مخالفات شرعية في مشروع القانون الجنائي المغربي

12 أبريل 2015 23:04
مخالفات شرعية في مشروع القانون الجنائي المغربي

مخالفات شرعية في مشروع القانون الجنائي المغربي

د. محمد بولوز

هوية بريس – الأحد 12 أبريل 2015

مساهمة في النقاش الجاري حول مشروع القانون الجنائي المغربي، والذي وضعته وزارة العدل والحريات على موقعها الإلكتروني، أحب الإشارة في هذه المقالة إلى جملة من المخالفات الشرعية، لننتبه أننا ما زلنا في حظيرة ما تركه لنا الاستعمار من القوانين بعد ستين سنة من الاستقلال، وأننا لم نتحرر بعد في هذا المجال؛

وأننا نعاني ازدواجية غريبة بين شعار المملكة ودستورها الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة وبين قطاعات عريضة في مؤسسات الدولة بما فيها وزارة العدل والحريات وبعض القوانين الجاري بها العمل في محاكمنا والتي تخالف صراحة الكتاب والسنة وإجماع الأمة واجتهاد أئمتها كمالك رحمه الله وغيره من الأئمة الأعلام، وهذه بعض المجالات الواضحة في مخالفتها للشرع الحكيم:

عقوبة القتل:

جاء في المادة 392 من مشروع القانون الجنائي: “يعاقب بالسجن المؤبد، كل من تسبب عمدا في قتل غيره. وكذا في مادة 398 يعاقب بالسجن من عشرين الى ثلاثين سنة وغرامة من 200.000 إلى 2.000.000 درهم، كل من ألقى بمواد سامة أو خطيرة على الصحة العامة أو لها تأثير خطير على سلامة الصحة العمومية في المياه المخصصة للاستهلاك أو للسقي. ترفع العقوبة إلى السجن المؤبد، إذا أدت هذه الجرائم إلى الوفاة أو الإصابة بعاهة مستديمة”.

والحال أن الواجب هو القصاص أي الإعدام، وهناك غياب مبدأ عفو المجني عليه أو عصبته وغياب الدية، مع ضعف العقوبة المالية والتي لا يستفيد منها أصلا المجني عليه، فمثلا في المادة 402 “يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وغرامة من 10.000 درهم إلى 50.000 درهم إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل العنف أو الإيذاء قد نتج عنه فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة دائمة أخرى”

في حين نجد في الشريعة الإسلامية أن بعض الأعضاء المفقودة تستحق دية كاملة وهي قيمة مائة من الإبل، جاء في الموسوعة الفقهية: “تجب الدية الكاملة في إذهاب قوة السمع أو قوة البصر إذا ذهبت المنفعة بتمامها, عند جميع الفقهاء، ولو أذهب البصر من إحدى العينين أو السمع من إحدى الأذنين ففيه نصف الدية، أما لو أذهب بعض البصر أو بعض السمع من إحدى العينين أو الأذنين أو كليهما، فعليه الدية بحساب ما ذهب إن كان منضبطا, كما يقول المالكية والشافعية، وقال الحنابلة: في نقصان السمع أو البصر حكومة مطلقا” اهـ.

السكر العلني:

جاء بخصوص السكر العلني في المادة 1-286: “يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص ضبط في حالة سكر علني بين، في الأزقة أو الطرق أو في أماكن أخرى عمومية، وتسبب في إحداث الضوضاء أو الفوضى أو مضايقة العموم”.

وأما في الشريعة الإسلامية فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل قد شرب الخمر فضربه أربعين، ولم تقرن عقوبة الشارب بإحداث فوضى أو مضايقة الناس، وإنما مجرد ثبوت السكر، ففي ‏صحيح مسلم “أن علياً رضي الله عنه أمر عبد الله بن جعفر أن يجلد الوليد بن عقبة فجلده ‏وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك ثم قال: جلد، النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، ‏وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانيين، وكل سنة وهذا أحب إلي“.

وفي مسلم أيضاً عن أنس ‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين.‏ واتفق الفقهاء بمن فيهم المالكية على وجوب حد شارب الخمر، وليس السجن أو الغرامة المالية، والشريعة هنا أرحم لأنها تكتفي بمعاقبة الجاني فقط بينما عقوبة السجن والمال تمس الأسرة أيضا وهي لم يرتكب أعضاؤها ذنبا ومع ذلك يعاقبون، وتمس عقوبة السجن المال العام بما ينفق على السجن والسجناء.

عقوبة الزنا:

جاء في المادة 484: “يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وغرامة من20.000 إلى 200.000 درهم، من هتك بدون عنف أو حاول هتك عرض قاصر أو عاجز أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية. إذا ارتكبت هذه الجرائم باستعمال العنف، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة وغرامة من 50.000 إلى 500.000 درهم”.

وحكم الشرع واضح: جلد مائة وتغريب عام لغير المحصن سواء كان لقاصر في حكم القانون (بالغ في عرف الشرع) أو غيره ممن هم فوق الثمانية عشر سنة، لقوله تعالى في سورة النور: “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ(2)”، والآية واضحة بينة لا مجال لتأويلها، ومائة هي مائة وليست خمسين أو تسعة وتسعين، أو خمس سنوات أو عشر.

