القرآن الكريم في منهاج التربية الإسلامية واقع توظيفه وآفاق تجديدتدريسه واستثماره

22 نوفمبر 2014 17:37
القرآن الكريم في منهاج التربية الإسلامية واقع توظيفه، وآفاق تجديد تدريسه واستثماره

القرآن الكريم في منهاج التربية الإسلامية واقع توظيفه، وآفاق تجديد تدريسه واستثماره

إعداد: ذ. محمد احساين

هوية بريس – السبت 22 نونبر 2014

1- المنهاج المدرسي بين القديم والحديث

المنهاج بمفهومه التقليدي:

ويسمى المنهج الضيق، ومن تعريفاته: “مجموعة من الحقائق والمعلومات والمفاهيم والأفكار التي يدرسها التلاميذ في صف من الصفوف أو مرحلة من المراحل المطلوب منهم تعلمها واكتسابها في صورة مواد دراسية سميت بالمقررات الدراسية”.

خصائص المنهج التقليدي:

أ- لقد اقتصرت وظيفة المدرسة على الاهتمام بالجانب المعرفي دون الجوانب المهارية والوجدانية.

ب- اهتمام المنهج بالنواحي النظرية وإهمال الجوانب التطبيقية والأدائية.

ج- تركيز المنهج على اتقان المادة الدراسية بدليل جعل النجاح في الامتحان أساس الدراسة.

د- عدم تكامل المواد الدراسية بعضها ببعض مما ترتَّب على ذلك تجزئة الخبرة وضعف القدرة في الاستفادة من المواد الدراسية في المواقف الحياتية.

هـ- تركيز المدرس على أساليب تدريسية محددة كالتلقين والحفظ، والبعد عن التدريب والاعتماد على النفس والبحث والاطِّلاع.

و- إهمال الفروق الفردية بين التلاميذ، والتعامل معهم في جميع القدرات والميول والاتجاهات بأسلوب واحد.

ز- إعطاء التلاميذ المعلومات جاهزة مما يقتل فيهم روح الإقدام والمبادرة والابتكار.

ح- ضعفُ التفاعل بين الحياة المدرسية والمجتمع.

ط- خلو المدرسة من النشاط (مها محمد العجمي، المناهج الدراسية، أسسها ومكوناتها..، مكتبة الملك فهد، الرياض، الطبعة الأولى، 2001م. ص:24- 28).

– المنهاج بمفهومه الحديث:

“مجموع الخبرات التربوية والاجتماعية والثقافية والرياضية والفنية والعلمية… التي تخططها المدرسة وتهيؤها لتلاميذها ليقوموا بتعلمها داخل المدرسة أو خارجها، بهدف إكسابهم أنماطاً من السلوك أو تعديل أو تغيير أنماط أخرى من السلوك نحو الاتجاه المرغوب فيه، (مها العجمي، المرجع السابق، ص:30).

2- تحديات عدة تواجهها المناهج الدراسية:

– ربح رهان الانتقال من منطق التعليم إلى منطق التعلم،

– التخلي عن التفكير بما يجب أن نفعل بالتلميذ،

– كيفية إعطاء هذا التلميذ طريقة ومنهجية في بناء تعلماته وقراراته بشكل مسؤول ومستقل ومحفز،

– ضمن سيرورات تعلمية مهيكلة بمنطق عرضاني، ومنطلقة من أقطاب أو حقول معرفية،

– وداخل مناخ تربوي يطبعه التفهم والتنسيق والتعاون والتواصل بين كل المتدخلين.

3- مقاربات عدة في بناء وتنظيمات المناهج الدراسية:

برزت عدة مقاربات منها:

المقاربة الأولى: ذات مدخل معرفي: تعتبر المحتويات المعرفية غايات في ذاتها، إذ ليس من المقبول مطلقا -في نظر المدافعين عنها- أن يغادر التلميذ المرحلة الإعدادية أو المرحلة الثانوية دون أن “نزوّده” بكمية من المعلومات عن الإسلام والإيمان والحلال والحرام، إلخ…

المقاربة الثانية: ذات مدخل مقاصدي تربوي: تعتبر التلميذ مقصد العملية التكوينية والتربوية وغايتها الأساسية، لا باعتباره وعاءً يُملأ بالمعارف والأفكار، بل باعتباره شخصية واعية ومفكّرة متكاملة الخصائص والأبعاد المعرفية – الذهنية والمهارية – الاجتماعية والوجدانية – السلوكية.

