مرض فقدان المناعة: الداء والدواء

09 ديسمبر 2014 22:40
مرض فقدان المناعة: الداء والدواء

مرض فقدان المناعة: الداء والدواء

د. محمد ويلالي

هوية بريس – الثلاثاء 09 دجنبر 2014

من سنن الله تعالى في عباده أنه يبتليهم بالسراء والضراء، ليختبر دينهم، ويجلو إيمانهم، كما قال تعالى: “وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ“. ومن هذه الابتلاءات: الإصابة بالأمراض، التي غالبا ما ينكشف مستورها، وتظهر مغبتها بشكل جلي في فصل الشتاء.

تعددت أنواعها، وتفاقم بعضها حتى صارت لها أيام خاصة تسمى بالأيام العالمية، يتوقف عندها العالم مشدوها من خطورتها، مبهوتا من سرعة انتشارها، حتى إن بلدنا يعيش هذه الأيام العشرة -من فاتح دجنبر الذي جُعل يوما عالميا لمرض فقدان المناعة (السيدا) إلى غاية العاشر منه- حملة وطنية للكشف عن هذا الداء الخطير من خلال إجراء التحليلات على 120 ألف شخص، وتنبيه المواطنين إلى خطورته.

وكما أن من هذه الأمراض ما هو محض امتحان من الله تعالى لعباده المؤمنين، يبلوهم ويمحصهم، فكذلك منها ما هو مترتب على كثرة اقتراف الذنوب والمعاصي، التي تلبس بها كثير من الناس في حلهم وترحالهم، على الأرض، وفي البحر، وفي السماء، من غير خوف أو وجل. قال تعالى: “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ“. ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا” صحيح سنن ابن ماجة. ويسمون السيدا -اليوم- بالطاعون الأبيض. وعند الطبراني بسند حسن: “ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت“.

ولهذا وجدنا أحد المتخصصين الغربيين يحذر من هاوية سحيقة مفزعة تحدق بالعالم، بسب هذه الإباحية التي وَرَّثت العديد من الأمراض المنقولة جنسيا، مشيرا إلى أن هناك مريضا جديدا يوميا لكل 100 شخص، من الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 44 عاما.

وحسب منظمة الصحة، فإن معدل الإصابة السنوي بهذه الأمراض قد بلغ أكثر من 330 مليون حالة جديدة، تشمل مجموعات مختلفة من الرجال والنساء، والأغنياء، والفقراء، والشيوخ، والأطفال، منهم 50 مليون مصاب بالسيدا، و20 مليون مصاب بالتهاب الأعضاء التناسلية، و25 مليونا مصاب بالسيلان، ومليونان ونصف مصاب بمرض السفلس أو الزهري. يصيب أبناء بلدنا من هذه الأنواع قرابة 600 ألف حالة سنويا.

أما غيرها من الأمراض، فهي -أيضا- في تنامٍ مفزع، فداء السكري يصيب قرابة 390 مليون شخص عير العالم، ويصيب نحو 10% من المغاربة، أي قرابة ثلاثة ملايين ونصف مغربي.

ومرض السرطان أصاب إلى الآن أزيد من 14 مليون شخص في العالم، ويصيب قرابة 30 ألف شخص في المغرب سنويا.

وأما مرض ارتفاع ضغط الدم فيصيب واحداً من كل ثلاثة من البالغين الذين تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين، أي: نحو مليار شخص في العالم مصابون بهذا المرض، أما عندنا، فتؤكد الدراسات أن ثلث المغاربة ممن تفوق أعمارهم 20 سنة مصابون بهذا الداء، ربعهم – تقريبا – من رجال التعليم.

وإذا كان مرض الزهايمر يصيب أزيد من 6% من الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة في العالم، فإن نصيب المغاربة منه 80 ألفا. وهكذا تتفاقم الأمراض دوليا ووطنيا، حتى إن بعض إحصائيات وزارة الصحة عندنا كشفت أن عدد المغاربة المصابين بأمراض مزمنة تجاوز الخمسة ملايين مغربي.

وبدءا من فاتح دجنبر، استيقظ المغاربة على وقع الأرقام المهيلة، التي توثق لمرض فقدان المناعة، الذي بلغ نصيب المغاربة من إصاباته أزيد من 32 ألف شخص، بمعدل 3100 إصابة كل سنة، 51% منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاما، نسبة النساء فيهم تقارب 50%، مع تسجيل 1400 حالة وفاة -عندنا- مرتبطة بالسيدا سنويا.

