تكييف شرعي لبعض وسائل الاحتجاج والتظاهر المعاصرة (ح5)

23 أكتوبر 2014 21:39
تكييف شرعي لبعض وسائل الاحتجاج والتظاهر المعاصرة: المسيرات والوقفات والاعتصامات (ح8)

تكييف شرعي لبعض وسائل الاحتجاج والتظاهر المعاصرة (ح5)

د. محمد أبوالفتح

هوية بريس – الجمعة 05 شتنبر 2014

* متى يكون للمتظاهرين حكم البغاة؟

تقدم معنا أن الخارجين على الإمام الشرعي إما أن يكون خروجهم:

1) بتأويل ومنعة، فهم: البغاة.

2) أو بتأويل وتكفير للمسلمين، فهم في حكم البغاة عند الجمهور، وهؤلاء هم الخوارج.

3) أو بلا تأويل، فهم: قطاع الطريق.

4) أو بتأويل بغير منعة، فهم: في حكم قطاع الطريق.

فمتى يكون للمتظاهرين حكم البغاة؟

للجواب عن هذا السؤال نحتاج لمعرفة معنى البغي عند الفقهاء، لننظر مدى صحة هذا الإطلاق على المتظاهرين. وسأكتفي بأصحاب المذاهب الأربعة لشهرتها، وانتشارها في العالم الإسلامي.

* “البغي” في المذهب الحنفي:

قال الحصكفي: “البغي لغة: الطلب، ومنه: “ذلك ما كنا نبغي” (سورة الكهف: الآية 46). وعرفا: طلب ما لا يحل من جور وظلم. وشرعا: (هم الخارجون عن الإمام الحق بغير حق) فلو بحق فليسوا ببغاة”. (الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 6/314-315).

وقد تقدم من كلام ابن الهمام الحنفي ما يدل على أن الحنفية يشترطون في البغاة: التأويل والمنعة، فإن لم يكن لهم تأويل فهم قطاع طريق، وإن لم تكن لهم منعة فهم في حكم قطاع الطريق واللصوص حتى وإن كان لهم تأويل فيما يصيبون من دماء وأموال.

– قال السرخسي: “وإذا لم يكن لأهل البغي منعة، وإنما خرج رجل أو رجلان من أهل مصر على تأويل يقاتلان ثم يستأمنان؛ أخذا بجميع الأحكام، لأنهما بمنزلة اللصوص. وقد بينا أن التأويل إذا تجرد عن المنعة لا يكون معتبرا؛ لبقاء ولاية الإلزام بالمحاجة والدليل أنهما معتقدان الإسلام، فيكونان كاللصين في جميع ما أصابا”. (المبسوط 10/231).

وظاهر قول السرخسي: (إنما خرج رجل أو رجلان…) يدل على أن المنعة تتحقق مع الكثرة.

ويظهر أن الحنفية يجعلون التحيز داخلا في المنعة:

– قال ابن عابدين : “قال محمد رحمه الله تعالى: إذا تابوا أفتيهم أن يغرموا، ولا أجبرهم على ذلك لأنهم أتلفوه بغير حق، فسقوط المطالبة لا يسقط الضمان فيما بينه وبين الله تعالى، وقال أصحابنا: ما فعلوه قبل التحيز والخروج وبعد تفرق جمعهم يؤخذون به لأنهم من أهل دارنا، ولا منعة لهم كغيرهم من المسلمين، أما ما فعلوه بعد التحيز لا ضمان فيه لما بيننا اهـ.

قلت (القائل ابن عابدين): فتحصل من ذلك كله أن أهل البغي إذا كانوا كثيرين ذوي منعة وتحيزوا لقتالنا معتقدين حله بتأويل سقط عنهم ضمان ما أتلفوه من دم أو مال دون ما كان قائما، ويضمنون كل ذلك إذا كانوا قليلين لا منعة لهم أو قبل تحيزهم أو بعد تفرق جمعهم، وتقدم أن ما أتلفه أهل العدل لا يضمنونه، وقيل يضمنونه وقدمنا التوفيق”. (حاشية ابن عابدين 6/322).

