الشيخ حماد القباج: السبب الأصلي للتلبس بسلوك الفساد هو الترف وتجاوز الحد في إشباع الشهوات

22 أبريل 2015 23:44
الشيخ حماد القباج: السبب الأصلي للتلبس بسلوك الفساد هو الترف وتجاوز الحد في إشباع الشهوات

الشيخ حماد القباج: السبب الأصلي للتلبس بسلوك الفساد هو الترف وتجاوز الحد في إشباع الشهوات

هوية بريس – متابعة

الأربعاء 22 أبريل 2015

جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها الشيخ حماد القباج أول أمس الإثنين تحت عنوان: {بصائر من فقه الإصلاح في القرآن الكريم} بكلية اللغة العربية التابعة لجامعة القرويين بمراكش.

وقد استهلها ببيان أن الإصلاح من معاني الخير التي يدعيها الكل، كما أن الكل يدعي كره الفساد مثل المنافقين الذين قالوا: {.. إنما نحن مصلحون} مع أن النفاق هو أشد الكفر وأكثر الأخلاق لؤما.

ثم بين أن الفساد مقترن بوجود الإنسان في الأرض، كما في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30].

ثم بعد ذلك تطرق إلى النص الأصلي في المحاضرة وهو قول الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.

مبرزا أن الآيتين تبرزان بصائر مهمة في فقه الإصلاح وهما ناطقتان بتوجيه الأمة في خضم الأحداث الكبيرة التي تهزها في عصرنا الحاضر؛ وجماع تلك البصائر:

1- النهي عن الفساد في الأرض واجب شرعي وتكليف رباني للبشرية، وهو أصل من أصول النجاة من الهلاك والمؤاخذة الإلهية، فقول الله تعالى: “فلولا”: حرف تحضيض؛ بمعنى: فهلّا.

ومن الآيات في النهي عن الفساد: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ}.

وقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}؛ وقوله عن اليهود: {وَيَسْعَوْنَ فِي فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

2- مفهوم الفساد في القرآن:

وهو مشار إليه في النص موضوع الدراسة في قوله تعالى: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا}.

فالفساد: هو الظلم بكل أشكاله.

وأكبر ظلم يقع فيه الإنسان: الشرك بالله: {إن الشرك لظلم عظيم}.

ومن هنا؛ فأعظم الإصلاح هو: التوحيد، وهو هدي أئمة الإصلاح: الأنبياء عليهم السلام، ثم استطرد في ذكر الآيات على ذلك.

ثم ظلم الناس بعضهم لبعض، وفي الحديث القدسي: {.. فلا تظالموا}

وأعظمه: الفساد السياسي المؤدي لظلم الناس بالاستئثار عنهم بالسلطة وثروات الأرض وهو من أكل أموال الناس بالباطل: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.

3- البصيرة الثالثة: السبب الأصلي للتلبس بسلوك الفساد: الترف وتجاوز الحد في إشباع الشهوات: {مَا أُتْرِفُوا فِيهِ}.

قال المفسرون: (أَيْ: مَا رَزَقْنَاهُمْ وَآتَيْنَاهُمْ مِنْ أَسْبَابِ التَّرَفِ وَالنَّعِيمِ فَبَطَرُوا.

يُقَالُ: أَتْرَفَتْهُ النِّعْمَةُ؛ أَيْ أَبْطَرَتْهُ وَأَفْسَدَتْهُ، وَالْبَطَرُ: الطُّغْيَانُ..

{وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} أَيْ: مُتَلَبِّسِينَ بِالْإِجْرَامِ الَّذِي وَلَّدَهُ التَّرَفُ..)

قال المحاضر: فَالْإِتْرَافُ هُوَ الْبَاعِثُ عَلَى: الطغيان الذي هو تجاوز الحد، وعلى الإجرام: ومعناه: ارتكاب الجرم وهو الإثم العظيم.

والإتراف: تجسده في واقعنا فلسفة الحريات الشخصية الداعية إلى إباحية السلوك وتحريره من قيود الدين والأخلاق.

4- البصيرة الخامسة: حقيقة تاريخية شاعت في الأمم: وهي أن الأكثرية تفسد في الأرض، وأن القائمين بواجب النهي؛ قلة: {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُم}.

ثم قال الشيخ القباج: فكن مصلحا ناهيا عن الفساد ولا تستوحش من قلة المصلحين.

5- البصيرة الخامسة: السعي في الإصلاح هو السبيل نحو النجاة من الهلاك.

