بدولة مالي تجري إعادة بناء أضرحة الصالحين المهدمة؟

28 أبريل 2015 17:16
بدولة مالي تجري إعادة بناء أضرحة الصالحين المهدمة؟

بدولة مالي تجري إعادة بناء أضرحة الصالحين المهدمة؟

د. محمد وراضي

هوية بريس – الثلاثاء 28 أبريل 2015

في أي إطار يدخل ترميم أو إعادة بناء أضرحة من ينظر إليهم كأولياء الله المقدسين؟ وأسئلة أخرى تلي هذه الأولى في الأهمية: لماذا يتم تجنب هدم قباب تحتها لحود، كلما تم تعبيد طرق، أو كلما تم العزم على إنجاز مشروع؟

ألأن أصحابها يزارون؟

أم لأنهم تناط بهم مسؤولية حماية منطقة بعينها من كل سوء يحتمل وقوعه؟

أم إن الخوف من ردود أفعالهم من جراء إلحاق الأذى بقبورهم ترتعش من هوله العامة والخاصة، نقصد الحكام وعامة المواطنين والمواطنات؟

أم لأنهم بفضلهم يتم استدرار الغيث بعد تقديم القربان حتى يفهم بأنهم لا يتسجيبون بدون فتوح أو بدون مقابل؟

أم لأنهم من فرط قوتهم أو بركاتهم التي لا تقهر، يقضون الحوائج بما فيها علاج العقم والعجز الجنسي، وإزالة الشلل وطرد الجان؟

وبعبارة مجملة موجزة: هل للأضرحة في الواقع دور أو أدوار، غير أصحابها لا يستطيع أداءها إن في الزمان، وإن في المكان الخاصين؟

للإجابة على كافة الأسئلة المطروحة حتى الآن، نقدم تفسيرين:

1- إما أن تدخل الأضرحة والقباب في منظومة التراث البشري الذي تبقى الجهة التي ترعاه وتحميه هي منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم، مما يعني أنها تغار عليها كالأهرام، والقصبات، والقصور، والقلاع، والحمامات، والأسوار المحيطة بالمدن القديمة، والصوامع، والمساجد، والكنائس، والجسور، والكتدرائيات، والمعابد في مختلف الصور. وكتمثال بوذا الضخم الذي فجره طالبان في أواخر القرن الماضي… مع العلم بأن هذا الاتجاه في حماية المآثر التاريخية من أي سقوط محتمل، هو نفسه الاتجاه الذي تسير فيه وزارة الثقافة عندنا منذ عقود! ومن هنا وصفت من طرف بعض الظرفاء المتنادرين بكونها “وزارة الأضرحة والقباب”!

2- وإما أن تدخل في إطار إحاطة الأولياء المزعومين المفترضين بتقديس لا سقف لحدوده! ولا نهاية لتصوره وتقديره! فكان لزاما على الأمم -وفي مقدمتها الأمة الإسلامية- الاحتفاء بهم في مناسبات ترافقها طقوس، يتقدمها تقبيل الدرابيز المزركشة، ولمسها باليدين ليمسح الزائر وجهه وكافة جسده بهما ما أمكنه! مع انخراطه اللاشعوري في البكاء لإشباع نهمه إلى التخلص مما ألم به، أو إلى التطلع لتحقيق ما جاء من أجل طلبه! ثم يلي ذلك تقديم الذبائح التي تبدأ بالديك (أي بالقربان الأصغر)، وتنتهي بالجمل (أي بالقربان الأكبر)! وهي كلها تصب في خانة الاعتراف بالجميل الذي أسداه المزور المقدس لجماعة أو لجماعات في منطقة ما، أو في مناطق من هذه الدولة أو تلك!

