مكارم الأخلاق عند حبيب الخلّاق

13 مارس 2015 23:36
مكارم الأخلاق عند حبيب الخلّاق

مكارم الأخلاق عند حبيب الخلّاق

إعداد الباحثة: وفاء بورحيم

هوية بريس – الجمعة 13 مارس 2015

أبدأ باسمك ربي وصلاتي وسلامي على خير الخلق.

أما بعد، فقد كان رسول الله -صلى عليه وسلم- أحسن الناس أخلاقا، وأعدلهم سمتاً وعشرة، وأكملهم أدبا وصفةً، واستحق التنويه القرآني، حتى وصفه الله سبحانه مخاطبا إياه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، كما اختصر صلى الله عليه وسلم- دور الرسالة في تمام الأخلاق، قائلا: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق“، ويكفي تقريرا لذلك أن زوجَه عائشة -رضي الله عنها- أجابت السائلَ عن خُلُقِه، بأن: “خُلُقَه القرآن الكريم“، حيث كان يرضى برضاه ويسخط بسخطه.

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- موسوعة أخلاقية جمة، فلا تجد خلقا رفيعا إلا وهو مبادر إليه، وسابق به غيرَه. يقول أنس-رضي الله عنه-: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقا”.

وإنما قصدت إلى إظهار هذه الأخلاق الرفيعة كثيرة دفاعا عنه مما أصبح الآن ظاهرة للأسف، حيث كلما أريد استفزاز المسلمين ترسم رسوم [كاريكاتورية] للإساءة إليه، وما يسيئون إلا لأنفسهم وما يشعرون.

وسأرد عليهم بالعِلم، وليس بالمثل، فنحن تلامذة مدرسته الأخلاقية، لا نرد السوء بالسوء. ولأثبت أيضا أن انتشار الإسلام راجع بالأساس إلى أخلاقه، وليس إلى حدة سيفه كما يشاع ظلما وعدوانا.

وسأكتفي بذكر بعض هذه الأخلاق، على أن تتوالى هذه السلسلة تباعا -بإذن الله تعالى- حتى نوفيه حقه.

أولا: الحِلْم

الحِلم“: “حسن التصرف”، فهو حالة توقر وثبات عند الأسباب المحركات؛ و”الاحتمال”: حبس النفس عند الآلام والمؤذيات عن ردة الفعل، ومثله “الصبر”.

وقد كانت هذه صفات أدب الله تعالى عليها رسوله -صلى الله عليه وسلم-. فلم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا.

ثانيا: العفو

العفو“: هو ترك المؤاخذة. ولا يكون إلا من حليم، ويزداد العَفُوُّ مكانة عند العفو عند المقدرة.

ومثاله واقعة الأعرابي الذي بال في المسجد، فكاد الصحابة أن يبطشوا به لولا تدخله “صلى الله عليه وسلم”، فتركه حتى قضى حاجته، ثم بين له برفق ولين أن المساجد لا تصلح لذاك، إذ هي للعبادة.

رابعا: “التيسير”

التيسير” هو التسهيل، ورفع الحرج، وهذا ما أخبرت به عائشة رضي الله عنها: “ما خُيِّرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها، وكان أبعد الناس غضبا…“.

خامسا: الْجُود والكرم

الْجُود” و”الكَرَم“: العطاء والبذل بسخاء. وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- كان جواداً كريما، يعطي عطاء من لا يخاف الفقر.

 وقد ذكر “أنس” -رضي الله عنه- أنه كان من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم: الجود والكرم. فقد سأله رجل مسألة فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه وقال: أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى فاقة.

كما أعطى غير واحد مائة من البعثة، وقد قال له: “ورقة بن نوفل”: “إنك تحمل الكَلَّ وتُكْسِبُ المعدوم، ورد الإبل؛ وأعطى صفوان مائة ثم مائة ثم مائة، وهكذا كان خُلُقه حيث قَبِل على هوازن سباياها وكانت ستة آلاف. وأعطى العباس من الذهب ما لم يطق حمله، وحمل إليه تسعون ألف درهم فوضعة على حصير ثم قام إليها فقسمها فما رد سائلا حتى فرغ منها.

وجاءه رجل فسأله فقال: “ما عندي شيء ولكن ابتع علي فإذا جاءنا شيء قضيناه”، فقال له عمر ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فَكَرِهَ “النبي” -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فقال رجل من الأنصار: “يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا فتبسم صلى الله عليه وسلم“.