4- منهاج التربية الإسلامية ومحاولات التطوير:

مميزات المناهج الدراسية الجديدة:

– الانطلاق من القيم والكفايات والمواصفات المنصوص عليها في المرجعيات السابقة.

– مراعاة تحقيق مبدأ الترابط والامتداد بين السلك الثانوي الإعدادي، والمرحلة الثانوية التأهيلية.

– ربط المنهاج بأهداف كل مستوى، وتكييف المحتويات حسب حاجيات المتعلمين.

– اعتماد مبدأ الكيف عوض الكم؛ وذلك بالتخفيف من الدروس النظرية لفائدة الدروس التطبيقية، والأنشطة التعلمية ذات البعد الوظيفي.

– الحرص على جعل منهاج المادة يستجيب لتنمية وتحقيق الكفايات المختلفة مع ربطها بالقيم الإسلامية المراد تحقيقها وترسيخها.

– استهداف تنمية شخصية المتعلم في مجالاتها المختلفة: “المعرفة – الوجدان – السلوك “؛ ليصبح قادرا على المساهمة الفاعلة في تنمية مجتمعه والارتقاء به.

– تأصيل المفاهيم الشرعية مع الانفتاح على المفاهيم المعاصرة في ظل مقاصد القيم الإسلامية السمحة.

– التفكير في التلميذ قبل التفكير في المادة المعرفية: اتجاه البرامج الجديدة نحو بناء الضمير الفردي اقتضى إدراج مواضيع جديدة على المادة، والابتعاد عن حشو ذهن التلميذ بالمعارف والخلاصات إلى تنمية شخصية الفرد وترسيخ قيم الفاعلية والإيجابية فيها.

منهاج التربية الإسلامية واختيار المدخل التربوي، حيث:

– حل البعد التربوي محل البعد المعرفي،

– الانتقال من مكونات العلوم الإسلامية: مكون القرآن، مكون الحديث…

– اختيار التربية في علاقتها بمجالات الفعل الإنساني داخل الواقع تكريسا للبعد الوظيفي للتربية الإسلامية، – التركيز على مدخل الوحدات التربوية بحسب حاجات المتعلم المتعددة مع استحضار متغيرات الحياة المعاصرة وقضاياها الراهنة،

– اعتماد نظام التكامل بين مكونات البرنامج،

– تبني الاتجاه الوظيفي في تقديم المعرفة،

– اعتماد البنائية وبيداغوجيا حلّ المشكلات: وهو عمل تأسيسي يعتمد أسسا مرجعية -بيداغوجية وإبيستيمولوجية- تعتبر التلميذ شريكا حقيقيا في إنتاج المعرفة

استنتاج: “إعادة النظر في مفهوم التربية الإسلامية”.

فالتربية الإسلامية انطلاقا من تلك الاختيارات والمرتكزات تعني عملية تفاعل بين الفرد والبيئات التي يعيشها وتحيط به؛ المادية والمعنوية مستضيئة بنور الشريعة الإسلامية بهدف بناء الشخصية المغربية المسلمة بناء متكاملا في جوانبها المتعددة؛ الجسمية والعقلية والعاطفية والروحية والاجتماعية… وبطريقة متوازنة.

“إنها مادة الهوية: تعمل على ترسيخ قيم الهوية الدينية والثقافية والوطنية”.

5- مصادر التربية الإسلامية:

القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، هما المصدران الأساسيان للتربية الإسلامية، حيث يحتويان على فلسفة تربوية واضحة متكاملة الأسس والأهداف، ثم يأتي الإجماع والقياس.

والقرآن الكريم هو الأصل الأول الذي تستمد منه التربية الإسلامية مبادئها وأسسها، مما يفرض:

– اعتبار القرآن الكريم وحدة متكاملة ومن ثم فهو يفسر بعضه بعضا.