كان هذا التصور في الماضي الذي ولى، إنما هل يجدر بنا أن نظل مخلصين له، وعصرنا غير عصر أسلافنا، وتصورنا بخصوص موضوعنا غير تصور أجدادنا له؟ أم إن القيم الكونية فرضت علينا -من باب تمثل العولمة- أن لا نزيغ عما اتفقت عليه الأمم المتحدة المفترضة لكونها، ولكونها وحدها مصدر تحديد ما يدخل ضمن التراث البشري وما لا يدخل ضمنه بأي وجه كان؟

فإن سلم العقل الكوني بحرية النساء في اتخاذ أكثر من خليل، وفي مضاجعة أية امرأة بكامل رضاها، بالرغم من كونها زوجة رجل، هو عالم، أو أستاذ، أو سائق شاحنة، أو قاض، أو وال، أو عامل، فإن نفس العقل يقبل أن تناط بالموتى الممتازين مسؤولية أداء مهمات، لم يكن بمقدور الأحياء أداؤها! ولو أن هذه المهمات، لا يستطيع عاقل مسلم، أو يهودي، أو مسيحي تحديد نوعيتها! ولا كيفية أدائها! كما يعجز أي علماني متنطع، كان متدينا على حد زعمه، أو كان ملحدا، أو نصف متدين (!!!)  تحديد تلك النوعية ذاتها! والحال أنه كعضو في هذه الحكومة أو تلك، ملزم بالحضور في مولد أحمد البدوي بمصر، أو في مولد عبد السلام بن مشيش بالمغرب!!!

فإن جرى الاحتكام إلى العقل المنطقي الذي يحترم مبدأ الهوية، ولا يستسيغ مبدأ التناقض أو عدم التناقض، ولا يتصور وقوع مبدأ الثالث المرفوع! فنحن حينها غير قادرين على تقديم تفسير معقول لا ديني للغيرة الأمريكية ولا لغضبتها الشديدة، كلما تم هدم ضريح في أمكنة مختلفة من العالم الإسلامي! كما حصل بتونس وليبيا ومالي وقبلها في أفغانستان.

كما أننا لا نستطيع أن نستوعب حرص الغربيين على زيارة بعض الأضرحة، وعلى مقابلة القيمين عليها إلى حد أنه حدث في مصر منذ سنوات، حضور السفير الأمريكي الأسبق إلى ضريح أحمد البدوي، حيث استقبله من لا يفارقون حماه، بما استقبلت به بنات النجار نبينا عليه الصلاة والسلام حين هجرته إلى المدينة المنورة قادما إليها من مكة المكرمة. فكان أن أنشدن قائلات:

طلع البدر علينـــا***من ثنايات الوداع

وجب الشكر علينا***مــا دعــا لله داع

مما يدل دلالة قاطعة على أن اللاعقل واللامنطق صفتان لا تفارقان القبوريين في مشارق الأرض ومغاربها! إلا أن السفير الأمريكي أبعد ما يكون اتصافا بنفس الصفتين، وإنما هو متصف بضديهما كترجمة لما يرمي إليه تصرفه تجاه ظاهرة دينية، تجسد الغباء الذي يسهل استمالة أصحابه إلى صفوف خدمة أهداف سياسية، في طليعتها إضعاف الإسلام السياسي، ما دام التصوف -في الوقت الراهن- هو الزهد الذي يصرف المتظاهرين به عن الخوض في مجال الشؤون العامة! بينما هم في الواقع على المآدب والولائم  (والزرادي) عاكفون!!! إذ كلما كثر كسب المزيد من القبوريين والطرقيين بضمهم ضما إلى صفوف العلمانيين، كلما تم التقليل من شأن الإسلاميين المتطلعين إلى السلطة. إما عن طريق مسمى الديمقراطية! وإما عن طريق الثورات الشعبية! كما حصل في إيران، ومصر، وتونس، واليمن، وسوريا!!!

والبدوي الذي حرص السفير الأمريكي المذكور قبله على زيارته وعلى معانقة خدام ضريحه وإكرامهم لا شك بمقدار من المال الوفير (لا زيارة بلا فتوح!!!). نقل عنه الشعراني في طبقاته الكبرى، ما يشمئز منه منطق الدين، ومنطق العقل، ومنطق الواقع والتجربة. فقد قال: “أخبرني شيخي محمد الشناوي رضي الله عنه، أن شخصا أنكر حضور مولد سيدي أحمد البدوي، فسلب منه الإيمان، فلم تكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام! فاستغاث بسيدي أحمد رضي الله عنه! فقال له -أي البدوي وهو ميت-: بشرط ألا  تعود. فقال (الناكر): نعم! فرد عليه (البدوي): ثوب إيمانه، ثم قال له: وماذا تنكر علينا؟ قال: اختلاط الرجال بالنساء!!!

