ماذا يعني قرار أمريكا إرسال جواسيس إلى المغرب؟

19 نوفمبر 2014 21:50
ماذا يعني قرار أمريكا إرسال جواسيس إلى المغرب؟

ماذا يعني قرار أمريكا إرسال جواسيس إلى المغرب؟

ذ. إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل)

الأربعاء 19 نونبر 2014

قرر «البنتاغون» الأمريكي، إرسال مئات الجواسيس إلى مجموعة من البلدان، ومنها المغرب، من جامعي المعلومات الاستخباراتية لفائدة وكالة استخبارات الدفاع.

وطبقا للخطة الأمريكية الجديدة فإن عدد الجواسيس المذكور سينتشر في كل بلدان شمال إفريقيا و«الشرق الأوسط».

ويتم البحث حول إيجاد غطاء لترتيب نشر هذا العدد الكبير من الجواسيس الإضافيين في العالم، إذ عادة ما يعمل هؤلاء تحت مهمات متعددة ومختلفة للتغطية على عملهم الرئيسي، وهو التجسس وجمع المعلومات التي تحتاجها الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، وهذا حال عدد من موظفي السفارات الأمريكية الذين يشتغلون عملاء للمخابرات يتظاهرون بأنهم ديبلوماسيون.

 والذريعة التي يسوغ بها الساسة الأمريكيون هذا الإجراء، هو اهتمامهم بمحاربة الإرهاب، خصوصا وأن المنطقة تعتبر في نظرهم هدفا لتنظيم الدولة في العراق والشام «داعش».

فهل يعد هذا مسوغا معقولا؟

وهل تستطيع دول المنطقة ومنها المغرب أن تضبط عمل هذا الجيش من الجواسيس؟

وهل تستطيع دولنا أن تتخذ إجراءات واضحة وصارمة ضد الجواسيس الأمريكيين إذا ما خرج بعض هؤلاء عن التجسس على من تعتبرهم أمريكا إرهابيين، وتجاوزهم إلى التجسس على أمن الدولة واقتصاد البلاد والشأن الحزبي والسياسي؟

الاتهامات الموجهة إلى أمريكا بخصوص عمليات التجسس الواسعة لم تقتصر على أعدائها بل شملت حتى أصدقاءها، «فقد طالت أعمال التجسس الأمريكية مئات الهواتف النقالة والخاصة بزعماء وقادة أكثر من 35 دولة مهمّة -صديقة وعدوة- حول العالم، بالإضافة إلى هواتف وحواسيب مئات الملايين من المسؤولين والمواطنين العاديين، فعلى سبيل المثال، فقد قامت بالتنصت على أكثر من 70 مليون مكالمة على هواتف فرنسية -كدولة صديقة- خلال شهرٍ واحد فقط».

أمريكا تريد أن تجعل كل الدول تحت أعينها الاستخباراتية، حتى تستمر في قيادة العالم والتحكم في الشؤون الداخلية لبلداننا.

وحتى تضمن حماية أمنها القومي ترفع كل مرة تهديدا للعالم يتنوع حسب الأجواء الدولية مرة الخطر الشيوعي ومرة القاعدة واليوم داعش التي تزعم أنها بانتشارها وتمددها واستمرار مدها بالمقاتلين تمثل خطرا يهدد أمنها وأمن العالم، الأمر الذي يحتم عليها نشر أعينها وآذانها لتتبع نشاط المتعاطفين والمؤيدين لداعش.

من يعرف النظام الأمريكي كيف يشتغل يوقن بأن داعش ماهي إلا ورقة التوت التي يريد الأمريكيون لها أن تغطي الحقيقة، فالاهتمام المتزايد لأمريكا بإفريقيا والطمع في ثرواتها الغنية التي تسيل لعاب الشركات الأمريكية العملاقة، هو الدافع الأول لهذا العمل الاستخباراتي الكبير، فبعد القمة الأمريكية الأفريقية الأخيرة والتي عقدت تحت عنوان «الاستثمار في الجيل القادم»، والتي صرح «بِن رودس» نائب مستشارة الرئيس الأمريكي للأمن القومي قبلها بيومين مؤكدا على «أن المشاركة الأمريكية الأفريقية ذات طبيعة خاصة، إذ أنها تركز على بناء قدرات الدول الأفريقية ودمجها في الاقتصاد العالمي والنظام الأمني الدولي».

المؤتمر كان مناسبة للعمل على زيادة فرص الاستثمار أمام الشركات الأمريكية في أفريقيا، حيث خصصت حلقة نقاشية حول فتح الأسواق الإفريقية حتى يمكن أن تساهم الولايات المتحدة في تمويل المشروعات في إفريقيا خاصة مشروعات التنمية الكبرى وعلى رأسها مشروعات البنية الأساسية.

التنمية الكبرى لدول إفريقيا -التي تشبه أغلبُ مدنها مدنَ العراق بعد الدمار الأمريكي- تعتبر صفقاتُها أكبر منعش لاقتصاد أمريكا الذي يشكو من تهديدات خطيرة خصوصا بعد الأزمة الاقتصادية التي لا زال يعيشها العالم بأسره.