– ضرورة الاعتناء بالقرآن الكريم ومدارسته تحقيقا لحكمة الله تعالى من حفظه في السطور ‏والصدور.‏

‏- كون المناهج التعليمية التقليدية متضمنة لبعض القوانين البيداغوجية المهمة التي ينبغي ‏اكتشافها وتطويرها.‏

6- اهتمام المغاربة بتعليم وتعلم القرآن الكريم:

يمكن الاستئناس بأفكار ابن خلدون ومنهجه في تعليم القرآن:

– أكد على أهمية القرآن الكريم وعده أصل التعليم وأول ما ينبغي تعليمه،

– يعتبر تعليم القرآن الكريم شعيرة من شعائر الدين أخذ به أهل الملة ودرجوا ‏عليه في جميع أمصارهم، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعده من ‏الملكات

– أنتقد البدء بتعلمه والاقتصار عليه، لأن التلاميذ في هذه الحالة يقرأون ما لا يفهمون فلا تحصل لهم الملكة اللغوية.

– أكد على ضرورة ان يكون التعليم متدرجا من القليل إلى الكثير ومن القريب إلى البعيد ومن الأمثال الحسية إلى الأمثال المجردة.

– يؤكد على انتشار ظاهرة التلقين في تعليم القرآن الكريم حيث كان الّصغار ملزمين بحفظ آيات من كتاب الله دون مناقشة، وبطريق عفوية آلية وكان الأطفال يكررون ما يذكره المعلم من فقرات إلى أن يتم لهم حفظها بطريقة آلية، والمنطق السليم يستدعي المناقشة والمحاورة من أجل اكتساب ملكة اللغة،

– يرى أن القدرة أو الملكة العلمية لا تكمن في الحفظ الكثير، دون الفهم والمناقشة، وإنما وجب على المتعلم أن يفهم ما يحفظ حتى يتمكن مما هو فيه من علم،

– بين اختلاف طريقة أهل المغرب الذين يبدؤون تعليم الولدان الحروف ‏والكتابة عن أهل المشرق الذين يقتصرون على تدريس القرآن،

– رجح طريقة أهل المغرب ‏بقوله: “فهم بذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم. ويبرر هذا الترجيح ما جاء ‏في قوله رحمه الله: “واختلفت طرائقهم في تعليم القرآن للولدان باختلافهم في اعتبار ما ‏ينشأ عن ذلك التعليم من الملكات، فأما أهل المغرب فمذهبهم في الوالدان الاقتصار على ‏تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه، لا ‏يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا ‏من كلام العرب إلى أن يحذق فيه، أو ينقطع دونه فيكون انقطاعه انقطاعا عن العلم بالجملة (مقدمة ابن خلدون: 538، دار الفكر بدون طبعة ولا تاريخ)‏.

7- حفظ وقراءة القرآن منهج في التربية والتكوين:

تعد قراءة وحفظ القران الكريم والتمعن في سحر بيانه وبلاغة ألفاظه من أهم الطرق لتعليم أسس اللغة السليمة وتوسيع المدارك المعرفية لدى الأطفال، وتحديداً عند الأطفال الموهوبين، وذلك لقدرتهم على استيعاب المعاني والألفاظ، بداية من مراحل عمرية مبكرة، ويرى علماء النفس أن الذكاء والقدرة على الإبداع غالباً ما تقترن بالنبوغ اللغوي والفكري المبكر،، حيث يتميز الطفل في هذه المراحل بما يلي:

– عقل يقظ.

– ملكات حفظ عالية.

– خيال خصب.

– فضول للمعرفة والتعلم.

كما يجمع القرآن بين سحر البيان وقوة الألفاظ وسلاسة نظم اللغة، والتي تأتي إلى السمع مسترسلة تدعو إلى الطمأنينة وهدوء النفس، وهذا ما يحتاجه الطفل الموهوب في بداية رحلته نحو المعرفة والعلوم، وبالتالي تعويده على قراءة القرآن وتشجيعه على حفظ السور، كي ينعكس بشكل إيجابي على:

– إثراء القاموس اللغوي لديه.

– تغذية الخيال وتحفيز ملكات الحفظ.

– تعليم التفكير من خلال التأمل في أسرار الكون.

– تعزيز الانتماء للإسلام.

8- تعليم القرآن الكريم في المنهاج المدرسي لمادة التربية الإسلامية

من أهم خصوصيات المنهاج الجديد لمادة التربية الإسلامية، ما يأتي:

– الانتقال من المنهاج المركز على المادة التعليمية، إلى المنهاج المركز على المتعلم.

– الانتقال من مركزية النصوص إلى مدخل الكفايات والوضعية ـ المشكلة.

– ومن التركيز على المعرفة لذاتها، إلى المعرفة الوظيفية، أي من التعليم الصرف إلى التعلم الوظيفي المنتج.

