شبهة الخوارج وجوابها

09 ديسمبر 2014 19:44
شبهة الخوارج وجوابها

شبهة الخوارج وجوابها

د. رشيد نافع

هوية بريس – الثلاثاء 09 دجنبر 2014

تقرر عند أهل السنة والجماعة أن أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يخلدون في النار إن دخلوا فيها، ولكن هناك آيات كثيرة من القرآن تدل على أن بعض أهل الكبائر من هذه الأمة يخلدون في النار، ومن هذه الآيات قوله وتعالى: {ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}، وقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وقوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً}، وقوله: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جنهم خالداً فيها وغضب الله عليه}، فهذه النصوص القرآنية تدل على أن بعض أهل الكبائر من هذه الأمة يخلدون في نار جهنم، وهذا مختصر الشبهة.

ولدفعها والجواب عنها يقال: لا إشكال في هذا لأن كل هذه النصوص مقيدة بقول الله تبارك وتعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، وهذه الآية محكمة تبين أن الله لا يغفر أن يشرك به، ومن مات على الشرك فلا أمل له أن يعفو الله عنه، وسيخلد في نار جهنم ولو مكث فيها ما مكث، يقول الله تبارك وتعالى: “إني حرمت الجنة على الكافرين“، ويقول: {إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى} وهذا مفروغ منه.

وقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك} أي ما دون الشرك، أما الآيات القرآنية التي وردت في مجمل الشبهة والتي تتوعد بالخلود في النار، فقد بيّن أهل العلم أنها مقيدة بهذا، وأن الخلود إما أن يكون بمعنى المكث الطويل ويكون مآل الموحد بعد ذلك إلى الجنة، كما ثبت في الأحاديث الواضحة أن الله تبارك وتعالى يخرج أهل الكبائر من المسلمين من النار، حيث يقول الله للملائكة: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) وهذا آخر من يخرج.

وقد ثبت في أحاديث الشفاعة الصحيحة أنهم يخرجون من النار.

والخلود فسره أهل العلم بأمرين: الخلود لمن كان مستحلاً هذا الفعل، فالآية الأولى مثلاً: {ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} جاءت في الربا، وقال أهل العلم: {من عاد} أي إلى أكل الربا، {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} والعودة هنا ليست للوقوع في الإثم، وإنما لاستحلالها هذا الأمر، فإذا استحل الربا وسار فيه وقال مثل مقولة المشركين: {إنما البيع مثل الربا}، فهؤلاء هم أصحاب النار هم فيها خالدون.

أو الخلود: بمعنى المكث الطويل، ولكنه ليس كخلود الكفار الذي لا انقطاع له، لأن الخالد في لغة العرب هو الماكث في المكان مكثاً طويلاً.

 وهذه الآيات تمسّك بها الخوارج قديما وحديثا الذين قالوا بتخليد العصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار، وقالوا هم كفار ومخلدون في النار متمسكين بظواهر هذه النصوص، ورد عليهم أهل الإسلام بأن الله تبارك وتعالى يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وكذلك أحاديث الشفاعة الكثيرة التي تبين أن الله تعالى يخرج من النار من يشاء من العصاة المسلمين.

وقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل فأولئك هم الكافرون} أي من يحكم بغير ما أنزل الله مستحلاً لذلك، ومساوياً حكم الله بحكم غيره، والمعرض عن حكم الله إلى حكم غيره، أما من حكم وهو يعلم أن حكمه باطل، وأنه محاسب على هذا، فهذا كفر دون كفر، لا يخلد في النار، لأن الكفر كفران: كفر يخلد في نار جهنم، وكفر لا يخلد في نار جهنم.

وكذلك أيضاً قوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً} والمعصية هنا ليست أي معصية، فربما تكون المعصية في أمور صغيرة يسيرة يكون الأمر فيها لله تبارك وتعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، أما إن كانت معصية الله ورسوله بالكفر والشرك فهذا لا شك أنه ممن يخلده الله في النار.

وكذلك الأمر في قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جنهم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} وهذه أشهر الآيات في الخلود، قال ابن عباس رضي الله عنه: “قاتل النفس مخلد في النار“، وبقية الصحابة رضوان الله عليهم يقولون: أن خلود قاتل النفس هو المكث الطويل وليس كخلود الكفار، ربما يتوب الله عليه فيخرجه من عذاب النار وينجو.

وهذا إن شاء الله هو الصحيح، وهناك قول آخر لابن عباس: “أنه لا يخلد خلود الكفار وأنه ليس بكافر“. وبقوله هذا يكون وافق ما ذهب إليه بقية الصحابة وأهل السنة.

والحمد لله ربّ العالمين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M