فمن أراد النجاة عند الله فعليه أن يكون مصلحا مقاوما للإفساد في الأرض ناهيا عن الظلم، فهو قارب النجاة من غضب الله سواء استجاب الناس لدعوته الإصلاحية أو لم يستجيبوا.

قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}، فالله لم يأمر بالصلاح فقط بل لا بد من الإصلاح.

الشيخ حماد القباج: السبب الأصلي للتلبس بسلوك الفساد هو الترف وتجاوز الحد في إشباع الشهوات

وفي بيان معنى الإصلاح الذي أناط الله به النجاة من الهلاك، وأنه يشمل الإصلاح العقدي والسياسي نقل المحاضر قول العلامة رشيد رضا في تفسيره:

“بَيَّنَ سُنَّتَهُ تَعَالَى فِي إِهْلَاكِ الْأُمَمِ وَمَا يَحُولُ دُونَهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}: أَيْ وَمَا كَانَ مِنْ شَأْنِ رَبِّكَ وَسُنَّتِهِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ؛ أَنْ يُهْلِكَ الْأُمَمَ بِظُلْمٍ مِنْهُ لَهَا فِي حَالِ كَوْنِ أَهْلِهَا مُصْلِحِينَ فِي الْأَرْضِ، مُجْتَنِبِينَ لِلْفَسَادِ وَالظُّلْمِ، وَإِنَّمَا أَهْلَكَهُمْ وَيُهْلِكُهُمْ بِظُلْمِهِمْ وَإِفْسَادِهِمْ فِيهَا}.

وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِ تَعَالَى أَنْ {يُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ} (أي: شرك) {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} فِي أَعْمَالِهِمْ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْعُمْرَانِيَّةِ، وَأَحْكَامِهِمُ الْمَدَنِيَّةِ وَالتَّأْدِيبِيَّةِ؛ فَلَا يَبْخَسُونَ الْحُقُوقَ كَقَوْمِ شُعَيْبٍ، وَلَا يَرْتَكِبُونَ الْفَوَاحِشَ وَيَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَيَأْتُونَ فِي نَادِيهِمُ الْمُنْكَرَ كَقَوْمِ لُوطٍ، وَلَا يَبْطِشُونَ بِالنَّاسِ بَطْشَ الْجَبَّارِينَ كَقَوْمِ هُودٍ، وَلَا يُذَلُّونَ لِمُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ يَسْتَعْبِدُ الضُّعَفَاءَ، كَقَوْمِ فِرْعَوْنَ.

بَلْ لَابُدَّ أَنْ يَضُمُّوا إِلَى الشِّرْكِ: الْإِفْسَادَ فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَحْكَامِ، وَهُوَ الظُّلْمُ الْمُدَمِّرُ لِلْعُمْرَانِ؛ (آنذاك نهلكهم).

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ لَا يُهْلِكُهَا بِظُلْمٍ قَلِيلٍ مِنْ أَهْلِهَا لِأَنْفُسِهِمْ، إِذَا كَانَ الْجُمْهُورُ الْأَكْبَرُ مِنْهُمْ مُصْلِحِينَ فِي حِلِّ أَعْمَالِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ لِلنَّاسِ..

وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِهْلَاكَ الْمُصْلِحِينَ ظُلْمٌ فَلِذَلِكَ يَتَنَزَّهُ اللهُ عَنْهُ.

وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي الْقَوْلَ الْمَشْهُورَ الْمُعَبِّرَ عَنْ تَجَارِبِ النَّاسِ، وَهُوَ أَنَّ الْأُمَمَ تَبْقَى مَعَ الْكُفْرِ، وَلَا تَبْقَى مَعَ الظُّلْمِ. وَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْآيَةِ صَحِيحَةٌ” اهـ.

والملاحظ أن هذه الأنواع العظمى من الفساد قد فشت كلها في الأمة الإسلامية:

بُخست الحقوق، وتفشت الفواحش بما فيها اللواط، وبطش الظالمون بالناس في فلسطين وسوريا ومصر وبورما وغيرها، وذلت النخب والعامة -إلا من رحم الله- للجبارين (بشار والسيسي نموذجا)..

مما يتعين معه قيام ثلة مصلحة في الأرض -من المسلمين وغيرهم- بواجب النهي عن هذا الفساد؛ إحقاقا للحق والعدل ومدافعة للظلم والباطل، عسى أن يكون موقفهم هذا؛ طوق نجاة، ومدخلا لواقع أقل شرا: يسقط فيه الاستبداد ويصلح به حال البلاد والعباد.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M