حوادث السير والتربية؛ أية علاقة؟

25 فبراير 2015 23:56
حوادث السير والتربية؛ أية علاقة؟

حوادث السير والتربية؛ أية علاقة؟

محمد الأمين مغازلي

هوية بريس – الأربعاء 25 فبراير 2015

ينتفض الناس في المغرب بين الفينة والأخرى، بعد حوادث السير المؤلمة والمميتة التي تودي بحياة العشرات جملة وفرادى، ولم يعد للتقارير الصادرة عن هيئات دولية بخصوص ترتيب المغرب في اللائحة السوداء في حوادث السير، لم يعد لها وقع الصدمة على المواطنين، لأن الواقع أكبر بكثير من أي تقرير، فما منا من شخص إلا ورأى بأم عينيه العشرات من هذه الحوادث بالصوت والصورة، وله أقارب كانوا ضحايا لها، إن لم يكن هو نفسه ضحية أولى.

بمجرد أن تقع حادثة هنا أو هناك إلا وتتعالى الأصوات المنددة بها، مشيرة بأصابع الاتهام إلى الوزارة الوصية على قطاع التجهيز والنقل، على اعتبار أن الطرقات المتردية والبنية التحتية الضعيفة هي المتسبب الأول في هذه الكوارث الإنسانية، كما أن الهيئات المسؤولة تلقي بدورها باللائمة على السائقين المتهورين الذين لا يحترمون قوانين السير.

إن مسؤولية الوزارة في الكثير من الأحيان لا تخفى، كما أن مسؤولية السائقين تبقى حاضرة بقوة، لكن الإشارة إلى هذين الطرفين فقط يظهر قصورا في النظرة، ومحدودية في الرؤية لهذا الموضوع الإشكالي، الذي ينبغي أن ننظر إليه في شموليته لا بشكل تجزيئي.

إذا تأملنا مشاكل مجتمعنا المغربي، وأجرينا استطلاعا لآراء المواطنين، لقياس مدى رضاهم عن القطاعات المهمة في المجتمع : التعليم، الصحة، الإدارات العمومية، الخدمات… سنكتشف عدم رضا كبير منهم عن كل ما سبق، فالخدمات الاجتماعية أغلبها متردية أو لا ترقى إلى طموحات المواطنين، والفساد مستشر في أغلب القطاعات: رشوة، زبونية ومحسوبية، تماطل في أداء الواجبات، ومطالبة على الدوام بالحقوق، عدم إتقان العمل، التكاسل والتراخي في قضاء حوائج المواطنين وغيرها كثير. فإذا كان الأمر على هذا الوجه، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستثناءات القليلة التي تبعث في البعض روح الأمل والتفاؤل، فكيف نريد أن تكون كل القطاعات متخبطة في مشاكل لا حصر لها، ونأتي إلى الشوارع والطرقات فنريد منها أن تكون منضبطة منظمة يحترم فيها القانون والأخلاق، كما هي عند الأمم الغربية؟

إن قضية حوادث السير هي مشكلة من ضمن مشاكل عديدة يتخبط فيها المجتمع المغربي، وحلها لا يكمن في النظر إليها بشكل منفرد، ولكن في القيام بنظرة شمولية تحاول اقتراح الحلول لهذه المشاكل برمتها، لأن أصلها واحد يكمن في غياب الوازع الديني والضمير الأخلاقي المهني والخوف من القانون.

إن حل هذه المشاكل السالفة الذكر يكمن بشكل أساس في التربية والتعليم. وإذا كانت الأسرة مهد التربية قد تخلت عن كثير من أدوارها الجوهرية، فسنركز الحديث هنا عن المدرسة، مرجئين خوض غمار التربية الأسرية إلى مقال آخر بحول الله.

لا يختلف اثنان على أن نهضة الدول كافة قامت على التعليم الذي يتخذ التربية منطلقا وأساسا، والنماذج على ذلك كثيرة لا حصر لها، والمتأمل في حال أخلاق هذه الأمم يدرك أن احترام القانون أو الخوف من عدم تطبيقه على الأقل، والاهتمام بالنظام العام وحرية الآخرين وحقوقهم، هو أصل أصيل ضمن منظومتهم الأخلاقية. وهذا معناه أن الأمر ليس حالات فردية أو خاصة، بل هو منهج أمة يسير عليه الجميع كبارا وصغارا ذكورا وإناثا. ولا يمكن أن يضطلع بهذا الدور الكبير والمصيري إلا المدرسة، من خلال مناهجها التي تتوخى تحقيق غايات ومرامي كبرى على رأسها المحافظة على الوطن والمواطن.

إن مدرستنا لازالت قاصرة عن تحقيق هذه الأهداف : فما نلمحه عموما في الشوارع والأماكن العامة من فوضى عارمة يظهر غياب التربية الأخلاقية، وقد ركزت أغلب البيداغوجيات التربوية المتبناة من طرف الحكومات السابقة على التعليم، وكان آخرها بيداغوجيا الإدماج، لكن التربية لم تعر الاهتمام الذي تستحق مع أنها والتعليم وجهان لعملة واحدة، لا ينفصلان إلا ليجتمعا من جديد.

إننا بحاجة لوقفة تأمل في حال التربية داخل المدرسة، لنضع الأصبع على مكمن الخلل، ونتوجه إلى كل المتدخلين بالسؤال عن مآل المدرسة المغربية، المعول عليها الأول في تحقيق نهضة هذا الوطن الحبيب.

إن مجتمعا صالحا تحترم فيه القوانين، وتسود فيه القيم والأخلاق لا ينبع إلا من المدرسة، وعلاج مشاكلنا المستعصية يكمن في نهضة التعليم، وثمار هذا التعليم الناجح ستقطف ليس فقط في الطرقات والشوارع، بل في جميع المرافق من مستشفيات وإدارات العمومية، وداخل منازلنا كذلك، حين سنرى تطبيق القانون على الجميع، والمساواة واحترام حقوق الإنسان وتخليق الحياة العامة. أما في ظل تعليم هكذا حاله، لا زال يتخبط في إشكالات عديدة، فإن الخروج من قوقعة هذه الأزمات يبدو بعيدا، والحد من الأرواح التي تزهق في الحوادث اليومية يبدو مطلبا أشبه بالحلم.

لقد آن الأوان لنبدأ البداية الصحيحة مستحضرين قيمنا الإسلامية والوطنية، منحين جانبا كل الخلافات التي تجعل التعليم حقل تجارب، ورهين نزوات واختيارات وإملاءات سواء كانت داخلية أم خارجية، فما عاد لنا وقت لنضيعه، وما عدنا قادرين على رؤية أرواح تزهق، ودماء تسفك، وطاقات تهدر.

ــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ اللغة العربية بالسلك الثانوي بمراكش.

البريد الإلكتروني : [email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M