الصحة بين الأيام العالمية والهِدْية الإسلامية

05 أبريل 2015 15:41
الصحة بين الأيام العالمية والهِدْية الإسلامية

الصحة بين الأيام العالمية والهِدْية الإسلامية

د. محمد ويلالي

هوية بريس – الأحد 05 أبريل 2015

يحتفل العالم في السابع من هذا الشهر -شهر أبريل- من كل سنة، باليوم العالمي للصحة، استحضارا لأهمية الصحة في استقامة الحياة، وتوخيا لعيش سليم، لا تكدره الأمراض، ولا تعكر صفوه الأسقام.

ولعل انشغال العالم بكثرة الأمراض، وتنوعها، وخطورتها، حتى فاقت الأيام العالمية لهذه الأمراض ثلاثين يوما، دليل على تنكب طريق الإسلام في الحفاظ على الصحة، والذهول عن هديه، ووصاياه، وتعاليمه في حفظ النسل البشري مما يضره كيانه، وينخر جسمه، وينهك قواه. ولو تفطن كبار المسؤولين في المنظمات العالمية، والمعاهد والمؤسسات الدولية ذات البعد الصحي لهذه الوصايا والتعاليم، لتقلص العديد من هذه الأمراض التي لا يزيد شأنها إلا استفحالا، ولا تستحيل أرقامها إلا فظاعة وهولا ووبالا.

ـ يعاني -اليوم- نصف البشر من أمراض نفسية، قرابة مليار منهم يعاني من اضطرابات عصبية، وأزيد من 8 ملايين شخص ونصف منهم يتوفون كل عام. وثلث البشر مصابون بالقلق. وما يقرب من 340 مليون شخص يعانون حالات الاكتئاب. فما السر في هذا الوضع الخطير؟

إنه البعد عن كتاب الله، الذي ما قرأه الناس بقلوب متدبرة واعية، ونفوس راضية مطمئنة، وصدور موقنة منشرحة، إلا دخلها السرور، وعمها الابتهاج والحبور: “الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ“.

وإنها الغفلة عن الآخرة، التي ما أيقن حقيقتها أحد إلا عمل لها، فهانت عليه الدنيا ومشاغلها. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا: هَمَّ آخِرَتِهِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ. وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا، لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ” صحيح سنن ابن ماجة.

معظم هؤلاء المرضى لا يصلون، ولا يسجدون لربهم تضرعا، وخوفا، وخشوعا، وإلا أحسوا بسعادة المقبلين على الله، الموقنين بوعد الله، الصابرين على أقدار الله. ومن أعظم تجليات الصبر، الصبر على الصلاة أداء وتدبرا. يقول تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ“. و”كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّىصحيح سنن أبي داود.

ذكر الله في الصلاة يهوّن أثقال الحياة، ويمسح متاعبها، ويخفف همومها، ويزرع في الجسم النشاط والحياة. المسلم يستقبل كل يوم جديد بنفس مفعمة بالطمأنينة، واليقين، والانشراح، والأمل. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَمتفق عليه.

ومن نفيس كلام قال ابن القيّم -رحمه الله- في بيان العلاج النفسي الذي انبنت عليه واقعية الإسلام قوله: “في القلب شعث لا يَلُمُّه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلاّ السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يُسكنه إلاّ الاجتماع عليه والفرار إليه.. وفيه فاقة لا يسدّها إلاّ محبتُه، والإنابة إليه، ودوامُ ذكره، وصدقُ الإخلاص، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تُسَدَّ تلك الفاقة أبدًا”. ولعل هذا سر انتحار 800 ألف شخص في العالم كل عام، منهم أغنياء، بعضهم يملك ملايير، لم تزده أمواله إلا كآبة، ويأسا، وقلقا.

إنسان هذا الزمان -عموما- متوتر، رافض، عصبي، ثائر، قلق، لا يعرف الصبر إلى نفسه سبيلا، ولا الرضا إلى قلبه دليلا، ولا التأني إلى تصرفاته مرشدا، مع أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- علمنا أن حال المسلم في السراء والضراء كله له خير، يشكر في الأولى، ويصبر في الثانية. قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “خير عيش أدركناه بالصبر“.

قال ابن القيم -رحمه الله-: “إنّ السُّخط باب الهم والغم والحزن، وشتات القلب، وكسف البال، وسوء الحال، والرضا يخلصه من ذلك كله، ويفتح له باب جنة الدنيا قبل جنة الآخرة”.

ويقول بكر بن عبد الله المزني -رحمه الله-: “يا ابن آدم، إذا أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك، فَغْمِضْ عينيك“.

