حاجتنا إلى التطبيق لا التنظير

13 نوفمبر 2014 19:26
حاجتنا إلى التطبيق لا التنظير

حاجتنا إلى التطبيق لا التنظير

ذ. أحمد اللويزة

هوية بريس – الخميس 13 نونبر 2014

الكل يحسن التنظير ويتفنن فيه، والكل يمارسه ويركز عليه، لكن التطبيق قل من يهتم به ويجتهد فيه، وكل المنظرين ينتظر من الآخرين أن يمارسوا تنظيره ليرى مزهوا كم هو بارع في التنظير؛ وأن ما ينظر له ممكن الحصول وقابل للتطبيق ويحقق نتائج رائعة، وينسى أنه المعني الأول بذلك قبل كل أحد؛ وأن الحجة قائمة عليه بما استوعبه واقتنع به من حقائق تتعلق بموضوع التنظير.

لكنها البلية التي ابتلي بها كثير من المسلمين وجعلها الشيطان أكبر حبل يطوق به أعناق البشر؛ وأوسع شبهة يلبس بها على كثيرهم؛ حتى يظن أنه على خير ناهيكم عمن يمارس ذلك عن سبق إصرار وترصد.

إن ديننا الشريف الحنيف قائم على العمل وعلى القول الذي يعتبر من العمل، وإن نصوصه زاخرة بالدعوة إلى الاهتمام بالتطبيق والممارسة دون التيهان في أودية التنظير، وأن أسعد الناس في الإسلام من وافق قوله فعله؛ وحاله مقاله، فإن لسان الحال أنطق من لسان القال، لذلك نجد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:«يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار فتندلق أقتابه، فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار، فيقولون: يا فلان، ما لك، ما أصابك، ألم تكن تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه» أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث الأعمش.

فهنا تحذير شديد ووعيد وتهديد وليس تعييبا فقط لهذه الظاهرة مما يدل على أهمية الالتزام بما يتم التنظير له والدعوة اليه، على المنهج الذي سار عليه الصحابة رضوان الله عليهم؛ فلهم قصب السبق في هذا الباب؛ وهم قدوتنا بعد رسول الله الذي قالت عنه عائشة رضي الله عنها: «كان خلقه القرآن» ربطا بين التنظير والممارسة، وكذلك أصحابه كانوا.

يقول أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنهم كانوا يقرئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجاوزون العشر حتى يعلموا ما فيه من العلم والعمل». قال: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا.

وقد كان أصحاب النبي أيضا يتهيبون الرواية وكثرة التحديث، وكانوا يركزون على العمل والتطبيق لأنه المقصود، وقد فقهوا ذلك فانصرفت هممهم إليه فكانوا دعاة بالأفعال أكثر مما كانوا دعاة بالأقوال فحققوا المعجزات.

ولا يخفى على أحد تأثير الفعل في النفس من تأثير القول، وكم أكون ممتنا ومعجبا بمن يريني من نفسه تطبيقا لما يقول، ومشمئزا ممن يكون حظه من دينه القول بلا عمل، لذلك نعيش اليوم وضعا مختلفا عما كان، وابتلينا بالقوالين كثيري الكلام والتنظير وادعاء الفهم والنظر الثاقب، ممن يسمون في دارجة القوم بـ(زريعة الحنك) أو (الدلاقشية) أصحاب الشفوي وقلة اليدوي، ممن يزيد غمة العدم غمة الكلام بدون عمل، ويملؤون النفوس حسرة وألما.

فامتلأ الزمان والمكان بمن يحاضر ويهاتر ويرغذ ويزبد ويحذر وينذر ويتكلم بلسان العاقل الرشيد الحصيف الحريص، لكن هيهات فكم ممن يحدثك عن الصدق وهو كذوب، وينظر للوفاء وهو خائن، ويؤصل للعدل وهو الظالم، ويدعو للنظام وهو الفوضوي..

ومن تُـحاضر في الشرف وهي الوضيعة البعيدة عن الطهر، فهذه آفة لا تخطئها العين ولا ينكرها المتمعن في حال كثير ممن تصدى بالحديث في أمور العامة الهامة من الرويبضة؛ سياسيين كانوا أو إعلاميين أو فنانين أو كتاب صحف وهلم جرا.

لكن العار والشنار أن يوجد من هذا الصنف من يحسب على العلم والدعوة والوعظ والإرشاد والتدين عموما، فكم يصعد المنابر ويتقدم المحاريب ويتصدى لدعوة الناس من لا يحسن  إلا الكلام والتنظير والتقعيد، وهو عند عموم الناس أو من يخالف ما يقول ويضرب عرض الحائط بما يؤسس وينظر.

ولو كان القوم توافق أقوالهم أعمالهم لفتح الله عليهم في هداية الناس، ولأصلح على أيديهم ما أفسد البشر، ولكن استنطاق الواقع يؤكد أننا نعيش أزمة خانقة، وأننا في القول لا يعجز أحدنا الآخر، وكلما كلمت أحدهم إلا وواجهك بأكثر مما تود قوله…

وهذا ما يؤخر نهضة هذه الأمة المكلومة الوضيعة الحقيرة في دنيا الناس اليوم؛ لأن كل واحد يريد من الآخرين ما يريده الآخرون منه، فتضيع الحقوق والمصالح، ويبقى التخبط والفوضى والهوان العنوان الأبرز في حكاية عنوانها واقع المسلمين في العالم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M