حكم المتغلب المصري.. مرة أخرى

09 سبتمبر 2013 02:08

ذ. طارق الحمودي

الإثنين 09 شتنبر 2013م

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، أما بعد:

فقد كنت كتبت مقالا في بعض الأحكام المتعلقة بالمتغلب على الحكم.. بطريقة مخلة نوعا ما.. وكان قصدي منها التنبيه بالأقل على الأكثر وبالبعض على الكل.. والإشارة إلى أن شرط انعقاد إمامة المتغلب اجتماع الناس عليه كرها وطوعا كما في ما نقلته عن ابن قدامة في المغني.. تمثيلا لا حصرا.. لكنني رأيت بعض الناس يصرون على أن ما فعله السيسي وأعوانه تغلب يلزم منه وجوب الطاعة وترك التظلم مما فعله بأهل الخير والإيمان من قتل في مجازر بالمجنزرات العسكرية، وانتهاك للأعراض والمساجد والأموات، واعتقال لكل من يعارضه مع التنكيل والإساءات البدنية والنفسية.. قاصدين أو غير قاصدين إيقاع التشويش في قلوب المحبين لأهل العلم والإيمان، الناقمين على أهل النفاق والطغيان؛ وهو ما دفعني إلى أن أؤكد مرة أخرى وبطريقة مختلفة.. ربما.. بأن الحكم اليوم في مصر صار [في أيدي الظلمة بطريق التسلط والغلبة من غير مراعاة شروط الإِمامة أولاً ثم في زيادة الظلم والتعدي على الرعايا والتحكم عليهم بأنواع البلايا وأصناف الرزايا، ثم في إعطاء المناصب لغير أربابها المستحق لها وعدم الالتفات إلى العلماء العاملين، والأولياء الصالحين.

ثم غالب سلاطين زماننا تركوا القتال مع المشركين وتوجهوا إلى مقاتلة المسلمين لأخذ البلاد وإعطاء الفساد.. وما أقبح ما صدر من بعض [(1) ـهم] في زماننا أنه أمر بالقتل العام في بلد عظيم من بلدان أهل الإِسلام ](1) وهو مصر [المشتمل على المشايخ الكرام، والسادات العظام، وعلماء الإِسلام، والنساء والضعفاء، والأطفال وسائر المرضى والعميان، والأهل والعيال، ألوف مؤلفة، وصنوف مؤتلفة، والحال أن أهل البلد المذكور على الملة الحنيفية، ومذهب الحنفية، من جملة أهل السنة والجماعة. ومدعي السلطنة يزعم أنه على تعظيم العلم والشريعة](1) وهو من ذلك بريء.

والآمر والمأمور بهذا القتل سواء في الجريمة.. ومن حق أولياء الدم المطالبة بحق شهدائهم إن شاء الله تعالى فـ[إذا كان الرجل المتغلب على اللصوصية أو العصبية فأمر رجلا بقتل الرجل فعلى المأمور القود، وعلى الآمر إذا كان قاهرا للمأمور لا يستطيع الامتناع منه بحال](2) بل إن هذا المتغلب لم يتم تغلبه لكون الحاكم الشرعي حيا يرزق إلى حد الآن و[الاستيلاء على الحي إن كان إماما ببيعة لم تنعقد إمامة المتغلب عليه](3).. وكذلك كان مرسي.. رئيسا بغالبية الأصوات على طريقة الصناديق.. ولا عبرة بخلع السيسي له واحتجازه في حبس أو نحوه، فإنه [لا يجوز خلع الإمام بلا سبب، فلو خلعوه لم ينخلع](4).

ولا سبب شرعي لذلك إلا خدمة المصالح الغربية والصهيونية، والتمكين للعلمانية العميلة، والأدلة على هذا تواطأت.. وإن ادعوا درء الفتنة تدليسا.. فإن ما نتج عن التغلب كان أفظع.. ولا يستمر حكم مثل هذا المتغلب الظالم السفاح إلا قليلا، بل إن مثل هذا [المتغلب يكون مستعجلا لما قصده، لخوفه من العزل](5) بسبب ما ارتكبه في حق شعبه.. وهذا ما يدفعه لمزيد من القتل والاعتقال.. والله غالب على أمره.

حينما خرج الموحدون على المرابطين لم ينكث القاضي عياض وأهل سبتة عهد البيعة بينهم وبين المرابطين وقرروا مواجهة الموحدين وتحصنوا في سبتة.. هذا ابتداءا.. فلما رأى أن لا فرصة له.. تنازل للموحدين عن سبتة دون البيعة بدليل أنه عاد فثار عليهم لما ضعف حال الموحدين وعاد إلى طاعة المرابطين لأنه أحق بها أصالة كما قال الناصري في الاستقصا.. ثم حاصر الموحدون سبتة.. وتوفي الحاكم المرابطي تاشفين بن علي فتنازل عياض وبايع عبد المؤمن بن علي؛ يقول الناصري في الاستقصا: (امتنع القاضي عياض رحمه الله من مبايعة عبد المؤمن ودافعه عن سبتة إذا لا موجب لذلك لأن بيعة تاشفين في أعناقهم، وهو لا زال حيا، فلا يعدل عن بيعته إلى غيره بلا موجب) فهذا القاضي عياض العالم المحدث.. الفقيه المالكي الكبير ومعه فقهاء سبتة الأجلة.. فلاحظ قول العلامة الناصري: (لأن بيعة تاشفين في أعناقهم) و(وهو لا زال حيا)، و.. فهل كان القاضي عياض ومن معه من فقهاء المالكية في سبتة جاهلين بالشريعة والفقه.. أو لم يكونوا على معرفة بميزان المصالح والمفاسد.. أو لم يكونوا يعرفون حرمة الدماء.. وعلى طريقة الناصري: (امتنع المصريون الشرفاء من مبايعة السيسي ودافعوه إذ لا موجب لذلك لأن بيعة مرسي في أعناقهم وهو لا زال حيا فلا يعدل عن بيعته إلى غيره بلا موجب..) بل مدافعة المصريين آمن من مدافعة القاضي عياض من وجهة نظري.

وكل ما فعله كان موافقا للشرع في نظر الناصري الفقيه فإنه قال: (الحاصل أنه ما فعله القاضي عياض أولا وثانيا وثالثا كله صواب موافق للحكم الشرعي، فهكذا ينبغي أن تفهم أقوال أئمة الدين وأعلام المسلمين رضي الله عنهم ونفعنا بعلومهم)(6) حسبي من هذا أن أبين أن المسألة مهما بلغت فهي خلافية على أقصى تقدير.. فالمسألة اجتهادية وهذا مذهب القاضي عياض والمالكية هذه فائدة أذكرها بسبب بعض إخواننا الذين أبوا إلا أن يتسببوا في إخراجها من محفوظاتي.. وما ذكرتها إلا للفائدة.. وإلا فلا أقصد بها فتوى أو ترجيحا.. فذلك شأن أهل العلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) علي القاري في مرقاة المصابيح (9/562/دار الكتب العلمية).

(2) الشافعي في الأم (6/41و42/دار المعرفة.

(3) الشربيني في مغني المحتاج (4/132/دار الفكر).

(4) النووي في روضة الطالبين (10/48/المكتب الإسلامي).

 (5)السرخسي في المبسوط (9/59/دار المعرفة).

(6) الناصري في (الاستقصا 1/254و255/در الكتب العلمية).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M