الزواج بين الترغيب النبوي والترهيب الاجتماعي

27 ديسمبر 2014 10:15
الزواج بين الترغيب النبوي والترهيب الاجتماعي

الزواج بين الترغيب النبوي والترهيب الاجتماعي

محمد البوبكري

هوية بريس – السبت 27 دجنبر 2014

كثير منا عندما يقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج“، يظن أن الأمر هنا موسع، وربما يعتبره من قبيل الترغيب لا أقل ولا أكثر ؛ لكن الأمر ليس كذلك، بل هو بخلافه تماما؛ إذ إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مرتبط بالاستطاعة؛ ومسبوق بالفاء التي تفيد التعقيب والسرعة وهما عاملان أساسيان سأفصل القول فيهما بحول الله مبرزا تأثيرهما على دلالة الأمر هنا.

نقف أولا مع كلمة “استطاع”، والتي هي القدرة والإمكان والطاقة، وهذا الأمر موكول إلى ذات الإنسان من حيث هي ذات مفكرة وعاقلة ومكلفة، تستطيع اكتشاف ومعرفة ذاتها وامكاناتها وقدراتها وخبراتها، مصداقا لقوله تعالى في سورة القيامة :”بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره”. وكنتيجة لذلك فالمرء هو الأدرى بقدراته وكفاياته المعرفية والتواصلية والوجدانية أكثر من أي خبير بشري درس علم النفس دهرا.

وبتدقيق النظر والتعمق في صلب الموضوع قصد الدراسة فكل إنسان يعلم يقينا قدراته المادية والمعنوية، التي يستطيع بواسطة معرفتها أن يقرر ما إذا كان يستطيع الزواج أم لا، وإذا أضفنا إلى هذا المعطى معطى آخر وهو أن كثيرا من رجال الأربعينات تقدر مصاريفهم عن اللهو والخمور والمخدرات ما يكفي أسرته وأسرة جيرانه، يتأكد لنا وبالملموس أن هذه الفئة قادرة على الزواج من الناحية المادية. هذه نتيجة أولى نحتفظ بها لننتقل إلى العنصر الثاني وهو:

ثانيا: نقف مع كلمة “فليتزوج” هنا أمر نبوي شريف بالزواج مقرونا بحرف الفاء التي تفيد لتعقيب والسرعة، وعليه يكون أمر الزواج مطلوبا على وجه السرعة، دون تسويف ولا تماطل بأنواع كثيرة من الحيل والتبريرات الواهية، المتخيلة والمرتبطة بعادات وتقاليد أكل عليها الدهر وشرب، ونسينا أنه أمر نبوي له نفس القيمة مقارنة مع الأمر الإلاهي القرآني، مصداقا لقوله تعالى: “وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون“، واستصحابا لقوله صلى الله عليه وسلم: “ألا إن ما حرم رسول الله كما حرم الله“، مما يدل دلالة واضحة على وجوب اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه هو سبيل النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وأن عصيان أمره صلى الله عليه وسلم يقين الهلاك والبوار. وما غزوة أحد عنا ببعيد حيث عصى بعض الصحابة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت النتيجة هزيمة وخسرانا في تلك الغزوة، وقياسا على ذلك فعدم اتباع خير الورى وشفيع الأنام في أمر الزواج شاهدنا نتائجه على الأمة من عنوسة وتبرج وفحش وزنى وخمور وملاهي.

وبالربط بين النتيجتين السابقتين نجد أن أمر الزواج مطلوب وواجب على الفور حال تحقق الاستطاعة، التي وكلت إلى الذات مما يجعل التكليف هنا أكثر قوة من غيره فلو علمت من نفسك القدرة على الزواج ولم تتزوج كنت آثما وعاصيا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد تكون ممن قال فيهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “من أعرض عن سنتي فليس مني“.

بعد كل الذي تقدم لا بد من استحضار العنصر النفسي والاجتماعي والاقتصادي في مشروع الزواج، حيث يقول الباحث عبد الرزاق الحسوني موضحا تداخل كل تلك الجوانب في تعقيد مشروع الزواج وربما عرقلته: (إن تخوف الشباب من الزواج المبكر ناتج عن مجموعة من العوامل المتداخلة فيما بينها وتكاد أن تكون كتلة واحدة يستعصي على والج هذا الباب الذي أصبح حديديا بعدما كان في يد أجدادنا قصبا، حيث إذا سألت شابا في مقتبل العمر عن أحلامه المنتظرة فكن متأكدا من جوابه: أريد عملا وزوجة تكون لي سندا في الأيام الصعاب”، إن نظرة هذا الباحث المغربي نابعة من معاناة حقيقية يكابدها العازب المغربي نفسيا واجتماعيا واقتصاديا، تجعله -كما يؤكد على ذلك نفس الباحث عبد الرزاق الحسوني- حلما جميلا موشى بأحلى ما تتمناه النفس، والواقع عقبة تحول بينه وبينها، لقد أصبح الزواج في عصرنا الحاضر حلما لا بد منه وواقعا مستحيلا مرا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M