أما دوليا، فإن هذا المرض يصيب ما يقرب من 5.5 ملايين سنويا، ويذهب بحياة ما يقرب من 3 ملايين ونصف سنويا، أي: أزيد من 15000 شخص يوميا ، بمعدل 11 شخصا كل دقيقة، ليبلغ عدد الحاملين للجرثومة في زماننا أزيد 50 مليون شخص، ما يناهز 80% منهم من الشباب، وما يقرب من ثلاثة ملايين دون سن 15 سنة، مخلفا وراءه 50% من يتامى العالم.

لقد تنبهت كثير من الدول إلى خطورة هذا العدو الداهم، وخصصت له الأموال الباهظة -دون كبير جدوى- حتى وجدنا الولايات المتحدة -مصدر الأوبئة العالمية- تنفق -وحدها- على هذا الداء ما يتجاوز40 مليارًا من الدولارات قابلةً للزِّيادة، بل فرضت 59 دولة قيودا لدخول ترابها على الأشخاص المصابين بهذا الداء.

يقول أحد المفجوعين: “فقدت 47 صديقا بسبب هذا المرض”. وفي إيطاليا انتحر زوج وزوجته احتجاجا على إصابتهما بهذا المرض، بعد أن أوصيا برعاية ابنهما الوحيد.

وإذا كان لانتقال المرض أسباب ثلاثة أساس: العلاقات الجنسية، والمخدرات، وتأثر الجنين بأمه المصابة، فإن الجنس يبقى العامل الأقوى بنسبة تزيد عن 90%.

إنها الفوضى الجنسية، سبب خراب الأبدان، ودمار الأرواح، وقصف العقول والأذهان، وهو ما لا تريد الدول المصدرة للمرض أن تعترف به، مع أن أول ظهور للمرض كان في صفوف الشواذ جنسيا، ثم متعاطي المخدرات، وراحوا ينصحون بعدم الاشتراك الجنسي، أي الاقتصار في الزنا على واحدة أو واحد، وينصحون باستعمال العازل الطبي الذي تنشر صوره بهذه المناسبة في المطويات والملصقات المحذرة من المرض، بل -ومن عجب- صار يوزع مجانا:

إلى الماء يسعى من يغص بريقه *** فقل أين يسعى من يغص بماء؟

فهل هذه هي الحلول الناجعة لمكافحة هذه الأمراض الذي لم يزد إلا تفاقما واستفحالا؟

إنها عاقبة مخالفة شرع رب العالمين، الذي تَوَعد المفسدين بشر العقوبات في الدنيا والآخرة. قال تعالى: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ“. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “وجُعل الذلة والصغار على من خالف أمري” البخاري.

وَلَا تَقْرَبِ الأَمْرَ الحَرَامَ فَإِنَّمَا *** حَلَاوَتُهُ تَفْنَى وَيَبْقَى مَرِي-رُهَا

إن علاج هذا المرض وما يشبهه كامن -بفضل الله- في الضوابط الشرعية، التي سَيجت العلاقات الجنسية بسياج من الطهارة والعفاف، فكان ملاك أمرها في قوله تعالى: “ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن“، وعلى رأس هذه الفواحش الزنا.

فقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: “واصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن” صحيح الأدب المفرد.

وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: “لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، فَيُوشِكُ أن يعمهم الله بعذاب” صحيح الترغيب.

ولقد تواترت الأدلة على وجوب ترك ما يقرب من الزنا. قال تعالى: “ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا“. ومن أسباب تركه والبعد عنه:

1- غض البصر:

 قال تعالى: “قل للمومنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم“.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الثانية” رواه مسلم.

وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضا: “فزنا العين النظر” متفق عليه.

ليس الشجـاعُ الـذي يحـمـي مَـطِـيّـتـه *** يومَ النزالِ ونارُ الحربِ تشتعِلُ

لكنْ فتًى غضَّ طرفًـا أو ثـنى بـصرًا *** عن الحرام فذاك الفارسُ البطلُ

2- ما عمت به البلوى من مصافحة النساء الأجنبيات، ومعانقتهن وربما تقبيلِهن، كما هو سارٍ في زماننا في بعض صفوف أبناء المدارس والجامعات.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له” صحيح الترغيب.

3- الاختلاط، وما يترتب عنه من مفاسد جسيمة:

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان” متفق عليه.

4- كثرة التبرج والسفور، وخروج النساء كاسيات عاريات، عليهن من الزينة والطيب ما قد يغري الرجال ويدعو إلى الفاحشة.

5- التهاون في معاقبة الجناة في الزنا والمخدرات وشرب الخمر، وضعفُ الأخذ على أيديهم بالقدر الذي يكفهم عن الفساد، ويزجرهم عن نشر الرذيلة.

فهل تبينّا الدواء الحقيقي لمعضلة هذا المرض؟

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M