الشيخ القزابري يكتب: الجواهر واللآلي من سيرة الشيخ الفاروق الرحالي

22 يناير 2015 22:50
الشيخ القزابري يكتب: الجواهر واللآلي من سيرة الشيخ الفاروق الرحالي

الشيخ القزابري يكتب: الجواهر واللآلي من سيرة الشيخ الفاروق الرحالي

هوية بريس – الشيخ عمر القزابري

الخميس 22 يناير 2015

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلی آله وصحبه أجمعين، أحبابي الكرام؛

من الوفاء للأعلام، التعريف بهم والإشادة بجميل فعالهم، وكريم خصالهم، وعالمنا اليوم الذي نروم التعريف به هو عالم جليل.

إنه الهمام الفذ البذ، من تطرب بذكره الأسماع وتلتذ، تحلى من الفوائد العلمية بما تحلى، واشتهر اشتهار الصبح إذا تجلى، وازدانت به المجالس ازديان العاطل بالحلي، والمشكل بالجلي، والمفرق بالتاج، والمقدمة بالإنتاج، ركض في ميدان الطلب مطايا الأشواق، وضرب آباطها بعصا المشارب والأذواق،

العلامة الرحالي بن رحال بن العربي بن الجيلالي بن عبد الخالق الحمومي السرغيني، الراجح في ولادته أنها كانت سنة 1315هـ/1897م.

قرأ القرءان بمسقط رأسه، وأتقن حفظه ورسمه بالقراءات السبع على يد المقرئ الشيخ سيدي أحمد بن المختار الرحالي، بعد ذلك انكب على حفظ المتون، التي من حفظها حاز الفنون، مع حلول سنة 1922م/1341هـ رحل إلى مراكش ليكرع من حياض الجامعة اليوسفية، حيث كانت وقتها تزخر بشيوخ أجلاء ،لا يشق لهم غبار، فأعجب بمراكش وقال في وصفها: (جنة جذابة تأوي الكرام، وتنكر اللئام).

فمن شيوخه نذكر العلامة أبي شعيب الشاوي البهلولي المعروف بابن الرامي، والعلامة عبد السلام بن المعطي السرغيني، والشيخ المحدث أبي شعيب الدكالي، وغيرهم من أهل العلم والفضل، ثم كانت له رحلة إلى فاس، فجلس إلى علمائها الأجلاء، منهم: العلامة مولاي عبد الله الفضيلي، العلامة عبد الرحمن بن القرشي وعدد من العلماء الأفاضل.

وبعد أن حصل من العلوم الشيء الكثير، وأدرك منها الحظ الوفير رجع إلى مسقط رأسه ليعلم أبناء بلدته أمور دينهم، فجلس بينهم أربعة أعوام مدرسا وناصحا، إلى أن قدر الله وفاة والده؛ فضاقت عليه الأرجاء، واكتوت بألم الفراق الأحناء، فقرر الارتحال إلى مراكش من جديد، مدرسا وناشرا للخير، فبدأ في المساجد؛

وهنا ظهرت مكانته، وبرزت للناس منزلته، فذاع خبره، واندهش الناس لقوة حفظه، وجزالة لفظه، وجمال عبارته، فدرس لامية الزقاق، وغيرها من الفنون، مما دفع بالمسؤولين عن الجامعة اليوسفية لما أسس النظام أن يلحقوه أستاذا بالجامعة، فدرس بداية المجتهد، والألفية، والبلاغة بالجوهر المكنون، والمنطق ببناني والزرقاني، والمختصر بالدردير والأدب والحماسة، والمنتخب، فأصبح له شأن كبير، وكانت له طريقة جذابة في دروسه، يتكلم بطريقة السجع، إذا سمعته خلته يتحدث من كتاب، لا يتلعثم، ولا يتردد.

كان يحفظ صحيح البخاري، ويذكر الحديث بمتنه وسنده كاملا، ويغوص في شرح الحديث فتتفجر ينابيع المعرفة وكأنه شلال متدفق، مع لغة رصينة، وعبارات متينة.