ويشترط الحنفية في البغي أن لا يكون خروجا بسبب ظلم الإمام، فإن كان بسبب ظلمه فإنه لا يسمى بغيا، ولكنه لا يجوز مع ذلك، ولهذا لا تجوز إعانتهم على خروجهم.

قال الشِّلْبٍي: “…بيانه أن المسلمين إذا اجتمعوا على إمام، وصاروا آمنين به، فخرج عليه طائفة من المؤمنين، فإن فعلوا ذلك لظلم ظلمهم؛ فهم ليسوا من أهل البغي، وعليه أن يترك الظلم وينصفهم، ولا ينبغي للناس أن يعينوا الإمام عليهم؛ لأن فيه إعانة على الظلم، ولا أن يعينوا تلك الطائفة على الإمام أيضا؛ لأن فيه إعانة لهم على خروجهم على الإمام، وإن لم يكن ذلك لظلم ظلمهم، ولكن لدعوى الحق والولاية، فقالوا: الحق معنا؛ فهم أهل البغي، فعلى كل من يقوى على القتال أن ينصر إمام المسلمين على هؤلاء الخارجين”. (حاشية الشلبي على تبيين الحقائق 2/294).

القول بعدم جواز الخروج هو الصحيح الذي دلت عليه النصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، خلافا لما ذهب إليه بعض الحنفية من جواز الخروج على الإمام إن جار، ووجوب إعانة الخارجين عليه، فإن هذا القول خلاف ما عليه أهل السنة من الحنفية، ولهذا قال الطحاوي الحنفي: ” قوله: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة) (الطحاوية مع شرح ابن أبي العز ص379).

قال ابن أبي العز الحنفي في شرح كلام الطحاوي السابق: “وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير، السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل…”.

يتلخص مما سبق أن الحنفية يشترطون في البغي:

1- عدم حصول ظلم من الإمام.

2- التأويل.

3- المنعة وتتحقق بالقوة مع الكثرة والتحيز في جهة.

وعلى هذا فلا يصح تسمية الخارجين في مظاهرة بغاة عند الحنفية إذا كان خروجهم بسبب ظلم الحاكم، فإن كان الحاكم المسلم لا يأذن في التظاهر، لم يكن خروجهم في المظاهرة جائزا عند أهل السنة من الحنفية -وإن لم يسموا هذا الخروج بغيا بسبب ظلم الحاكم- كما يدل على ذلك قول الطحاوي: “ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية”.

قال الحصكفي: “… لأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية فرض فكيف فيما هو طاعة”.

قال ابن عابدين محشيا: ” والأصل فيه قوله تعالى: {وأولي الأمر منكم} [النساء:59]، وقال -صلى الله عليه وسلم- «اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع» (الدر المختار مع الحاشية 6/319- الحلاق).

والتظاهر بغير إذن الحاكم المسلم خروج عن طاعته في غير معصية.

فإن لم يكن ظلم من الحاكم، وكان للمتظاهرين بغير إذنه شبهة وتأويل، لم يسم هذا التظاهر عند الحنفية بغيا أيضا وإن كان غير جائز لما تقدم.

فإذا انضاف إلى عدمِ ظلم الحاكم، ووجود تأويلِ المتظاهرين، وجودُ منعة، التي تتحقق بالقوة مع الكثرة والتحيز، انطبق عليهم حينئذ وصف البغي عند الحنفية. والله أعلم.

فمن خرج في مظاهرة من غير إذن الحاكم بسبب ظلم الحاكم لا يكون باغيا عند الحنفية إلا إذا كانت عند الخارجين في المظاهرة قوة وكثرة وتحيزوا عن الحاكم. والله أعلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M