هكذا يتم إقصاء السلفيين من العمل السياسي السلمي

17 مارس 2015 19:16
هكذا يتم إقصاء السلفيين من العمل السياسي السلمي

هكذا يتم إقصاء السلفيين من العمل السياسي السلمي

(رد على الشيخ بلعويدي)

أحمد الشقيري الديني

هوية بريس – الثلاثاء 17 مارس 2015

في ردّه على الشيخ حمّاد القباج، يقول ذوالفقار بلعويدي:

(بكل صدق أخي القباج، تهوينك من أمر الأشعرية، ذكرني بتهوينك من أمر الديمقراطية وتحرجك من وصف هذه الأخيرة في كتاباتك بالوصف الذي تستحق أن توصف به من كفر وجاهلية؛ وكأني بك تخطو مسار بعض الدعاة الذين يحاولون تمييع التصور تحت ذريعة تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، والتعامل بالحكمة، والإصلاح من الداخل، وذلك بجعلهم الشيء الواحد متعددا..)*.

فهو يعتبر الأشاعرة فرقة ضالة من فرق أهل القبلة التي لا يجوز تصنيفها في خانة “أهل السنة والجماعة”، لأن علماءها يتوسعون في مسألة تأويل الصفات خلافا للسلف، فأسقطهم فرارهم من التشبيه إلى الوقوع في التعطيل..

أما الديمقراطية التي هي نظام في الحكم، فيعتبرها صاحبنا كفر وجاهلية، ويزعم أن الشيخ القباج يداريها من باب الموازنة بين المصالح والمفاسد، وقد سبق أن رددنا عليه في مقال طويل نشر السنة الماضية على موقع “هوية بريس”؛ ومن أهم ما ذكرنا به الشيخ أن الديمقراطية التي نعني أداة لفصل السلط وتحرير الرأي من مبدأ “لجم العوام” وتنافس الأحزاب السياسية على السلطة بشكل سلمي لا تراق فيه الدماء، وأن هناك ديمقراطيات في الغرب وليست ديمقراطية واحدة، وأن جميع الدول لها ثوابت لا تطرح للتداول بين الأغلبية والأقلية في المجالس النيابية.

فعلى سبيل المثال، من غير المقبول في الدول العريقة في الديمقراطية أن تطرح مسألة المساواة بين الرجل والمرأة على طاولة النقاش في البرلمان، ولو كان الحزب الأغلبي فيها يرى أنه حفاظا على استمرار الأسرة في تلك البلاد تحتاج إلى إعادة النظر في مسألة خروج المرأة للعمل وترك أطفالها للرعاية في الحضانة، لأن المساواة ثابت عندهم من الثوابت، كما لا يمكن أن تطرح في البرلمان مسألة انتخاب حاكم مسلم في دولة مسيحية؛ ذلك أن الدستور وهو القانون الأسمى ينظم المجالات الذي يسمح فيها بالسجال القانوني، ويضع سقفا لا يمكن تجاوزه؛ بينما النقاش العام في الصحف والجامعات والقنوات يمكن أن يتناول كل المواضيع، حتى إذا تمّ تهييء الرأي العام لقبول رأي معين، كان مرفوضا من قبل، إذ داك فقط يطرح عند أول تعديل دستوري (ونموذجه في الغرب قانونية الزواج المثلي).

والسلفيون المتشددون يرون أن هذا مدخل يسمح للأغلبية أن تغير على أحكام ثابتة من أحكام الشريعة فتغيّرها، وتستبدلها بأحكام وضعية، وهذا كفر وجاهلية.

في حين أن الصواب أن تبقى الأحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة في منأى عن أي نقاش داخل المجالس النيابية، وتبقى مجالا محفوظا لعلماء الشريعة.

والحقيقة التي لا جدال فيها أن أي دولة ديمقراطية، لا تنص في دستورها على “إسلامية الدولة” والحاكم فيها مسلم، بأي صيغة من الصيغ الواضحة، تعتبر دولة غير مسلمة، وإن أقامت العدل بين الناس، لأن التنصيص على “إسلامية الدولة” في الدستور هو الذي يمنع النواب من اقتحام حمى الأحكام القطعية الدلالة والثبوت.

إذن فلا معنى للقول بـ”كفر الديمقراطية”، لأن الديمقراطية أداة محايدة، وليست مذهبا في الحياة، إلا من أراد أن يأخذ بخلفيتها الفلسفية وقيمها العلمانية التي تطورت في سياقها، فهذا معه نقاش آخر؛ وسمّ آلياتها التي تسمح بالتداول السلمي على السلطة ما شئت، فلا مشاحة في الاصطلاح.