وإضافة إلى ذلك كانت له مواقف وطنية تدل على صدقه ووفاءه وإخلاصه، فقد طلب منه من طرف الاستعمار وأعوانه، أن يستنكر هو وثلة من العلماء، أعمال الفدائيين الشرفاء، فجمع رحمه الله العلماء وقام فيهم خطيبا وقال: (أيها العلماء، الأجلاء، قد جاء دوركم، فكونوا وطنيين قبل أن تكونوا علماء، فقد دقت ساعة المعركة، معركة الحرية والمجد، بل معركة الإسلام والمسلمين، إن أعداءنا يتوهمون أنهم يستطيعون أن يذلونا في دارنا وأرضنا، وأن ينالوا من حريتنا وكرامتنا وأعراضنا كما يشاؤون، وهم في ذلك واهمون، وبئس ما يظنون، أيها العلماء، إنكم دعيتم وما دعيتم لخير، فاصبروا واثبتوا، وإن كان ضربا فمرحبا، وإن كان طردا فمرحبا، وإن كان سجنا فمرحبا والله معكم).

وكان التوقيف نتيجة حتمية لموقفه الشجاع النبيل، إلى أن من الله على المغرب بالاستقلال فعينه الملك محمد الخامس رحمه الله رئيسا لجامعة ابن يوسف، ورئيسا للمجلس العلمي بمراكش، اعترافا بما أسداه في مجالي التعليم، والكفاح الوطني.

كان رحمه الله لا يتبوأ إلا ظل الكرامة الأندى، ولا يبيت إلا حيث المحلق والندى.

وكان كثيرا ما يردد: (من عرف الكليات الثلاث، هان عليه ما فات وما هو آت)، يقصد بالكليات الثلاث: كل نفس ذائقة الموت، كل شيء هالك إلا وجهه، كل من عليها فان..

قال لي شيخنا مولاي أحمد المحرزي حفظه الله، ،كنا نضرب به المثل في غض البصر..

كان رحمه الله غرة في جبين الفخر، ينفلق عنها لألاء الفجر..

أما إنتاجاته العلمية، فيقول رحمه الله أنه حبر بعض الطرر والتعاليق منها:

– فتح العلي القادر.

– “الإعلام والإشادة بما انطوت عليه مقدمة البداية”، وهو تعليق فريد على “بداية المجتهد”.

– كتاب في ذكر التوحيد والإشادة بفضله، واعتبار حكم العقل فيه، وكتاب حول الجناب المحمدي.

– “إرشاد كل تائه وغافل وساري، إلى الحديث الذي ختم به الإمام البخاري”.

– فتاوي فقهية وأحكام شرعية.

– مطارحات أدبية، ومغامرات سلبية أيام السواد والحداد، مصارعة بين العدل والظلم، والحق والباطل.

– تحقيق لسورتي البقرة وآل عمران من تفسير ابن عطية، صدر في المملكة العربية السعودية.

– “لمحات في الاقتصاد الإسلامي”، وكتاب الدين النصيحة”..

يقول في حقه العلامة الكبير سيدي عبد الله كنون: (كانت تتحقق فيه صفات العالمية الفذة بأصدق مدلولاتها مما يعز له النظير، ويتعذر تعويضه ولو بالعدد الكثير، كان الفقيد العزيز ممن يحقق ما يعلم، وكان ممن يحسن البلاغ)، وكان والدي سيدي الحاج أحمد القزابري رحمه الله من الملازمين له، وكانت بينهما مودة عجيبة حتى إن الشيخ الرحالي أوصى بأن يتولى تغسيله والدي رحمه الله، وكان الأمر كذلك..

وفي ليلة الاثنين 18 جمادى الثانية عام 1405هـ، رحل الشيخ إلى جوار ربه، واصطحبني والدي رحمه الله بعد أن وصله النبأ وأنا يومها في العاشرة من عمري تقريبا، وانتظرت والدي في الخارج حتى انتهى من تغسيله، وشيعت جنازته عصر يوم الاثنين إلى مسجد ابن يوسف، وبعد صلاة العصر حمل نعشه ودفن بمقبرة باب اغمات، رحم الله الشيخ الرحالي ورفع درجته في المهديين، وألحقنا به مسلمين مؤمنين غير مبدلين ولا مغيرين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M