وحكم المحصن: الإعدام، فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال عمر: إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف“.

وأما مع استخدام الزاني العنف على ضحيته فحكمه من باب أولى الإعدام أيضا، وقد بوَّب عبد الرزاق في مصنفه بابا في المستكرهة، أسند فيه عن حجاج أن حبشيا استكره امرأة منهم، فأقام عليه عمر بن عبد العزيز الحد، وأمكنها من رقبته.

وهذا كله إن وقعت الجريمة على وجه المخادعة والإسرار، وأما إن كانت على سبيل المكابرة والمجاهرة والمغالبة، فهذا يقام عليه حد الحرابة المذكور في قوله تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[المائدة:33].

قال ابن العربي المالكي يحكي عن وقت قضائه: “رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين! لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج! فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج” اهـ.

وأما بخصوص الراشدين ممن يزنون بإرادتهم فالعقوبة في مشروع قانوننا الجنائي مخففة جدا، وهم في الشرع يستحقون الإعدام إذا كانوا محصنين أو جلد مائة وتغريب عام إذا كانوا غير ذلك، كما سبق بيانه، فقد جاء في المادة 490: “كل اتصال جنسي غير شرعي بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية، تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين. يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم إذا ارتكبت هذه الجريمة بمقابل كيفما كان نوعه.

إذا كان أحد مرتكبي الجريمة قاصرا دون الثامنة عشر من عمره تطبق على الراشد مقتضيات المادة 724 من هذا القانون”.

وهي كما ترى أخف بكثير من عقوبة التحرش الجنسي والتي قد تصل إلى ثلاث سنوات و50.000 غرامة مالية (انظر مادة 1-503) والعجيب الغريب أن لا تعتبر العفة من الحق العام، وأن الخيانة الزوجية تسقط فيها المتابعة إلا إذا كانت هناك شكاية من أحد الزوجين أو كان أحد الزوجين خارج تراب المملكة، وبمجرد تنازل المشتكي تسقط المتابعة للزوج (انظر المادة 492) .

والأعجب والأغرب أن يعاقب من يعرقل مساعدة أهل البغاء فقد جاء في مادة 498: “يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 50.000 إلى 1.000.000 درهم، كل من ارتكب عمدا أحد الأفعال الآتية: وذكر منها: “عرقل أعمال الوقاية أو المراقبة أو المساعدة أو إعادة التربية التي تقوم بها القطاعات أو الهيآت أو المنظمات المؤهلة لذلك، تجاه أشخاص يمارسون البغاء أو الدعارة أو معرضين لتلك الممارسة”.

وجاء في مشروع القانون الجنائي حكم المختطف المعتدي جنسيا، وهو بحسب المادة 438 يعاقب بالسجن المؤبد، وفي الشريعة حكمه الإعدام وخصوصا إذا كان محصنا.

الاغتصاب جاء عاما بحيث يشمل في منطوقه حتى الأزواج:

جاء في المادة 486: “الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها، ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم”. ولم يقع أي استثناء لحال الزوجين إذا حدث ووقع أن تحركت شهوة الزوج فواقع زوجته بغير رضاها، فهل مصيره هذه العقوبات؟

عقوبة القذف:

بخصوص القذف جاء في المادة 444: “يعاقب على القذف أو السب العلني المرتكب في حق الأشخاص، بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 200.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين. إذا ارتكب القذف أو السب العلني ضد امرأة بسبب جنسها، تكون العقوبة الحبس من شهر واحد إلى سنتين والغرامة من 2.000 إلى 200.000 درهم”.

فيتناول القذف مختلف أشكاله بما فيها الاتهام بالزنا، ويلاحظ بشكل جلي مخالفة الحكم للنص الشرعي الواضح في الموضوع وهو قول الله تعالى: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)” سورة النور.

قال القرطبي المالكي في تفسيره “قوله تعالى: {فَٱجْلِدُوهُمْ}، الجلد الضرب”، وقال الزمخشري في تفسير الآية: “وأشدّ الضرب ضرب التعزير، ثم ضرب الزنا، ثم ضرب شرب الخمر، ثم ضرب القاذف. قالوا: لأنّ سبب عقوبته محتمل للصدق والكذب، إلاّ أنه عوقب صيانة للأعراض وردعاً عن هتكها”.

عقوبة ضرب الزوجة:

ففي المادة 404: “يعاقب كل من ارتكب عمدا ضربا أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء ضد زوج بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 5.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين سواء لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية أو نتج عنه مرض أو عجز لا تتجاوز مدته واحد وعشرون يوما”.

فهذا يشمل حتى الضرب الخفيف غير المبرح والذي لا يترك جرحا ولا أثرا والذي قد يضطر إليه بعض الأزواج في حال النشوز دفعا لما هو أشد منه كالطلاق، فإن كان لا يضرب خيار الناس ولكن التأديب في حدود معقولة مأذون به في الشرع كما قال تعالى: “وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(النساء:34).