لكن رفض الديمقراطية والحكم عليها بالكفر، يغلق الباب أمام الشباب السلفي الذي يرى أحكام الإسلام القطعية معطلة منذ دخول الاستعمار، في المشاركة السياسية، فيلجأ إلى أحد خيارين:

ـ الخيار الأول: الانسحاب من العمل السياسي، والاكتفاء بمنح الشرعية للحاكم المتغلب والقول بوجوب طاعته، وإن عطل أحكام الشريعة، وهذا مذهب السلفية المدخلية (نسبة إلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي)؛ وهذا الخيار يمكّن للاستبداد والانفراد بالسلطة والثروة، وتفقير الشعوب المسلمة وتجهيلها، وإشغالها بالصراعات العقدية القديمة، وتنزيل أحكام “الولاء والبراء” على المخالف ولو في جزئية من جزئيات الدين، والسقوط في بدعة التصنيف، وإدخال فصائل الأمة التي تعايشت لقرون في الاحتراب والتراشق بالألقاب، وإسقاط هذا وتبديع ذاك، والوقوع في أعراض العلماء، وهذا مذهب الشيخ بلعويدي هداه الله.

كما أن هذا المذهب الفاسد يؤلب الأحزاب العلمانية والحركات النسوية والتيار الحداثي عموما -وهو موجود وقوي ومسنود من الغرب- على عموم فصائل الحركة الإسلامية، لأنه يعتبرها حركات إقصائية لا تؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، فيناصبها العداء ويعمل على إقصائها من العمل السياسي، ويغلق في وجهها جميع منافد التأثير في الرأي العام والتربية والتوجيه؛ لأنه يخشى إن هي توسعت أن تقوم باستئصاله على مذهبها في تكفير الفعل الديمقراطي الذي هو أرقى أشكال الحكم وما بلغته البشرية في مجال تحرير السلطة من الكهنوت والاستبداد ورجال الدين.

ـ الخيار الثاني: الخروج على الحاكم بالقوة واستعمال العنف، وهذا مذهب أهل التكفير والتفجير، وقد خرج من تحت عباءة الأول، لأن الشباب السلفي الذي يرى الظلم في جميع مناحي الحياة، والبطالة التي تلفحه بنارها، ومظاهر الفسوق والفجور من أعلى قمة المجتمع إلى أدناه، ولا يسمع من العلماء إلا وجوب طاعة ولي الأمر وإن جار، لأن هذا من ثوابت العقيدة، وأن الديمقراطية وإنشاء الأحزاب والاشتغال تحت قبة البرلمان كفر في كفر؛ لا يسعه إلا الانتقال إلى الضفة الأخرى، حيث أمير المؤمنين مؤسس الخلافة، والسبايا والجهاد وإسقاط الأنظمة الكافرة، وفتح أوروبا وأمريكا..

نعم العلمانية مذهب، لها رؤيتها للكون والإنسان والحياة، لكن أحدا من العلماء المعاصرين لم يقل بكفرها لأنها تفصل الدين عن الدولة، فكيف الحال بالديمقراطية وما هي إلا أداة راقية لفصل السلط ومحاصرة الاستبداد، ونظاما للتدوال السلمي على الحكم بين الأحزاب والنخب، وهي وإن نشأت وتطورت في بيئة علمانية معادية للنظام الثيوقراطي وحكم رجال الدين، فإن فصلها عن سياقها التاريخي والفلسفي سهل ميسّر، ولهذا تجدها مرنة مع القيم الكونفوشيوسية أو البوذية أو اليهودية أو المسيحية أو اللادينية؛ فلماذا نطاردها نحن الإسلاميون، ونحن أكثر الشعوب معاناة مع الحكم الديكتاتوري الذي أقصى الإسلام من الحياة، ومكّن لكل ذي نحلة ومذهب..

عقدة المسلمين مع “المستبد العادل” هي التي توقعهم في هذا اللجاج، في حين يشهد التاريخ البعيد والقريب أن نموذج “عمر بن عبد العزيز” و”يوسف بن تاشفين”، وقبلهم الخلفاء الراشدون، فلتات لا تتكرر، ولا يمكن الاعتماد على ما يجود به الزمان من هذه النماذج، بل النظام الذي يقوم على احترام المؤسسات هو البديل المنشود، البديل  عن هذه الهمجية في الحكم الجارية على أرض الإسلام اليوم.

قديما قالوا: “عدو عاقل خير من صديق أحمق”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   

* قطع اللجاج بتقويم ما في اعتدال أخينا القباج من اعوجاج (ح4).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M