ارتصاد الأجور الشاردة في اقتناص الغنائم الباردة (ح4)

27 أبريل 2015 17:43
ارتصاد الأجور الشاردة في اقتناص الغنائم الباردة (ح5)

ارتصاد الأجور الشاردة في اقتناص الغنائم الباردة (ح4)

د. محمد ويلالي

هوية بريس – الإثنين 27 أبريل 2015

تحدثنا في المقال السابق عن الموانع التي تحجب استجابة الدعاء، وذكرنا منها الغفلة وانشغال القلب بما يمنعه من الاتصال بالله تعالى حال الدعاء، والاستعجال في طلب الاستجابة إلى درجة اليأس من الدعاء، والتلبس بالظلم، والدعاء على شخص وهو غير ظالم له، والاعتداء في الدعاء بمختلف صوره، والمعاصي ومنها أكل الحرام.

وسنركز الحديث عن الأوقات والأمكنة والأسباب مظنة الاستجابة، وهي كثيرة بحمد الله، تقارب الثلاثين، كلها فرص جعلها الله -تعالى- طوع بنان المسلم، ليعب من خيراتها، ويستقي من بركاتها. منها:

الصلاة في جوف الليل، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ: الصَّلاَةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ” مسلم. ولما سأله معاذٌ -رضي الله عنه- عن عمل يقربه من الجنة ويباعده من النار، ذكر له أمورا، وختمها بقوله: “وصلاة الرجل في جوف الليل”، ثم قرأ: “تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ..” ص. ابن ماجة. وفي لفظ: “وصلاةُ الرجل في جوف الليل شعارُ الصالحينصحيح الترغيب.

وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله -تعالى- يتفضل على عباده بالنزول إلى السماء الدنيا في أوقات متعددة من الليل ليقضي حاجاتهم، منها الثلث الأخير. قال -صلى الله عليه وسلم-: “يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُمتفق عليه.

ولا يقتصر الأمر على الثلث الأخير، بل هناك ساعة استجابة في كل لحظات الليل، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍمسلم.

عند السجود، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَمسلم، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: “نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْمسلم.

آخر كل صلاة قبل السلام. قال النبي صلى الله عليه وسلم -وهو يعلمهم ما يقال في نهاية التشهد-: “ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُوالبخاري. وذهب أهل العلم إلى أنه المقصود بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما سأله أبو أمامة -رضي الله عنه-: “أي الدعاء أسمع؟” فقال: “جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِر، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِصحيح سنن الترمذي.

الدعاء بين الأذان والإقامة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “لاَ يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِصحيح سنن أبي داود.

الدعاء عند النداء للصلاة، وعند نزول المطر. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطرصحيح الجامع. وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إذا نودي بالصلاة، فُتحت أبواب السماء، واستجيب الدعاءص. الجامع.

وقد علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماذا نقول عند النداء فقال: “إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُمسلم. ثم ذكر لنا الصيغة التي نُحصِّل بها هذا الأجر العظيم فقال: “مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِالبخاري.

الدعاء يوم الجمعة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّى (أي: ينتظر الصلاة) يَسْأَلُ خَيْرًا، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُمتفق عليه.

وفي تحديد هذه الساعة أقوال، أصحها قولان اثنان: الأول: حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر للخطبة إلى أن تقضى الصلاة، لحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاةمسلم. والثاني: بعد العصر إلى غروب الشمس.

الدعاء عند المريض. فقد أخرج مسلم عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ أَوِ الْمَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَمسلم.

وكذلك الدعاء عند خروج روح الميت. فقد دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: “إن الروح إذا قبض تبعه البصر“. فضج ناس من أهله، فقال: “لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولونمسلم.

الدعاء عند نزول المصيبة والابتلاء العظيم. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا“. قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِى سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-” مسلم.

10ـ عند سماع صياح الديكة. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًامتفق عليه.

11ـ الدعاء عند الكرب بدعوة ذي النون -عليه السلام-. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ، إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُصحيح سنن الترمذي. قال القرطبي -رحمه الله-: “في هذه الآية شَرَط الله لمن دعاه أن يجيبه كما أجابه، وينجيه كما نجاه، وهو قوله: (وكذلك ننجي المؤمنين)”.

12ـ من الأدعية المستجابة، دعاء الوالد لولده لينفعه، ودعاء الصائم في يوم صيامه، ودعاء المسافر. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافرصحيح الجامع.

13ـ وقد يغضب الوالد من ولده الظالم العاق، الذي لا يرجى بِرُّه، فلا يتمالك حتى يدعو عليه، فتكون دعوته مستجابة. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِصحيح سنن الترمذي. قال المباركفوري: “لم تُذكر الوالدة، لأن حقها أكثر، فدعاؤها أولى بالإجابة”.

14ـ دعاء الولد الصالح لوالديه، لحديث: “إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُمسلم.

15ـ دعوة المظلوم. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌمتفق عليه. وحتى إذا كان المظلوم فاجرا، فإن دعوته لرفع الظلم عنه مستجابة. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَإِنْ كَانَ فَاجِراً فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِصحيح الجامع.

16ـ الدعاء بعد زوال الشمس قبل صلاة الظهر. فَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّى أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَقَالَ: “إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌصحيح سنن الترمذي.

17ـ الدعاء عند الاستيقاظ من الليل بما أثر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: “مَنْ تَعَارَّ (أي: استيقظ) مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُالبخاري.

18ـ الدعاء عند غفلة الناس وخوضهم فيما لا نفع فيه. فعن حكيم بن دينار أنهم كانوا يقولون: “آية الدعاء المستجاب: إذا رأيت الناس غفلوا، فارغب إلى ربك -عز وجل- عند ذلك رغبات”.

هذه بعض الأوقات والمناسبات المبثوثة بين أيدينا، للتقرب إلى الله -تعالى- بعبادة الدعاء، وقد تفضل ربنا -جل وعلا- باستجابة الدعاء فيها لمن خشع، وتضرع، وبكى من خشية الله.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M