وما يقال في الزوجة، يقال أيضا فيما ورد في نفس المادة يهم كل “شخص له ولاية أو سلطة عليه أو مكلف برعايته”، من الابن واليتيم يرعاه ونحو ذلك، وقد يضرب الأب أو الأم ولديهما ضربا غير مبرح تربية وتأديبا وإن كان ينصح بتجنب الضرب ولكنه واقع عند الكثيرين لا محالة.

عقوبة السرقة:

بخصوص السرقة، جاء في المادة 505: “من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير يعد سارقا، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 2.000 إلى 200.000 درهم”.

وفيه مخالفة صريحة لقوله تعالى: “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(المائدة:38). قال القرطبي في أحكامه: “قال مالك: تُقطَع اليد في ربع دينار أو في ثلاثة دراهم، فإن سرق درهمين وهو ربع دينار لانحطاط الصرف لم تقطع يده فيهما. والعُروضُ لا تقطع فيها إلا أن تبلغ ثلاثة دراهم قَلّ الصرفُ أو كَثُر”.

فإذا كان السارق مكلفا وأخذ مال غيره خفية بالغا نصاب السرقة (ثلاث دراهم زمن النبوة) من حرز وثبت عليه ذلك ببينة أو اعتراف وجب فيه القطع، وأما إذا كانت سرقة تحت تهديد السلاح فحكمها في الشرع حد الحرابة، وليس السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة وغرامة من 5.000 إلى 50.000 كما في المادة 507، قال تعالى: “إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34)(سورة المائدة).

قال القرطبي في أحكامه حكاية عن طائفة من العلماء: “يقام عليه بقدر فعله؛ فمن أخاف السبيل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خِلاف، وإن أَخَذ المال وقَتَل قُطعت يده ورجله ثم صُلب، فإذا قَتَل ولم يأخذ المال قُتِل، وإن هو لم يأخذ المال ولم يَقتل نُفِي” والسرقة في شريعتنا من الحق العام الذي لا تسقط فيه المتابعة ولو تنازل المعني بالمسروق، عكس ما جاء في المادة 523 والتي تضع حدا للمتابعة بمجرد تنازل المتضرر.

وأما في الشرع، فقد روى النسائي وغيره أن صفوان بن أمية نام في المسجد فوضع رداء له تحت رأسه فأتاه لص فاستله من تحت رأسه فأخذه فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن هذا سرق ردائي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسرقت رداء هذا؟ قال: نعم، قال: اذهبوا به فاقطعوا يده، قال صفوان: ما كنت أريد أن تقطع يده في ردائي، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: فلو ما قبل هذا” صححه الألباني، فلم ينفع صفوان تنازله عن المطالبة بتنفيذ حد السرقة بعد أن رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ممثل السلطة يومها.

فهذا شرع الله في حفظ النفوس والعقول والأعراض والأموال، فأين أنتم يا من نصصتم في الدستور في الفصل الثالث وغيره: “الإسلام دين الدولة”؛ أما يجب لقانوننا الجنائي أن يخضع لدين الدولة؟ ويا من يزعمون أن مذهب مالك هو مذهبنا، أما يجب لقوانيننا الجنائية وغيرها أن تحترم مذهبنا وتسير في ركاب اجتهاد علمائنا؟

ثم بقيت تساؤلات كثيرة على هذا المشروع بخصوص مخالفات في نظر الشرع لم يتم اعتبارها كذلك في القانون: حيث لم يجرم شرب الخمر في ذاته ولا المتاجرة فيه ولا تصنيعه ووقع تراجع واضح عن القانون الحالي الذي يتحدث على الأقل على منع بيعه للمسلمين، فلم تخصص للخمر بنود كما هو الحال في المخدرات، إلا ما كان من حديث عن السكر العلني مقرونا بالفوضى ومضايقة الآخرين والحال أن الخمر هو الأصل المنصوص في الشرع وهو أم الخبائث والمصائب الكثيرة، وما المخدرات التي احتفى بها القانون سوى فرع يقاس على ذلك الأصل.

كما لم يتم الحديث عن تجريم الربا، ونصه واضح بين في الشرع، بل لم تعلن الحرب من الله ورسوله على آفة من الآفات كما فعل مع الربا؟

إنها أسئلة للتأمل، وليس للإحراج، لندرك أننا لا زلنا بعيدين عن الاستقلال الحقيقي عما ورثناه من فرنسا، وأننا بحاجة إلى قوانين تشبهنا ونابعة من ديننا وهويتنا وأصالتنا وقيم حضارتنا، فالأمر دين ومن كان متدينا على الحقيقة تهزه آيات ربه من مثل: قوله تعالى في سورة المائدة: “وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)“، وقوله: “وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)” وقوله: “وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)“.

أو قوله تعالى في سورة الأحزاب: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا (36)“، ويتمنى المومن حقا بدينه أن يكون ممن قال فيهم ربهم: “إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ“، وإنا منتظرون صحوة أهل التشريع فينا بمختلف مستوياتهم أن يتقوا الله فيما يفعلون فإنهم على خطر عظيم بينهم وبين خالقهم قبل أن يكون بينهم وبين وطنهم وأمتهم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M