إذًا نحن أمام عمل استخباراتي لتهيئة مجتمعاتنا وضبطها حتى تكون في متناول الخطط الاستراتيجية التي يضعها الساسة الأمريكيون حتى تبتلع الشركات الأمريكية اقتصادات الدول الإفريقية، كما ابتلعت اقتصاديات الدول الأمريكية اللاتينية، وكما أدمجت هذه الأخيرة في الاقتصاد العالمي والنظام الأمني الدولي، فكذلك ستفعل بدولنا الإفريقية.

وما دامت أمريكا تعتبر نفسها حاكمة العالم، فلمصطلحي «العالمي» و«الدولي» مرادف واحد ومفهوم واحد هو «الأمريكي».

المغرب يعتبر البوابة الأمريكية إلى إفريقيا، ويراهن الأمريكيون على الاستفادة من العمق المغربي الديني والتاريخي في أوربا، لذا، فالاهتمام بالمغرب في السياسة الخارجية الأمريكية في تزايد واضح خصوصا في بُعده التجاري، وقد تجلت إحدى صوره في افتتاح السفارة الأمريكية الإثنين المنصرم لمركبها الدبلوماسي الجديد، والذي سيحتضن مكاتب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالمغرب.

ينضاف إلى ذلك أن السفير الأمريكي في المغرب «دوايت بوش» رجل ذو خلفية اقتصادية بامتياز فهو متخصص في البنوك والاقتصاد.

فكم من أولئك الجواسيس الذين سيدخلون المغرب سيهتمون بالتجسس على المقاولات الكبرى المغربية وعلى أسرار الاقتصاد المغربي؟

قد يستهين الكثير بهذا الكلام متسائلا وماذا يشكل الاقتصاد المغربي بِرمته بالنسبة للاقتصاد الأمريكي حتى يطمع الأمريكان فيه؟

والجواب ليس بالكلام ولكن بالحقائق التي أوردها أبرز المفكرين والكتاب الأمريكان نعوم تشومسكي في كتابه الصادم: «ماذا يريد العم سام؟».

السيطرة على العالم والتدخل في خصوصيات الدول واختراق الشعوب وإعادة تشكيل بنيات المجتمعات، تعتبره أمريكا شرطا لحماية أمنها القومي، لأنها لا تستطيع أن تستمر في الوجود دون التحكم في القرارات السياسية للمنتظم الدولي.

قالت صحيفة «نيويورك تايمز»: «إن وكالة الأمن الوطني الأمريكية استخدمت تكنولوجيا سرية ووضعت برامج في نحو مئة ألف جهاز كمبيوتر في شتى أرجاء العالم على نحو يسمح لها بالتجسس وتوفير طريقة سريعة رقمية لشن هجمات إلكترونية.

واستشهدت الصحيفة بوثائق سربها «إدوارد سنودن»، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن الوطني الأمريكية، وقالت إن الوكالة زرعت معظم البرامج عبر شبكات كمبيوتر وأنها استخدمت تكنولوجيا تسمح لها باختراق أجهزة حتى غير متصلة بشبكة الإنترنت».

إذاً، والحالة هذه حق لنا أن نتساءل ماهي الضمانات والإجراءات التي تتخذها الحكومة والمسؤولون المغاربة في حماية أمننا القومي، وحماية اقتصادنا وسيادتنا من هذا الغول المتوحش، الذي لا يهمه إلا إشباع رغباته وحماية مصالحه، ولو على حساب أرواح البشرية وأمنها وغذائها وصحتها؟

بل يتعين على الفاعلين السياسيين والمثقفين والجمعويين أن يحسسوا بأهمية الموضوع خصوصا أننا نمشي قدما في الحوار الاستراتيجي الأمريكي المغربي، وما يستتبعه من اتفاقيات اقتصادية واستخباراتية بين الحكومتين، سيكون لها أثر بالغ على المجتمع المغربي والأسرة والمرأة والطفل والدخل الفردي والإنتاج الوطني، وعلى كل مناحي الحياة العامة والخاصة وكنتيجة حتمية، على استقرارنا وسيادتنا.

 ولنا أن نتأمل الدور الذي تقوم به جيوش كتائب السلام الأمريكية التي نشرت هذه السنة 101 من أفرادها في المغرب، بعد أن قضوا ثلاثة أشهر وسط العائلات المغربية حتى أتقنوا اللسان الدارجي المغربي، وأقيم لهم حفل حضره جون كيري وزير الخارجية بمعية وزير شبابنا، وأُطلقوا لينضافوا إلى آلاف الأمريكيين الجواسيس ليؤطروا شبابنا في مؤسسات المجتمع المدني المغربي الذي يعتبر من أهم الآليات التي تحاول أمريكا الهيمنة عليها لإعادة تشكيل الوعي المغربي للقبول بالثقافة الأمريكية التي تعتبر شرطا أساسيا لعمل الشركات الأمريكية المتعددة الجنسية والمرتبطة بدوائر تدبير السياسة الخارجية الأمريكية الساعية دوما إلى التحكم في الشعوب، ومن ثَمّ التحكم في الميولات والاختيارات وتوجيهها لتحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M