– ومن مركزية المدرس إلى مركزية المتعلم، أي من فاعلية المدرس إلى فاعلية المتعلم.

– ومن الاهتمام بالجزئيات المعرفية التي لا رابط بينها، وفيما بينها وبين الواقع، إلى المعرفة الشمولية في أبعادها الاجتماعية ومتطلباتها، المساعدة على بناء المواقف واتخاذ القرارات وفق المرجعية الإسلامية.

– ومن التقوقع داخل المادة، إلى الانفتاح على المعارف والخبرات التي تقدمها باقي المواد الدراسية، واستثمارها في معالجة مضامين المنهاج وتحقيق غاياته.

– ومن تقويم المعارف لذاتها فقط، إلى تقويم المعارف والإنجازات والخبرات والمهارات والمواقف ودعم الاتجاهات الإيجابية.

– الانتقال في تدريس القرآن الكريم من مكون مستقل إلى دعامة، ومن مصطلح الحزب إلى السور المتكاملة.

تمفصلات منهاج التربية الإسلامية بالسلك الإعدادي وواقع تعليم وتعلم القرآن الكريم.

تتمفصل مكونات منهاج التربية الإسلامية حول الوحدات والدعامات:

الوحدات: وحدات ديداكتيكية تتضمن دروسا نظرية تتناول قضايا مرتبطة بالعقيدة والعبادة وبناء التصورات وتسديد السلوك الفردي والجماعي. هذه الدروس النظرية تعتمد نصوصا شرعية كدعامان وأسناد مؤطرة لعملية بناء المعرفة

الدعامات: وهي دعامات قرآنية تقوم على تناول سورة متكاملة في كل مستوى من مستويات السلك الإعدادي: (سورة لقمان – سورة الحجرات – سورة الفتح).

– ودعامات حديثية (أربعة أحاديث في السنة الدراسية).

– أنشطة تطبيقية.

العلاقة بين المكونات المنهجية الثلاث بالإعدادي.

دروس الوحدات ـ دعامات القرآن ـ دعامات الحديث

– من المفترض:

– أن تكون الكفايات النوعية الخاصة بكل المكونات متكاملة بشكل يضمن في حدود معقولة وحدة على مستوى الممارسات الديداكتيكية،

– أن تكون هناك قضية تؤطر الاشتغال على كل وحدة من الوحدات المقررة في هذا السلك التعليمي،

– الانفتاح على السياق الاجتماعي والبعد العملي،

– التركيز على المدخل السلوكي العملي في النظر إلى القضايا التي تثيرها دروس الوحدات والدعامات، وكل ذلك عبر مدخل الوضعية التعليمية المشكلة

– اعتبار دعامات القرآن الكريم محطة لدعم الحلول الشرعية للوضعيات المشكلة المقترحة في الدروس النظرية، وتمكن المتعلم من الارتباط المستمر بكتاب الله.

9- توظيف نصوص القرآن الكريم في منهاج التربية الإسلامية:

– توظيفها بنائيا أو كنصوص انطلاق،

أ- اعتبارها نصوص انطلاق، فتكون مقصودة لذاتها، ويبنى عليها ما يأتي من الدرس، فتقرأ وتشرح مفرداتها وتحدد معانيها، ثم تستخرج منها الأحكام التكليفية أو الوضعية، لربطها بتحليل عناصر الدرس وتوجيه سلوك المتعلمين،

ب- اعتبارها نصوصا بنائية، فلا تكون مستهدفة لذاتها، فتوظف النصوص خلالها حسب مناسبتها لفقرات ومحاور الدرس ومراحل حل الوضعية المشكلة، حيث يتم استدعاء النص المناسب للمحور، (استشهادا أو استدلالا..)، واستثماره ديداكتيكيا بقراءته وشرح مفرداته واستخراج المعنى المؤكد للمحور أو الحكم المرتبط به ومدى دعمه لحل الوضعية المشكلة ؛ لذا وجب استحضار الاعتبارات الديداكتيكية في توظيف النصوص القرآنية خلال الوحدات:

– الانطلاق من النص والعودة إليه دائما (التحليل اللصيق بالنص) باستحضار الوضعية المؤطرة.

– ترتيل النصوص القرآنية المؤطرة للدروس النظرية، وفق أحكام التجويد المقررة في رواية ورش عن نافع من طريق الأزرق ؛ وتوظيفها في بناء التعلمات، ودعم حلول الوضعيات المشكلة اعتماد أساليب الاستقراء والتحليل والتركيب والاستنتاج.