فقال سيدي أحمد رضي الله عنه: ذاك واقع الطواف! (يعني الطواف بالبيت الحرام في الحج والعمرة)، ولم يمنعه أحد؟ ثم قال: وعزة ربي ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته (هذا ما نراه في مواسم الصالحين عندنا)!!! وإذا كنت أرعى الوحوش في البراري والأسماك في البحار، وأحميهم من بعضهم بعضا، أفيعجز الله عز وجل عن حماية من يحضر مولدي”؟؟؟

وكل ما قدمه الشعراني في حديثه عن البدوي مجرد أضاليل وترهات! كان من الضروري أن يدان مثله من الادعاءات الصوفية، والبدوي على قيد الحياة! إلا أن العقلية التي رافقت انتشار الكرامات المزعومة، قبلت بخزعبلات المتنبئين المهرجين الغارقين في عوالم من الأوهام والخرافات! ومع ذلك لا يزال بين ظهرانينا من يروجون لما صدر عنهم كمخبولين! إنما كيف يحضر أحد من غرباء الوجه واليد واللسان عنا، لتأييد من صدرت عنهم تلك الضلالات المتناقضة مع الدين والعقل والواقع؟ وإلا فأي “استرخاص للعقل وامتهان له أن يتحدث إنسان بأن أحدا من الناس يرعى الوحوش في البراري، والأسماك في البحار! ويحميها من أن يعتدي بعضها على بعض؟ فهل اختفى الصراع الدموي بين الوحوش، وعدوان القوي منها على الضعيف؟ وهل قطعت الأسماك عادتها من أكل كبارها لصغارها؟ وهل يوجد إنسان فيه قطرة من ماء الحياء، أو أثارة من وعي، يقول مثل هذا الكلام المفضوح الذي يقوم الواقع المشهود للناس جميعا على تكذيبه، والسخرية من قائله أو ناقله”؟

ثم إذا كان البدوي يحمي “الوحوش والأسماك من عدوان بعضها على بعض، أما كان الأولى به أن يحمي الناس من عدوان بعضهم على بعض؟ أليس البر بالأقربين أولى من البر بغيرهم؟ ولكن المثل يقول: إذا لم تستح فاصنع ما شئت! إنما لا حياء عند المجانين والأطفال والمتصوفة المخبولين”.

ثم إذا كان البدوي “يحمي الوحوش والأسماك من عدوان بعضها على بعض، فلماذا لم يحم ديار الإسلام من عدوان الصليبيين وغيرهم من احتلال ديارهم، وامتهان كرامتهم، وانتهاك أموالهم وأعراضهم؟ ثم لماذا لم يحم القدس من انتهاك اليهود لحرمته، والتسلط على المسلمين في الأراضي المقدسة؟”. (ينظر كتاب “التصوف والمتصوفة في مواجهة الإسلام” لمؤلفه المصري عبد الكريم الخطيب. طبعة أولى عام 1980م).

وإن نحن اكتفينا بتقديم بعض الصور القاتمة عن مخبولين من أدعياء التقوى والورع، مأخوذة مما نسبه الشعراني إلى صوفي هالك، فهذا لا يعني كوننا لم نقف على ظلاميات غيرها، تزخر بها مؤلفات صوفية، لو تفرغ أي متفرغ إلى مطالعة ولو بعض منها، لأدرك لتوه، كيف أن الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله، بريء تماما من محدثات من يزعمون أنهم على هدى من الله ورسوله يسيرون! ولخبا حماس من يدعون إلى حماية الأضرحة من أي إتلاف أو تخريب متعمدين! هذا إن كان المهتمون بها يقولون بالإبقاء عليها! أو كانوا من ضمن الدعاة إلى إبطال أي دور لها، بحجة أن أصحابها لم يعد بإمكانهم تقديم أي عون، لا للأفراد ولا للجماعات. إذ الموتى لا يصحبون ولا يخاطبون لأنهم لا يتكلمون ولا يسمعون! ولا كان بمقدورهم تقديم أية خدمة للأحياء، كانوا مسلمين، أو كانوا غير مسلمين!!!

