من الثورة ضد الرئيس إلى الإفراج عنه.. قراءة في الراهن المصري

04 ديسمبر 2014 20:40
من الثورة ضد الرئيس إلى الإفراج عنه.. قراءة في الراهن المصري

من الثورة ضد الرئيس إلى الإفراج عنه.. قراءة في الراهن المصري

وائل مصطفى بورشاشن

هوية بريس – الخميس 04 دجنبر 2014

عرفت مصر تحولات عميقة عقب 4 سنوات من اللااستقرار والتغييرات المتوالية والمشاكل والصراعات توجت -بشكل من الأشكال- بانتخابات شهد العالم كله على نزاهتها وأتت بمرشح حزب «الحرية والعدالة» الذراع السيسي لجماعة «الإخوان المسلمين» إلى سدة الحكم.

عرفت السنة التي حكم فيها الدكتور “محمد مرسي» مجموعة من الاختلالات والأخطاء على مختلف المستويات رغم محاولات الإصلاح وتجاوز تراكمات 60 سنة من حكم العسكر، أخطاء أحسن استغلالها الإعلام -الذي عرف ازدهارا وحرية إلى أبعد الحدود في عهد الإخوان المسلمين- كما أحسنت القوى غير الثورية في تضخيمها ودفعت بمجموعة من شركاء الثورة إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة.

لم تكن القوى «التقدمية» وحدها من دعت إلى إعادة النظر في سياسات د. مرسي بل حتى القوى «الإسلامية» فبين الواقعيين الذين نددوا بخطورة الإعلام والسياسات اللاممنهجة والمرتبكة وكذا تقوية الخصوم كان حازم صلاح أبو إسماعيل الذي حذر مرسي باستمرار من انقلاب عسكري وشيك لم يأخذه مرسي بعين الاعتبار ورجح حسن الظن في «إخوانه» بالمجلس العسكري.

كل هذه الأحداث أدت في النهاية إلى إطلاق مبادرة «تمرد» التي قضت بخلع الحرية والعدالة من السلطة والقيام بانتخابات توافقية مما أدى بالإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم إلى التظاهر في مجموعة من الميادين كان أشهرها ميدان رابعة العدوية وأبانوا عن ثبات وصبر كبيرين امتدا من 28 يوليوز إلى 14 غشت 2013 انتهى بفض الاعتصام وقتل أزيد من 2000 متظاهر عقب تفويض معارضي الإخوان لوزير الدفاع إبان حكم مرسي عبد الفتاح السيسي.

ثارت ثائرة المساندين لحكم الإخوان والغيورين على الحرية وقالوا أن هذا انقلاب عسكري مكتمل الأركان بينما فرح الكثيرون ممن عارضوا الإخوان أو اختلفوا معهم إيديولوجيا أو من كان حنينهم لفساد النظام السابق -مع الإشارة إلى أن الكثيرين ممن ساندوا الانقلاب كانوا ضحايا إعلام فاسد احترف التعمية والقولبة وقلب الحقائق-.

دعمت جل الأنظمة العربية الانقلاب المصري وأشادت الدول الغربية بما حدث ووسمته باحترام الإرادة الشعبية بينما أكد المجلس العسكري على أن ما حدث كان في صالح المصريين ومستقبلهم

عُيِّن عدلي منصور -نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك ورئيس المحكمة الدستورية إبّان حكم مرسي- رئيسا مؤقتا لمصر، واتخذ مساندو الانقلاب السيسي رمزا للثورة، بينما أكد هو استمرار عدم ترشحه للرئاسة وحُسن نيته وأمله في مصر الحريات ويقينه في مستقبلها الزاهر، وحكم عدلي منصور مصر سنة إلا شهرا صوريا في مهزلة سيخلدها التاريخ، بينها كان قائد مصر الفعلي هو الفريق أول عبد الفتاح السيسي آنذاك.

توالت الأحداث والمشاكل وبدأت حقيقة الانقلاب تتبين إلا أن فئة عريضة من الشعب المصري أعماها العداء الأيديولوجي والسياسات الإعلامية والأحلام الوردية الآملة في غد أفضل انتهت بانتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر في مهزلة تاريخية أخرى وانتخابات عرف الصغير قبل الكبير نتائجها، وانتهت بترتيب المترشح الثاني حمدين صباحي في المركز الثالث بعد الأصوات الملغاة!

عرفت فترة حكم السيسي شططا وجهلا بالسياسات والبرتوكولات، بينما حظيت بتدعيم عربي-خليجي وعداء لكل من والى الإخوان وعادا الكيان الصهيوني.

وصُدم الكثيرون ممن وَالوا السيسي إبان «ثورته» بالكم الهائل من الولاء للصهاينة إبان حرب غزة، بينما رأى فيها آخرون فرصة سانحة لموالاة الصهاينة وإظهار قَناعاتهم الحقيقية.

كما أن قمع الحريات ليس فقط في صفوف مؤيدي الشرعية بل حتى في من فكر في انتقاد السيسي وسياساته من موالي الانقلاب!

وعودة لموضوع الساعة، عرفت المحاكم بأنواعها شططا وولاءً منقطع النظير للنظام السابق، وكالت التهم بالجملة لكل من عارضوا حكم السيسي ووالوا الإخوان أو تعاطفوا معهم، وفي المقابل توالت البراءات لأعضاء النظام السابق لتنتهي بالقاضية إبان الإعلان عن براءة الرئيس المخلوع حسني مبارك من الاختلالات المالية وقتل المتظاهرين، بل وحتى وزير داخليته حبيب العادلي إضافة لمجموعة من الرؤوس المعروفة بفسادها حتى من طرف موالي النظام السابق.

قد يظن البعض أن هذا القرار كان آخر خيط في نعش الثورة وكان حصيلة عادية لمجموعة من الاختلالات والتنازلات كان أكبرها الانقلاب العسكري، لكن الدارس لتاريخ الثورات ولنفسية الجماهير يتأكد من أن براءة مبارك كان ضروريا ليقتنع المشككون بأن ما حدث انقلاب جاء ليدعم الفساد لا ليدحضه، وكان وكزة يحتاجها الشعب المصري ليثور من جديد ضد من ركبوا على ثورته واستغبوه وأبدلوه قمعا أكبر من ما كان فيه.

إن من يطلع على قصص المستبدين يدرك أن مثل هذه القرارات منذرة بالانفجار، فعندما ظن فرعون أن البحر انشق له ليقبض على موسى ومن معه كانت نهايته، وعندما يظن السيسي ومن معه أن الإفراج عن مبارك جاء في وقت اندمل فيه جرح الثورة ونُسيت فيه دماء الشهداء سيثور شعب مصر الأبي من جديد، فمن ذاق عذوبة الحرية لن يرضى بحنظل القمع. ولو ظهر للمتبع ضعف المظاهرات مقارنة بمليونيات ثورة 25 يناير، فإن الطوفان قادم ولن يمهل أحدا ممن استباحوا الدماء والأعراض.

فقط يبقى سؤال واحد يحتاج الإجابة عليه: هل يستطيع المصريون إنجاح الثورة في ظل نظام أثبت استهانته بالدماء والأرواح وبعد كل التضحيات التي قدموها إبان 4 سنوات من الثورات المستمرة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* طالب صحفي، وعضو في حركة التوحيد والإصلاح.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M