 سادسا: الشجاعة والنجدة

الشجاعة“: “الاندفاع في موقف الإقدام”، وأي شجاعة هي التي يحتاجها الرسول وهي يغير عادات قومه، وما اعتادوه من ضلال وآثام، فلم يكن أشجعَ الناس من الرسول “صلى الله عليه وسلم”، فحضر المواقف الصعبة وفرّ عنه الأبطال، وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يُدْبِر ولا يتزحزح.

قال “علي”-رضي الله عنه-: “كنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.

وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس، وأجود الناس، وأشد الناس حياء وإغضاء…“.

سابعا: الحياء والإغضاء

الحياء“: ملكة تحمل المتصف بها على اتقاء ما يغضب الله، فهو رقة تعتري وجه الإنسان عند فعل ما يتوقع كراهيته والإغضاء التغافل عما يكره للإنسان بطبيعته.

فقد كان “صلى الله عليه وسلم” أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا كره شيئا عرف في وجهه وكان لا يثبت نظره في وجه أحد، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، لا يشافه أحدا بما يكره حياء، وكرم نفس، وكان لا يسمي رجلا بلغ عنه شيء يكرهه، بل يقول: “ما بال أقوام يصنعون كذا“…

ثامنا: حُسن العشرة

أجمل بحسن عشرته “صلى الله عليه وسلم”، ويكفينا وصف القرآن له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159].

كان أصدق الناس وأوسعهم صدرا وألينهم لهجة وأكرمهم عشرة.

ولا أفضل مثالٍ حُسن معاشرته لزوجاته، يقول: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي(رواه الترمذي).

كما كان عليه الصلاة وأفضل التسليم، يتفهم نفسية المرأة وطبيعتها، ويتجسد هذا التفهم بدعوته صحابته إلى مراعاة أحوالهن، يقول: “استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوجا فاستوصوا بالنساء خيرا“.

ويجدر التنبيه إلى أن الحديث ليس على سبيل الذم كما يروجها العوامّ بل لتفهيم الرجال نفسية المرأة.

ويعطينا الحديث فهما عجيبا لطبيعة المرأة، كما يشير إلى إمكانية ترك المرأة على اعوجاجها في بعض الأمور المباحة، وألا يتركها على الاعوجاج إذا تعدّت ما طبعت عليه من النقص كفعل المعاصي وترك الواجبات.

وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولَهم فهما للمرأة فيقول لعائشة -رضي الله عنها-: “إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عنى غضبى… أما إذا كُنت عنى راضية فإنك تقولين لا ورب محمد… وإذا كنت عني غَضْبَى قُلتِ: لا ورب إبراهيم؟؟ (رواه الإمام مسلم).

ويظهر محبته ووفاءه لها تطيبا لخاطرها وإعلانا بمكانتها عنده -صلى الله عليه وسلم- لعائشة في حديث أم زرع الطويل والذي رواه البخاري: “كُنتُ لَكِ كأبي زرع لأم زرع“، أي أنا لك كأبي زرع في الوفاء والمحبة فقالت عائشة بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع!!.

ويدلعها بأحسن الأسماء التي تحب كان -صلى الله عليه وسلم- يقول لعائشة -رضي الله عنها-: “يا عائش، يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام(متفق عليه).

ومن تمام الإحسان إلى المرأة إشراكها في همه -صلى الله عليه وسلم-، فكان يشتكي لها ويستشيرها، وكان يقوم بنفسه تخفيفا عليها.

كما كان يساعدها في شؤون البيت ويتحمل عنها بعض أعبائه، ودليله شهادة زوجته، حيث أجابت سائلا يسأل: “ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟” قائلة: “كان بشرًا من البشر، يخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه. (رواه الإمام أحمد).

تاسعا: وفاؤه

مما أختم به الكلام خُلق الوفاء بالعهد، وأداء الحقوق لأصحابها.

ومن أمثلة ذلك ما روي عن عبد الله عن أبي الخمساء أنه قال: “بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيع قبل أن يُبعث، وبقية له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فجئت فإذا هو في مكانه فقال: “يا فتى لقد شققت علي أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك“.

هذا من وفائه العظيم فقد كان لكل صنف من الناس نصيب من وفائه.

وبقيت أخلاق أخرى، نتعرض لها بتفصيل في حلقة أخرى، كالتواضع والعدل والزهد في الدنيا…

لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سامي الأخلاق، سموا لا يدانيه سمو. فكان بحق إنسانا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، لقد كان رسول الله أسوة حسنة، ومثالا يقتدى به في كل شيء، فكانت أخلاقه سبيلا لإسلام الآخرين، كما كانت أخلاقه منبعا لا ينضب لأصحابه، وإلهاما لمن يريد الارتقاء بنفسه من المسلمين.

والسلام.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M