إبراز مدلولات الأوامر والنواهي الواردة في الشطر المدروس باعتبار نتائج الامتثال لهما على الفرد والمجتمع، وفي العاجل والآجل.

مناقشة آثارهما عقديا وأخلاقيا على الأفراد والمجتمعات من خلال أمثلة…

الربط بالواقع: مثلا من خلال التركيز خلال النقاش على المفهوم ذي الصلة المباشرة بمضمون الشطر المدروس، واستجلاء آثاره المباشرة وغير المباشرة، أو تحديد تأثير قيمة من القيم على التصرف.

ربط الجزء السابق باللاحق، حفظا، ومضمونا، حفاظا على وحدة السورة.

رصد مدى خدمة الشطر المدروس ودعمه لحل الإشكالية المطروحة.

– اختبار القدرة على حفظ الشطر المفروغ منه توا، بعد تدريب قصير على التحفيظ، مع استخدام ورقة التنقيط للتحفيز مثلا.

– توظيفها باعتبارها دعامات:

فهي هنا مستهدفة لذاتها وتوظيف باعتبارها مصدرا شرعيا وإطارا عاما موجها لتدريس الوحدة، ومرجعية مدعمة لحلول الوضعيات المشكلة المتعلقة بالدروس النظرية للوحدات، مع ضرورة مراعاة الأهداف الخاصة بتدريس القرآن الكريم (والتي يجب مراعاتها حين توظيف النص القرآني في جميع مكونات المادة)؛ وهنا تستحضر الاعتبارات الديداكتيكية لتنمية المهارات الآتية:

التأمل:

– تحديد موضوع السورة: انطلاقا من اسمها، وما استهلت به السورة واختتمت به.

– اختيار إشكال لكل مقطع من مقاطع السورة المقررة، وبيان علاقته بالوحدة (الدروس النظرية).

– توقع بعض حلول الإشكالات التي يمكن استخلاصها من أشطر السورة المقررة.

التلاوة:

– تدريب المتعلم على كيفية القراءة من المصحف، بتعليمه قواعد الرسم العثماني، والتدرج في ذلك، حسب سنوات السلك الإعدادي، والعمل على تطبيق قاعدة التجويد الأكثر بروزا في النص،

– تغليب تدريب المتعلم على تطبيق قاعدة التجويد المقررة على الإكثار من التعريفات النظرية والأحكام الجزئية.

– ترتيل السور المقررة: (لقمان، والحجرات، والفتح) وفق أحكام التجويد المقررة في رواية ورش عن نافع من طريق الأزرق؛

الفهم والتحليل:

– الشرح الوظيفي للمفردات القرآنية:

– تدريب المتعلم على استخلاص المعاني الجزئية للفواصل، بالاشتغال عليها آية آية وشرح مفرداتها حسب سياق ورودها لإذابة المعجم، وتقريب معنى الآية للمتعلم، بدل الاقتصار على الشرح المعجمي. وهي خطوة تؤهل المتعلم لإدراك المعنى العام للفقرات التي قسم إليها المقطع.

– استخلاص معنى المقطع بتدريب المتعلم على تركيب المعاني الجزئية للآيات.

– استخراج المفاهيم المركزية التي تفيد في معالجة الإشكال المحددة للمقطع.

– الكشف عن القيم التي يطرحها، ودرجة أهميتها. (امتداداتها الاجتماعية والاقتصادية…).

– التدريب على مهارات الاستنباط السليم للأحكام الشرعية بالتدريج.

– توظيف مضامين السور المقررة في بناء التعلمات، ودعم حلول الوضعيات المشكلة.

التركيب والتقويم:

– تركيب المضمون العام واستثماره في:

* إعداد خلاصة لنتائج الحل المقترح للوضعية.

* التأثير في شخصية المتعلم ومحيطه القريب والبعيد بإرشاده إلى السلوك الشرعي المرغوب فيه، من أجل اكتسابه عمليا، بعد التعرف عليه نظريا،

– اقتراح قضايا ووقائع وإشكالات معاصرة مرتبطة بالنص، ومحاولة التماس الأحكام الشرعية المناسبة لها….

– الاستنتاجات العامة حول القضايا التي يثيرها النص.

