تحقيق التخلص والانعتاق، باليقين بأن الله هو الرزاق

13 أبريل 2015 22:54
تحقيق التخلص والانعتاق، باليقين بأن الله هو الرزاق

تحقيق التخلص والانعتاق، باليقين بأن الله هو الرزاق

الشيخ عمر القزابري

هوية بريس – الإثنين 13 أبريل 2015

لا يشك ناظر مستبصر في أحوال الناس اليوم، أن مسألة التكالب على الدنيا والتهارش عليها، أصبح سمة بارزة من سمات هذا العصر، حيث بدأت تهمش مسألة الحلال والحرام عند الكثيرين، ولم يعد للذكرى وقعها في النفوس، كما كان سابقا، وذلك لأن القلوب إذا خلت من خشية الله، لم تنفع فيها مواعظ، قال تعالى: (سيذكر من يخشى)، وقال تعالى: (إنما يتذكر من ينيب).

ونتيجة لذلك، ظهرت أمور في التعاطي مع مسألة الرزق لا تمت بصلة لتعاليم الإسلام ومبادئه التي يحاول غرسها في نفوس المنتسبين، نعم ظهرت وكثرت هذه الأمور المنافية لشرعنا، كالربا، والغش، والرشوة، وأكل أموال الناس بالباطل، والشعوذة، والسحر، والتزوير وووووو.. وحلت محل النصوص الشرعية، أقوال من الحكمة خلية.. تدعوا الإنسان إلى أن يكون ذئبا حتى لا تأكله الذئاب..

أيها الأحباب: هذا القرءان الذي بين أيدينا، لماذا أنزل؟ أنزل لينظم حياة الناس، ليقوي عقيدتهم، ليقوم سلوكهم، ليخلصهم من كل استرقاق، وليحليهم بوسام الانعتاق، ليضع أمامهم المنهج السوي الذي يوصلهم إلى حقيقة الإسلام هنا، وإلى دار السلام هناك.. وإن المسلم إذا لم يتعاطى مع الكتاب على أنه منهج حياة، وسبيل نجاة، فسيعيش في ظلمات بعضها فوق بعض.. ولقد تناولت الكثير من الآيات مسألة الرزق، بغاية البيان والتجلية، وذلك حتى يزول كل وهم، ويستقيم الفهم بالفهم..

وهناك سورة عظيمة جلت هذا الأمر وبينته، حتى إن المتعاطي معها بفهم ويقين، سيخرج منتصرا على دواعي الخنوع القابعة فيه نتيجة الهوان والذل الذي يسببه الخوف على الرزق، ومعلوم أن القرءان كتاب يمنحك العز، ويجعلك في محل الاعتبار، من موقع الاقتدار، دون خوف من كبار أو صغار.. هذه السورة هي سورة الذاريات.. فمن مطلعها تظهر مشاهد القوة (والذاريات ذروا، فالحاملات وقرا، فالجاريات يسرا، فالمقسمات أمرا، إنما توعدون لواقع).

والذاريات“: يعني الرياح تسوق السحاب، “فالحاملات وقرا“: السحاب يحمل الماء الذي فيه حياة الناس وحياة مابه حياتهم.. “فالجاريات يسرا“: قيل هي السفن، وقيل هي النجوم، “فالمقسمات أمرا“: أي الملائكة.. قسم عظيم، والمقسم عليه: “إنما توعدون لصادق“.. ومما وعدنا به مسألة تكفل الرب سبحانه وتعالى برزق عباده، بمقتضى قوله: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، فهذا المطلع يشعرك بالهيبة وفي نفس الوقت يمنحك الأمان.. ثم تمضي الآيات إلى أن يأتي قول ربنا العلي: (وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون).

يقسم ربنا وهو سبحانه غني عن هذا القسم، فهو سبحانه الصادق، ولكن هذا القسم جاء من أجل اجتثاث أي شك في مسألة الرزق، سمع أحد الأعراب هذه الآية فبكى وجعل يقول من الذي أغضب الجليل حتى حلف، من الذي أغضب الجليل حتى حلف..

ثم تأتي بعد الآية صورة من صور الإعجاز التي تضع أمام أعيننا مسألة عدم خضوع الأمور الإلهية، للأسباب المتعارف عليها عند البشرية، بل تأتي بأمور خارقة ترسخ اليقين بأن الله على كل شيء قدير.. رزق من نوع آخر، امرأة عجوز عقيم متزوجة من شيخ كبير تبشر بغلام، انقطاع كامل لأسباب الإنجاب، ومع ذلك تبشر بغلام (قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم، فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم، قالوا كذلك قال ربك، إنه هو الحكيم العليم)، فكيف بعد هذا لا يثق العبد في ربه، ولا يتوجه إليه ولا يقصده، جاءتها البارقة، في ثوب الخارقة، فكيف بعد ذلك يحس العبد بالضائقة.. ثم تمضي الآيات إلى قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون، والأرض فرشناها فنعم الماهدون، ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون، ففروا إلى الله)، السماء التي هي مصدر الرزق، والأرض التي هي محل استقبال هذا الرزق..

كما قال تعالى: “والسماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع“.. الرجع: المطر.. الصدع: ما تتصدع عنه الأرض من النبات وغيره..

هذه المصادر هي من خلق الله، من بناء الله، فكيف تقف عند المبني، ولا تتعلق بالباني..

ففروا إلى الله“: فروا إليه من أوهامكم، من أنفسكم، من نزاعاتكم، من صراعاتكم على الدنيا.. ثم تأتي آية الختم، المحققة للوسم، بشرط اليقين والفهم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الله الله الله، إنها آية الحسم والعزم، التي تخلصك من كل تذلل، من كل انبطاح، من كل تملق، من كل تزلف، تقول لك: لا تبع الذمم، من أجل اللقم فإن الله هو الرزاق.. لا تخف لا تحزن، لا أحد يملك لك نفعا ولا ضرا، ولا عطاء ولا منعا.. فالله هو الرزاق.. هو لا غيره، هو وحده، لا أحد معه، فثق بربك، وادخل رياض الراحة والأمن.. حقق ما طلب منك.. العبادة التي خلقت من أجلها، ولا تحمل هم الرزق فإن الله هو الرزاق.

ولله در ابن عطاء الله السكندري يوم يقول: (انشغالك فيما ضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك هو دليل انطماس البصيرة منك)، وليس في الأمر دعوة للقعود وترك السعي.. أبدا ليس هذا المراد.. ولكن ثق بالله، واعلم بأن رزقك لن يأخذه غيرك لا بقوة ولا بحيلة ولا بأي شيء آخر.. “إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين“.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M