دقيقة صمت الصم يتحدثون

21 أكتوبر 2014 20:57
دقيقة صمت الصم يتحدثون

دقيقة صمت الصم يتحدثون

مسرور المراكشي

هوية بريس – الثلاثاء 21 أكتوبر 2014

لقد قامت الفدرالية الوطنية للصم بالمغرب، بمسيرة تحسيسية يوم 24شتنبر 2014 بالرباط، بمناسبة اليوم العالمي للصم وذلك تحث شعار: “من أجل مواطنة كاملة وفاعلة”.

والحقيقة أن أغلب مطالب الصم كانت منطقية، فالجميع يطالب بحقوقه المادية والمعنوية في إطار ما يسمح به القانون، وهذه الفئة هي جزء أصيل من الشعب المغربي، لكن قدرها أن تعيش بعاهة الصمم وغالبا ما يرافق الصمم البكم، والجميع معرض لهذه المصائب الصحية، لهذا فالمعاناة كبيرة عندما يصاب أحد أبنائك أو أقاربك بهذه العاهة، نسأل الله للمغاربة جميعا السلامة و العافية.

فالمغاربة يجب أن يكونوا كالجسد الواحد كما قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر أعضاء الجسم بالسهر والحمى لهذا يجب تفعيل الشق الاجتماعي في القانون، وتقديم امتيازات لمن فقد أحد أعضاء جسمه أو حاسة من حواسه، وهذا من حقه علينا وليس منة نمنها عليه.

لقد عادت بي الذكرى إلى أواسط التسعينات، وفي إطار نقابة الطلاب المغاربة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب “أوطم”، لقد طالبنا فيما يخص المنحة بعدم مساواة بين الطلبة الذين فقدوا أحد أطرافهم وخاصة الرجل و الطلبة الذين يتمتعون برجلين، فحتى في ميدان كرة القدم صاحب القدم الواحدة منهزم بـ1 مقابل 2، لأن الطالب صاحب الرجل الواحدة يخسر الكثير بسبب استعماله سيارة الأجرة في التنقل عكس صاحب القدمين، لهذا فالمساواة بينهما في قدر المنحة يعد ظلما للطرف الضعيف، واعتبرنا أن هذه المساواة تعد عدالة عمياء، أي لا تنظر بعين الإنصاف لحالة المعاق.

وعودة لموضوع الصم فالإشارة تعد وسيلة رئيسية في التخاطب بينهم وبين باقي العالم، وكما يقول المثل: “بالإشارة يفهم اللبيب”، فهناك إشارات عالمية يفهمها تقريبا الجميع كـ”الأكل.. الشرب.. التهديد.. النوم.. الإحساس بالألم..” فهذه الإشارات رغم بساطتها أسعفتنا في فهم أحد الصينيين أثناء سفرنا في القطار، لأن اللغة الصينية قليل من يتحدث بها في المغرب، ففي أحد الكتب يحكي فرنسي سافر مع زوجته إلى الصين، ولسوء حظهما لم يتعلما اللغة الصينية ولا ينطقونها وتعد ثقافة الصينيين غريبة عنهم، وبعد التجوال في أحد الأحياء الشعبية، دخلوا إلى مطعم تقليدي ولما جاء النادل خاطبهم بالصينية فلم يفهموا، ثم دخلت لغة الصم الإشارة لعلها تسعفهم، فكانت إشارتهم يفهم منها أنهم يطلبون أكلا لهم وللكلب “بوبي”، عندها ابتسم النادل الصيني وهز رأسه في إشارة تعبر عن فهمه مراد السائحين الفرنسيين، وأخذ معه الكلب” بوبي”، وبعد برهة جاءهم بالكلب “بوبي” مشوي على “الفاخر” ومزين بالفطر و”المايونيز” لقد تمت عملية “الكرملة للمجحوم بوبي”، فلما تعرف السائحين الفرنسيين على كلبهما أغمي عليهما فورا.. هنا تتضح أهمية الثقافة فالصينيون يأكلون الكلاب، كما يأكل الفرنسيون سيقان الضفادع المقلية، لهذا فالإشارة وحدها لا تسعف في غالب الأحيان، يجب التعرف غلى ثقافة المخاطب أولا فقد تعني الإشارة عنده عكس ما تريد تبليغه، وهذا بالضبط ما حدث للفرنسيين والنادل الصيني.

لقد كان عظماء في التاريخ معاقين بفقدهم أحد الحواس أو الأطراف، نذكر على سبيل المثال بعضا منهم لأن المجال لا يتسع لذكر الجميع، هناك الشاعر العظيم أبو العلاء المعري، و”إيديسون” مخترع الراديو والتلفزيون والمصباح الكهربائي.. “كان أصم لا يسمع منذ كان عمره 12سنة”، وبشار بن برد من عظماء الشعراء، “بتهوفن” أعظم موسيقار عرفه التاريخ والغريب أنه أنتج أجمل سيمفونياته وهو “أصم”.. باز. وفي العهد الحديث في نظري يعد الشيخ أحمد ياسين من كبار المناضلين ضد الغطرسة الصهيونية وهو شبه مشلول بالكامل لا يتحرك فيه إلا الرأس..

 وأخيرا تخيلوا معي أن العالم أصيب فجأة بالصمم والبكم، فغالبا ما تأتي الإصابة بهذه العاهة مزدوجة، فعندها سننعم بهدوء بعد أن تختفي الشعارات الصاخبة، وكذا مكبرات الصوت في مهرجانات الغناء، ولن نحتاج إلى كثرة الكلام الفارغ، وستنقص النميمة والغيبة.. المهم سنرتاح من أنكر الأصوات في الإذاعة و التلفزة.. وسيصبح العرس أقل ضجيجا لأن “منبهات الصوت” ليست ضرورية فلن يسمعها أحد.. وابالمعطي أش ظهر ليك فهذ الناس؟ الله يستر العيب أولدي.. الصداع كي ضر فالرأس.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M