ونحن نقول: إذا أردت أن تطمئن نفسك، ويهدأ صدرك، ويثبت قلبك، فانظر إلى من هم أسفل منك، زر المستشفيات في غرف العناية المركزة، ثم احمد ربك على كثرة نعمه عليك، قف ساعة أمام باب المستعجلات، وتأمل في أحوال الجرحى، والمعطوبين، والمرزوئين، ثم ارجع إلى نفسك، وتأمل في حالك، وسترى أن حزنك سيتبدد، وأن أساك سينقشع، وأنك على خير حال، بل ربما كنت تملك الدنيا وأنت لا تدري. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَاصحيح سنن ابن ماجة.

ـ مرض فقدان المناعة، يفتك -اليوم- بـ60 مليون شخص في العالم، يموت منهم قرابة 5 ملايين كل سنة، ما يناهز 80% منهم من الشباب. وأعظم أسبابه الزنى، والخيانة الزوجية، وإباحة الإجهاض، والله تعالى يقول: “ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن“، وعلى رأس هذه الفواحش الزنا.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحذر: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضواصحيح سنن ابن ماجة. وعند الطبراني بسند حسن: “ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت“.

ماذا ننتظر من مجتمعات ترى الاختلاط تقدمية، والزنا حرية، وشروط الزواج تحكما، والعفاف تخلفا، والحجاب رجعية، والحشمة كبتا، والوقار تصنعا، والإجهاض حقا، والتدين تشددا.. إلا مثل هذه الأمراض الفتاكة، التي تُدخل على أُسَر أصحابها الحزن والأسى، وتملأ حياتهم فوضى وقلقا.

ـ ومن عجب أن من ضمن هذه الأيام العالمية الصحية، يوم يقال له اليوم العالمي لغسل اليدين، الذي اختارت له الجمعية العامة للأمم المتحدة الخامس عشر من أكتوبر، احتفل به لأول مرة في أكتوبر سنة 2008، بعد أن تبين أن حملة غسل اليدين بالصابون قللت نسبة الوفيات الناتجة عن الإسهال بمعدل النصف تقريبا، في ذهول تام عن أخلاق الإسلام التي تأمر بالاغتسال في مواطن عديدة، وبالوضوء للصلاة. قال تعالى: “مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ“. وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الطهارة نصف الإيمان فقال: “الطُّهورُ شَطْرُ الإيمانِمسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: “أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟“. قَالُوا: لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: “فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَامتفق عليه.

ومن عظيم الحث على الطهارة الحسية والمعنوية، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس من عبد يبيت طاهرا، إلا بات معه في شعاره مَلَك، لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراصحيح الترغيب.

ومن مظاهر عناية الإسلام بالصحة، أن جعلها من النعم العظيمة التي لا يعرف قدرها كثير من الناس. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغالبخاري.

ولقد فسر بعض السلف قوله تعالى: “ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ” فقالوا: عن الصحة.

ومن أعظم ما يحقق التوازن الصحي قوله تعالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ“. قال ابن القيم: “فأرشدَ عِباده إلى إدخالِ ما يُقِيمُ البدنَ من الطعام والشراب عِوَضَ ما تحلَّل منه، وأن يكون بقدر ما ينتفعُ به البدنُ في الكمِّية والكيفية، فمتى جاوز ذلك كان إسرافاً، وكلاهما مانعٌ من الصحة، جالبٌ للمرض، أعنى عدم الأكل والشرب، أو الإسراف فيه، فحفظ الصحة كلُّه في هاتين الكلمتين الإلهيتين”.

وكان -صلى الله عليه وسلم- يأكل من فاكهة بلده، ويرى ذلك أحفظ للصحة. قال ابن القيم: “وهو من أسباب حفظ الصحة، فإن الله سبحانه بحكمته جعل في كل بلد من الفاكهة ما ينتفع به أهلها، فيكون تناوله من أسباب صحة أهلها”.

وكان -صلى الله عليه وسلم- يرشد إلى الأدوية الناجعة الفعالة، وإن بدت لبعض الناس ممجوة مستقذرة. فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ (كرهوا المقام بها لضرر لحقهم)، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوامتفق عليه.

ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إجهاد البدن وقهره، ولو في العبادة وقصد القربى. فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنه- قَالَ: قال لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟“. فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:”فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ (أي: زائرك) عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ“. قال: فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَىَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ:”فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ“. قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-؟ قَالَ:”نِصْفَ الدَّهْرِ“. فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-” متفق عليه.

فإذا رزقك الله صحة وعافية، فأعظم حمدك لله، وضاعف الشكر له، فأنت على خير كثير.

ولقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَمسلم.

وكان لا يدع حين يُمسي وحين يُصبح أن يقول: “اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي. اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك أن أغتال من تحتيصحيح سنن ابن ماجة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M