10- عوائق تحد من فاعلية تدريس القرآن الكريم:

الملاحظ هو أن المخرجات التعليمية (التلاميذ المتخرجون) بالمراحل التعليمية، يجدون صعوبة في الحفاظ على القدر الذي تعلموه حفظا وتجويداً من المقررات في تعليم القرآن الكريم، في كل المستويات التعليمية، مما يعني أن تعلمهم للقرآن الكريم إنما كان لاجتياز الاختبارات فقط، دون جعله خبرة مستمرة في حياتهم وسلوكهم. وهنا يمكن تقصي عدة أسباب تعتبر عوائق أمام تعليم وتعلم القرآن الكريم منها:

– وجود كثافة عددية داخل الفصل الدراسي، مع قلة زمن الحصة.

– عدم تهيئة المتعلمين وتحفيظهم من سن مبكرة، كما هو مشاهد في المعاهد الدينية والمدارس العتيقة

– إسناد تدريس مادة التربية الإسلامية والقرآن الكريم أحيانًا لِمَنْ ليس لها أهلاً أو لمن لا يهواها،

– عدم اهتمام الأسرة بتحفيظ القرآن الكريم وتدريسه؛ (الدعم والمراجعة في كل المواد إلا القرآن الكريم).

– عدم أخذ حافظ القرآن الكريم وضعه ومكانته بين طبقات المجتمع،

– الترف الزائد وغياب الوعي عن أثر تدريس مادة القرآن الكريم في تنشئة وتهذيب نفوس الدارسين.

11- الصحوة الإسلامية وتجديد الاهتمام بالقرآن الكريم حفظا وتدريسا وتدبرا

– سادت طريقة “التلقين والتلقي” تدريس كتاب الله وحفظه، وهذا مما تفرد به القرآن الكريم عن بقية العلوم، إذ لا يحفظ القرآن إلا بالسماع من أفواه المشايخ، وأهل الاختصاص. لأن الناس كانوا يتمتعون بفطرة صافية، وسليقة سليمة، ونفوس نقية؛ مما جعل منهم أناساً قادرين على حفظ القرآن الكريم بمجرد السماع والتلقي، وفي ذلك يقول الشافعي رحمه الله: “لا تأخذ العلم عن صحفي، ولا القرآن عن مصحفي”، ويقول ابن خلدون في مقدمته -بعد ذكره قواعد عظمى في أخذ العلوم-: “إلا أن التلقي بالمباشرة والأخذ عن العلماء، هو الذي يورث تمام الملكات”.

لكن اليوم تغيرت أحوال الناس، وفسدت ألسنتهم، وتشعبت فروع العلم فأصبحت الحاجة ملحة إلى الإبداع في تعليم القرآن الكريم، والتجديد في أسلوب تدريس كتاب الله -عز وجل- وثمة دوائرُ علمية وجهودٌ فردية -نتيجةً لهذه الأهمية وتلك الأسباب- بدأت تقدِّم بحوثاً عن القرآن الكريم ولاسيما عن الجوانب التربوية، وهي محاولة للتوصل إلى استراتيجية تعليمية واضحة لتعليم القرآن الكريم في كل المستويات.

وما يشهده العالم المعاصر من صحوة إسلامية قرآنية تجعل المخلصين من أبناء هذا الوطن المعتزين بوطنيتهم وهويتهم، يجتهدون في تدبر القرآن الكريم، واستخراج كنوزه، ويحاولون بلورة مشاريع لخدمته، وفي هذا الإطار نلتقي اليوم مع أحد هؤلاء الوطنيين الذين لم يتلقوا التربية على المواطنة في الأندية المشبوهة، والغرف المظلمة، بقدر ما هم تشربوا التربية الوطنية مع حليب أمهاتهم، واستنبتوها في المدرسة الوطنية، وعلى يد آباء وأمهات ومعلمين مخلصين… إنه أستاذ الأجيال منشئ شعب الدراسات الإسلامية بالجامعة المغربية، د. محمد بلبشير الحسني، ومع كتابه الجديد الصادر سنة 2014 تحت عنوان: “توظيف القرآن في حياة الفرد والمجتمع واستثماره في تربية النشء المسلم“.

