلا بما فيه الإهانة والازدراء، بالرغم عما كنا نحن نبذله من المجهود، في حسن الجوار مع حكومته، والمحافظة على الصداقة والوداد، الذي كنا نتمنى أن تتوثق عراه بين الجانبين.

لقد أوفدنا مندوبنا السنة الفارطة إلى “فاس” عنذما تحققنا بأن المارشال “ليوطي” عزم على الزيارة إلى بلاد “ورغة” و”صنهاجة” استفهاما عن ذلك الحادث الماس بشرفنا، مع أننا كثيرا ما خاطبناه بخصوص ذلك، كما خاطبنا أولي الأمر والشأن يوم كنا “بباريس” والتمسنا المفاهمة، في جعل حدود معلومة بيننا، حتى لا يمكن لأحد منا مجاوزتها.

كل ذلك حفظا على دوام الود والصداقة، التي بيننا وبين فرنسا، يدلكم على ذلك زيارتنا إلى “باريس”، إذ قصدناها واقتحمنا الشدائد بأنفسنا، وما خاطرنا بالحياة إلا لأجل إزالة المشاكل، وما عساه أن ينبهم على حكومتكم التي أصبح اليوم رجالها من الذين تعارفنا بهم، وخاطبناهم سواء مشفاهة أو كتابة، أو بالواسطة، ينكرون ذلك بدون احتشام.

لكن فما كان من كل ذلك، وما نتج عن إيفاد الرسول إلى فاس؟

فكان الأمر أن تقدمت العساكر الفرنسوية، ومندوبنا لا يزال إذ ذاك بفاس، وهكذا زادوا إلى بلاد “اجبالة، وبني زروال” ونحن لا نبدي حراكا إزاء كل ذلك، إلى أن بلغ السيل الزبى، ووصل الشيء إلى منتهاه، وعلمنا يقينا أن المارشال “ليوطي” عازم على الزيادة إلى أرضنا في هته السنة، وإنشاب أظفاره حتى فيما نذود عنه من أول نشأتنا، ليقضي بذلك على حياة “الريف” لأن من مطامعه بعدما تبين عجز إسبانيا، إلحاق بلادنا بحكومة مراكش، كي يتسنى له أن يستعبدنا كما استعبد رعايا المغرب لسلطته، الذين حكمهم بالقهر، بدعاوى أوهن من بيت العنكبوت، ولذا صرنا مكلفين وملزمين بإيقاع الحرب مع جنوده، ورد هذا التيار الجارف، ليقف عند حده.

وزيادة على ذلك، فإن المارشال “ليوطي” ما ادخر وسعا في تحريك القبائل ضدنا، من المجاورين لمملكتنا وتحريضهم على الاعتداء علينا، كي يجد السبيل لتقديم عسكره هناك، ومع ذلك، فإنا ما خضنا هذه الحرب مع دولتكم، حتى وقع الاعتداء منها أولا، بإطلاق المدافع على محلاتنا، وقذف الطيارات لجنودنا التي كنا وجهناها لتأديب “بني زروال” من الذين كانوا في الحياد، حيث اعتدوا وتمردوا علينا، فما وسعنا إذ ذاك إلا القيام بواجب الشرف ومقابلة المثل بالمثل.

فنشب قتال واشتباك بين الفريقين، وقد وجدنا دولتكم مستعدة للحرب بدل المفاوضة والمفاهمة، شأن الذين لا يعتبرون بحقوق الأمم الضعيفة، ولا يرون لهم حرمة، وإنما الحق والحرمة للسيف والقوة، غير أن النصر ما حالف إلا أنصا ر الحق، والذابين عن شرفهم وعرضهم، ولو جحد الجاحدون، والذين يخادعون أنفسهم وأمتهم بالأوهام الواهية، لكن عما قليل، سيتضح لكم كل ذلك علانية، يوم يطلع فجر الحقيقة واضحا، وتشرق شمس الواقع غير متوارية بسحاب، هنالك تنكشف ستر العورات.

هذا وما كان يدور بخلدنا أن تقع في مثل ما وقعنا فيه من محاربة فرنسا لولا الاضطرار محافظة على حياة الريف وذبا عن كيانه وحقوقه التي عزم المارشال “ليوطي” على أن يدنسها بأقدامه بدعاوى باطلة من كوننا جماعة ثائرة، كأنا خلقنا بدون حقوق، إنما حياتنا الحرب، وغاياتنا الحرب، إلى غير ما يرمينا به زورا وبهتانا.

ألستم أنتم الأولون من يحاربون عن كيان فرنسا ويقاتلون عن حياتها إلى آخر نفس لو ادعيتم ما ادعيتم من حبّ الخير والسلام؟ فكذلك الأمم الضعيفة أيضا، ولكن المارشال “ليوطي” لا ينظر إلا بعين واحدة.