ونظرا للجهل الذي خيم على العقول في الماضي والحاضر، بخصوص ما يدخل في إطار الدين الحق، وبخصوص ما لا يدخل فيه بأي وجه كان، نفتح كتاب “سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس”. ونقرأ من جملة ما نقرأه هذا الضلال المبين: “ثم إنك إذا تأملت اليوم، وجدت كثيرا ممن عرف به (أي بالمغرب) من أهل المقابر والروضات، اندرست أضرحتهم وضاعت من قلة الدين (؟؟؟) وعدم المبالاة (؟؟؟). مع أنه كان يتعين على جميع الناس! ولا سيما الملوك والحكام حفظها ورصدها، ودفع أهل الفساد والزيغ عنها! وإصلاح ما هدم منها من بناء ونحوه! (وهو ما يجري الآن في دولة مالي). لأن ذلك كله من تعظيم الحرمات “ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه”!

وتعظيم حرمات الله في النظم الكريم، يعني تجنب معاصيه ومحارمه، وبناء الأضرحة ورفع القباب عليها وزيارتها والذبح عندها ليست من حرمات الله! كما يدعي صاحب القولة الفاسدة المتقدمة! خاصة وأن القرآن في غير ما آية، حذر من الشرك الظاهر والخفي! هذا الانحراف عن التوحيد الخالص الذي تم التنبيه على خطورته بصريح العبارات. فقد قال  كبار الفساق على عهد نوح لقومهم يؤلبونهم على عدم اتباعه والكفر بما جاء به: “لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا. ولا يغوث ويعوق ونسرا“. وهؤلاء الخمسة أقام لهم قوم نوح تماثيل في أمكنة مختلفة! بحيث إنهم أصبحوا من ضمن الآلهة المعبودة لدى العرب أنفسهم! إلى جانب اللات والعزى ومناة وهبل وغيرها من الآلهة التي جاء الإسلام ليقضي عليها قضاء مبرما، تمثلت في الأصنام، أو في الأشجار، أو في الأشخاص الأحياء منهم والأموات!!!

ففي الصحيح عن عائشة أن أم سلمة، ذكرت لرسول الله كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور فقال: “أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله”؟؟؟ وورد عند مالك في “الموطأ” قوله عليه الصلاة والسلام “اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد. اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”! وكيف بمن اتخذوا قبور من يعتبرونهم وحدهم أولياء الله كذلك؟ إنهم حسب الحديث النبوي مغضوب عليهم إلى يوم الدين!!! إضافة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: “إن من شرار الخلق من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد“!

بحيث إن حكامنا المسلمين حتى الوقت الراهن يخالفون كل هذه التحذيرات الإلهية والنبوية بخصوص تقديس من هم فعلا صالحون، ومن هم فعلا طالحون! مصغين إلى خصوم الدين الذين يريدون إدخال القبورية المقيتة في دائرة مسمى التراث البشري، الذي يجب الاحتفاظ به، حتى وهو تجسيد للشرك الصراح البواح. ومن هنا قال شيخ الإسلام: “أما بناء المساجد على القبور فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عنه، متابعة للأحاديث الصحيحة، وصرح أصحابنا (= الحنابلة) وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريمه. قال: ولا ريب في القطع بتحريمه. ثم ذكر الأحاديث في ذلك إلى أن قال: وهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين أو الملوك وغيرهم، تتعين إزالتها بهدم أو غيره. هذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين”.

وقال ابن القيم رحمه الله: “يجب هدم القباب التي بنيت على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أفتى جماعة من الشافعية بهدم ما في القرافة من الأبنية”. وقال القاضي ابن كج: “ولا يجوز أن تجصص القبور ولا أن تبنى عليها قباب، ولا غير قباب، والوصية بذلك باطلة”.

وما قاله العلماء عن بناء الأضرحة ورفع القباب عليها، إنما هو انتصار للسنة النبوية الشريفة، تنفيذا لقوله صلى الله عليه وسلم: “من أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة“. مما يتضح معه للقراء كيف أن المعارضين لبناء الأضرحة والمطالبين بإزالتها على نهجه صلى الله عليه وسلم يسيرون. لكن الحكام للأسف الشديد، فضلوا الاستجابة للمبتدعات المبنية على مجرد الأهواء والميولات الذاتية! كما فضلوا الاستجابة لاعتبارات علمانية تفتي بكون الأضرحة تراث بشري لا بد من حمايته بالإبقاء عليه، وبتشجيع المقبلين على زيارته. إلى حد أن العولمة لدى العلمانيين عندنا أحق بالتقدير من مصدري ديننا: كتاب الله وسنة رسوله!!!

العنوان الإلكتروني:  [email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M