ولا شك أن قراءتنا لهذا الكتاب ليس ترفا فكريا بقدر ما نتوخاها قراءة فهم وتدبر، للوقوف على أهم نقط القوة في الكتاب، ولمعرفة مقصود الكاتب، وتسليط بعض الأضواء على مشروعه التجديدي…

والكتاب من منشورات المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية (الموجود مقره بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان)، وموجه إلى عموم المفكرين والباحثين المربين ؛ حيث يقدمه المركز خلاصة للمشروع الفكري الإصلاحي لأستاذ الأجيال سيدي محمد بلبشير الحسني، الذي يرى فيه رئيس المركز د. خالد الصمدي ذلك “العالم المتحنث والمتعبد في محراب القرآن الكريم لسنين طويلة، جعلته يستنبط منه رؤية كونية شمولية ناظمة للحياة في جميع مجالاتها العقدية والتعبدية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والصحية والحقوقية… بوصل لا انفصال فيه، معلنا عن رسالة مفادها أن لا إصلاح للمجتمع بدون الرجوع إلى صفاء القرآن، وأن مدخل ذلك هو التربية” (د. خالد الصمدي، ص:3-4 من الكتاب).

وقد تشرف ذ. عبد السلام الأحمر بالتقديم للكتاب الذي اعتبره “مساهمة متميزة للتأسيس لمنهج تجديدي في مجال توظيف القرآن الكريم داخل المجتمع، واستثماره في تربية الأجيال الحديثة والتي تتدنى قدرتها على الحفظ لحساب القدرة على الفهم والإدراك، (عبد السلام الأحمر (ص:7))، معتبرا أن المشروع (الكتاب) يقدم خطة محكمة تقوم على أساس التبويب الموضوعاتي لمختلف القضايا المتفرقة عبر سوره (عبد السلام الأحمر (ص:8))؛ مما يوفر للمتدبر والدارس حقائق معرفية ومؤشرات إحصائية عن تواتر الألفاظ والمعاني المساعدة على بناء تصورات وأفكار وتوجهات قرآنية، كمنطلق لتبيين مدى شمولية القرآن لجميع قضايا المعاش والمعاد (عبد السلام الأحمر الصفحة نفسها)”.

والكتاب من الحجم الصغير يقع في 104 صفحة، خصص منها المؤلف 65 صفحة لمتن المؤلف، بينما خصص باقي الصفحات ثلاثة ملحقات.

في متن الكتاب ركز المؤلف على أهمية القرآن الكريم ومرتكزات الدعوة القرآنية (ص:11-12)، بينما تناولت الصفحات من 14 إلى 63 البعد القرآني في عدد من القضايا المتحكمة في حياة الفرد والمجتمع تربويا واجتماعيا وأخلاقيا وعقديا وتشريعيا واقتصاديا ومنهجيا… ليختم كتابه بملحقات تناولت:

– نشر الثقافة القرآنية في أوساط المتعلمين.

– نصوص قرآنية مختارة ونماذج من جوامع الأخلاق والمعاملة.

– ظل ظليل من الذكر الحكيم.

فإذا كان المؤلف يحدد في مدخل كتابه الهدف من مشروعه في كونه:

محاولة استخراج بعض كنوز القرآن الكريم وأسراره ومعجزاته وآياته لاستثمارها في تحفيظ القرآن وتدريسه (ص:12)، ويجعل من الكتاب دعوة إلى مائدة الرحمن لمن يرغب في الالتفاف حولها، مبديا رغبته في أن تكون هذه المأدبة مفتوحة للجميع، على أن تقدم بالأولوية لأطفالنا وشبابنا في المؤسسات التعليمية والتربوية (المؤلف – تدبيج الغلاف)، فإنه جدير بالمهتم بالبحث التربوي في بعده القرآني أن يطرح عدة تساؤلات:

– كيف يبرز المؤلف أهمية توظيف واستثمار القرآن الكريم في حياة الفرد والمجتمع، والإسهام في نشر الثقافة القرآنية، للتمكن من إدراك علاقة الإنسان بالخالق والكون وتدبر آيات الأنفس والآفاق؟

– ما هي القضايا التي يحاول المؤلف الحفر فيها، واستقصاء التوجيه القرآني لها؟

– وكيف يمكن إذن تقريب المتلقي من مضمون الكتاب؟

– وإلى أي حد استطاع المؤلف توضيح الأهداف المسطرة في مدخل كتابه؟

– وما هي مقومات أجرأة تلك الأهداف؟

– وكيف يقترح المؤلف منهجية للتعامل مع الوحي القرآني؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M