التهمة

03 يناير 2015 22:58
التهمة

التهمة

محمد البوبكري

هوية بريس – السبت 03 يناير 2015

تتعدد الاتهامات وتتلون المبادرات الشتمية وتتوزع أحكام القيمة في الشارع العام يوما بعد يوم، ومن يدري ما كذبة العام المقبل؟ حتى تظهر رؤوس الأقلام وحوافر الأقدام، وكل ذلك دون برهان ولا حتى استقسام وتسوغ للمستمع ويبتلعها دون استعلام؛

وما الحقيقة إلا ضد الخيال ومعيار الرضا وجهل بمصدر التلقي ومنبع التقويم ومصدر الهداية والإرشاد، وما ذلك إلا نتاج لفقدان الوعي بشدة الوعيد الإلهي للرمي والقذف والسخرية والشتم والتشهير وحب شيوع الفاحشة في المومنين، كل هذا نتطرق له بحول الله تعالى في هذا المقال موضحين مقاصد النهي عن الاتهام وأثره في المجتمع، إضافة إلى بيان المنظور الإسلامي لمعالجة هذه الظاهرة المستفحلة؟

لكم فرقت تهمة من المجتمعات كم شتتت من الأسر كانت تعيش كل أنواع الرحمات كم تسببت في أزمات اجتماعية واقتصادية ونفسية كل ذلك بسبب تهمة ألقيت بغرض الضحك والتنكيت فكانت بعد ذلك دافعا وراء انتقام موهوم وادعاء مزعوم، هل يرجع الأمر لقابلية أسرنا لأبسط أنواع الرياح؟ بل لأوهن نسيم؟

لقد كانت مجرد التهمة البسيطة قادرة على إقامة أكبر الحروب تاريخيا في القديم والحديث وما العراق عنا ببعيد وما خلفه إلى اليوم ذلك الاتهام الباطل من أوجاع ما زلنا نتجرع مرارتها إلى اليوم جراء تهمة السلاح النووي، ومع كامل الأسف لقد صدق المسلمون

لقد قامت التهمة في تاريخنا بما عجز الرجال عنه، لقد ألفت بين قلوب طال شقاقها رغم أنها ما كانت سوى تهمة في ثوب كذبة ، لقد أعطت المبررات التي يمكن تخدير الشعوب بها من أجل السكوت والاستسلام والخنوع والخضوع بدون دليل ولا سابق إعلام.

إن تهيب التاريخ وجعله فوق الغربلة والتمحيص واتهمنا الخصم بالمؤامرة والمكر الهدام ثم أصبح الصقيع ريحا جافة في سماء العداوة فبقي لنا التيه في دنيا التضارب ومتاهة الاستهتار. فما التوجيه الرباني لعلاج هذا الداء العضال الذي أسال لعاب الضباع وأزهق أرواحا لها في التاريخ شأن وباع؟

إن الشرع الحكيم قد عالج الموضوع وقدر له قدره العظيم في انفكاك روابط الأسرة والمجتمع، فواجه التهمة بترسانة قوية من الضوابط والأدوية الشافية من خلال تشخيصه لحقيقة الداء وإتباعه بالمعالجة والدواء: 

قال تعالى: “إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم“، فهذه الآية شخصت كيفية تلقي التهم التي لا تتم معالجتها من طرف المتلقي وإنما يتم إرسالها وإشاعتها بمجرد وصولها إلى اللسان وهذه طامة لوحدها.

قال تعالى: “إنما يفتري الكذب الذين لا يومنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون(النحل:105)، فبينت هذه الآية الكريمة مصدر التهم ومنتجوها وهم الكاذبون، وغيرها من الآيات القرآنية التي تشخص منبع التهم والنوعية المستهلكة لها والمدمنة عليها.

بعد بيان وتشخيص كيفية انتشار التهم واستهلاكها نورد الآيات القرآنية المعالجة لهذا المشكل الاجتماعي، وهي:

قوله تعالى: “يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن(الحجرات:12)؛ فنلاحظ أن نفس لفظ التحريم الذي استعمل في تحريم الخمر والقمار (فاجتنبوه) هو نفسه المستخدم هنا (اجتنبوا).

قوله تعالى أيضا في نفس السورة: “يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين(الحجرات:6). فبينت الآية الكريمة مآل اتباع الاتهامات الموجهة ضد الناس عن غير بينة وهذا المآل هو حتما الندم.

وغيرها من الأدلة الواضحة والتي لا يتسع المقام لسردها ومنها الآيات المحرمة للقذف وإشاعة الفاحشة في أوساط المؤمنين.

هذا وقد وجه الشرع الإسلامي الحكيم الناس عموما إلى منهج التعامل مع التهم من خلال استصحاب براءة المتهم أصالة في قوله تعالى: “لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم(النور:16)؛ ثم إعطاء الفرصة للمتهم للدفاع عن نفسه من خلال سورة يوسف حيث أعطيت له الفرصة من أجل رد تهمة امرأة العزيز حيث قال تعالى: “قال هي راودتني عن نفسي(يوسف:26).

إن لعن الله تعالى لليهود حيث اتهموا مريم عليها السلام بالزنى -وحاشاها من ذلك-  لهو أكبر دليل على تقدير المتهم وإفساح المجال واسعا أمامه من أجل إثبات براءته ولو كانت كل الأدلة المادية ضده فمريم عليها السلام كانت كل الأدلة المادية ضدها من عزوبية وإنجاب بدون زوج ووجود الولد وتبنيها له كلها مؤشرات على ما زعموا لكن الله تعالى عاتبهم ولعنهم، مما يستفاد منه التريث وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام الجزافية.

إن امتلاك منهجية نقدية تمر فيها التهمة عبر مخاض عسير من أجل التحقق من صحتها لهو سبيل المؤمنين خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع“، وإن عدم الأخذ بمنهج السلف الصالح وهم يمتثلون وعيد الله تعالى لمن لا يتحقق من الكلام بجهنم حيث قال تعالى: “ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها(الأعراف:179).

إن مجتمعنا بما هو مجتمع مسلم ليفتقر إلى منهج الإسلام في معالجة جل قضاياه ومشاكله التي تحولت كوارث تظهر من هنا وهناك، فهذه شكلاطة!! وتلك مليكة مزان!! وذاك عصيد!! والعصيدة لم تكتمل بعد…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث جامعي-ماستر تدريس العلوم الشرعية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M