 على أننا ما يممنا “باريس” وقصدنا أم التمدن ومنبع الحرية ودار المساواة وإعطاء الحقوق إلا ظنا في الشعب الفرنسي النبيل ورجاله الأحرار الطائري الصيت في الأخذ بيد الضعيف وإغاثة الملهوف أن يسمعوا نداءنا ويعترفوا بحق الشعب الريفي الذي لا يقاتل إلا عن واجب ولا يدافع إلا عن حق، ولا يتغيى من كل ذلك إلا أن يعيش كالأمم حرية واستقلالا، ومع مجاوريه بالمسالمة والوئام، لأن مبادئنا التي أسسنا عليها نهضتنا القومية، لا ترمي إلا إلى غاية واحدة، وهي الوصول إلى السلم ،الذي هو ضالتنا النشودة، التي لا تستقيم حيتنا الأدبية على الوجه الأكمل إلا به،

أما ما نخوض به من الحروب في الظروف الراهنة ومن قبل، فكل ذلك أمر اضطراري، وقد صرنا كذلك ملزمين من عدة وجوه على، على أننا ما كنا نقصد من الحرب الأولى مع إسبانيا إلا الوصول إلى نوال حقوقنا المهضومة، والحصول على الهناء والسلام الذي لا نبتغي سواه، وما الحرب إلا وسيلة لذلك غير أننا ما كدنا نخلص من هذه الحرب ونصل إلى المقصود حتى جاءت فرنسا تعتدي علينا فزادت الطين بلة.

أليس بعار أن تجد دولتان عظيمتان من دول أوربا أولات القوة والبأس وتتعاونا في آن واحد على شعب صغير لا يملك إلا روحا حساسة وقلبا حيا يود أن يتمشى مع سبيل الحق.

أما ما يرمينا به المارشال “ليوطي”ومن كان على شاكلته، من أنه توجد ببلادنا أيد أجنبية، فذلك مما آلمنا كثيرا، بالرغم من أننا كذبنا ذلك مرارا على صفحات الجرائد، زيادة على ذلك فإن بلادنا مفتحة الأبواب لمن يريد أن يؤمها من مراسلي الصحف، أو من يريد تحقيق ذلك، إذ الشهادة أكبر دليل.

وعلى أية حال، فإننا نحقق لمجلس الأمة الفرنسوي والعالم أجمع، بأن كل ما يروج عنا من هذا القبيل، أي من وجود “البلشفكيين” بأرضنا، فكل ذلك عار عن الصحة، لا وجود له البتة، إذ لا يمكن لمذهب “البلشفيك” أن يروج بين المسلمين، ما داموا متمسكين بأهذاب القرآن الكريم.

كما لا يوجد أجنبي قط بمملكتنا إلا الأسارى، وإنما نحن الذين ندبر شؤوننا بيدنا لا غير، وجميع المواد والذخائر الحربية التي توجد عندنا، فما حصلنا على ذلك إلا بواسطة فرار مهاجمينا من النقط التي كانوا بها، أثناء استيلائنا عليها، غير أن الدولة الريفية ليست لديها صحافة تمثلها، ولا مواصلة بالعالم حتى تفيد أنصار الحق بالواقع، ولا يوجد مدافع عنها بالبرلمان يعارض أولائك المنكرين الذين يعرفوننا كما يعرفون أبناءهم، حتى يمكن للشعب الريفي أن يمثل بصورة مقنعة ضد حكومة “باريس” فتمع لندائنا الذي رددنا صداه مرارا وتسلك معنا سبيل الإنصاف

على أنهم لو أعارونا التفاتا، وحصل حسن الفهم، لم نقع في مثل ما وقعنا فيه من الحرب والخراب، ولأمكننا أن نعيش بالصداقة والصفاء، مع دوام المعاملة الحسنة، والمصادقة الودية مع كل محاربينا، ولكن المارشال”ليوطي” أبى إلا أن نفد برنامجه الاستعماري، الذي لا شك أنه سيقضي على الأمم الطامعة بالخراب والاضمحلال، لأن الحق مع الضعيف، وأن الحق لا يعدم أنصارا في كل عصر وجيل ما دام في الوجود أنصاره

وفي الختام نرجوا من مجلس الأمة الفرنساوي، أن يتفضل بقبول فائق احتراماتنا ومتمنياتنا الودية في الخير والسلام

تحريرا من المعسكر العام بالخط الجنوبي في 25 قعدة سنة1343

محمد بن عبد الكريم الخطابي”

انتهى منه بنصه من: المنقذ، عدد11/بتاريخ10 شتنبر 1925جريدة سياسية تهذيبية انتقادية، جريدة وطنية، تعمل لسعادة الأمة الجزائرية بمساعدة فرنا الديموقراطية شعارها: لحق فوق كل واحد والوطن قبل كل شيء”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M