على هامش مسودة القانون الجنائي: الحريات الفردية والتغريد ضد التيار

29 أبريل 2015 22:38
على هامش مسودة القانون الجنائي: الحريات الفردية والتغريد ضد التيار

على هامش مسودة القانون الجنائي: الحريات الفردية والتغريد ضد التيار

عزيز سعيدي

هوية بريس – الأربعاء 29 أبريل 2015

أثارت مسودة القانون الجنائي الذي أعدته وزارة العدل الكثير من اللغط والنقاش، وظهر جليا بأن المغاربة ليسوا كلهم على نفس المسافة من مفهوم الحريات الفردية ولا يتقاسمون نفس وجهات النظر فيما يتعلق بالطابع المحافظ للبلاد. وهنا يطرح السؤال حول مستوى التوفيق الذي يجب أن يُفعّل بين من ينادي بضرورة إفساح المجال لتفعيل كل الأفكار التحررية والتي يغذيها مبدأ الحرية المطلقة من جهة وإلزامية استحضار الهوية المغربية وما تقتضيه الشريعة الإسلامية من احترام للرأي الغالب وللجماعة وللقوانين السماوية المنظمة لها.

ما يُستغرب له في إطار ما رافق نشر المسودة من نقاش بلغ حده الأقصى في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية هو التركيز فقط على بعض الفصول من المسودة وتقزيم محتواها وتهييج الرأي العام بمواد بعينها دون بقية المواد وربط كل المسودة بالجنس خارج إطار الزواج وإفطار رمضان علانية وعقوبة الإعدام…

وهنا أعتقد بأن من أثاروا هذه الضجة يعرفون جيدا بأن مثل هذه المواد هي من تجلب لهم الكثير من الإهتمام وتزيد من قوة ضغطهم خصوصا وأن مرتكزات دفعاتهم تتماشى مع ما تنادي به منظمات المجتمع المدني الدولي الذي يسعى لتحرر أكبر وإيلاء الحريات الفردية للأشخاص وعلاقتها بتعريف المخالفات والجرائم المرتبطة بها والعقوبات المطبقة في حال ارتكابها بعدا أكبر. ويتبادر إلى الذهن إذن مصداقية هؤلاء الأشخاص والجمعيات التي تراهن على هذه النقاط لفرض رؤيتها للحريات الفردية الواجب احترامها على حساب اتفاق المغاربة على ضرورة التزام الحيطة والحذر في تطبيق التزامات المغرب الدولية بما يتماشى والهوية المغربية.

كل المغاربة يعرفون جيدا أن العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج موجودة سواء أكانت نية الزواج من بعد أو لا ونعرف كذلك بأن القانون لا يعاقب على ذلك طالما لم يجهر بها ولم تثر حفيظة الغير عبر الممارسات التي ترافق ذلك وبالتالي الدفع بعدم تجريم ذلك يدخل في خانة الأمور التي لا يقبلها العقل والمنطق المغربيين ولن يتنازل المغاربة على تجريم مثل هذه الممارسات رغم اعترافهم الضمني بوجودها الأمر الذي لا يعني التعايش معها بشكل علني ومقنن.

استغرب دعوة البعض لعدم تجريم الممارسات الجنسية الرضائية وتخويل الحرية المطلقة لمن يرغب في ممارسة الجنس خارج اطار الزواج وكأن هؤلاء يتجاهلون طبيعة المجتمع المغربي المحافظ الذي يعرف جيدا بأن الجنس موجود في مجتمعنا وبأن ممارسته في السر وستره لا يعاقب عليه القانون طالما لم يكتشف أمر ممارسته لدى السلطات المختصة في زجره، وهو أمر يتعايش معه المغاربة طالما لم يُجهر به ولم يُسمح بممارسته بشكل علني فاضح دون مراعاة للشعور العام للمجتمع الذي يقتضي الستر وعدم الجهر بممارسة الرذيلة والفاحشة.

وهي نفس الملاحظة التي يمكن سردها بخصوص افطار شهر رمضان الذي يعاقب عليه القانون في حالة الجهر به والقيام بذلك علانية وهو أمر يتفق عليه كل المغاربة على اعتبار أن افطار شهر رمضان بشكل علني لا يمكن أن يقبلوه ولن يتساهلوا مع المفطرين وبالتالي التأكيد على أن الحرية الشخصية لمن قرر عدم صيام شهر رمضان مضمونة ولا يحاسب عليها سوى الله عز وجل بشرط عدم الجهر به حتى لا يكون ذلك على حساب الشعور العام للمجتمع من خلال الجهر به.

وبخصوص عقوبة الإعدام فلو سألت أشد من يناضل من أجل إلغائها وتكريس الحق في الحياة هل سيرضى بأقل من عقوبة الإعدام في حق من قتل أو سفك دم أحد أقربائه بدم بارد أو قتل أرواحا أبرياء بتفجير نفسه أو هدد أمن البلاد في استمراريتها لرفض أي حكم آخر غير الإعدام ولتشبث بإعدام المجرم جزاء له على ما اقترفه. صحيح أن الحق في الحياة تمت دسترته ولكن واقع الحال في كل القضايا الجنائية تحتمل استثناءات في غالبيتها لأن القاعدة القانونية لا يجب تعميمها وتطبيقها بنفس الشكل وبنفس المضمون على جرائم ومخالفات لا تتشابه وتختلف في طبيعتها ودرجة خطورتها، الأمر الذي ينطبق على الحق في الحياة وفي مقابله ضرورة تطبيق عقوبة الإعدام وفي الضفة الأخرى لهذا الحف عدم جواز الإجهاض إلا في حالات معينة وهي أمثلة من بين أخرى تستوجب التوفيق بين ما يجب تطبيقه بشكل قاطع والاستثناءات التي تحتملها.

أمر آخر لا يمكن إغفاله في سياق هذا اللغط الذي أشتعل بعيدا عن دائرة المتخصصين واحتضنه العالم الافتراضي الذي أصبح قبلة للتعبير والتعبير المضاد في جو ديموقراطي لا يخلو من الطرافة وجو النكتة هو تغييب كل المواد التي شملتها التعديلات والتغييرات التي لحقت على وجه الخصوص القانون الجنائي في علاقته بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في تفاعل تام مع التزامات المغرب الدولية التي وافق عليها المغرب. فقد تم تجريم بعض أفعال العنف ضد النساء وإدخال موضوعات جديدة كالإتجار في البشر وجرائم الحروب والعقوبات البديلة وهي مواضيع لا يتحدث عنها الكثيرون بالشكل الذي تناقش به مواضيع الجنس وإفطار رمضان والإجهاض والإعدام.

كما أن المسودة في شكلها العام تبقى مجرد مسودة قابلة للتنقيح والتعديل وما نشرها وفتح النقاش بخصوصها إلا مبادرة حسنة تتوخى إغناء النقاش حولها واستقراء آراء المغاربة بشأنها حتى تكتمل الصورة لدى واضعيها وإخراج قانون جنائي معدل وفقا لما آلت إليه تطورات المجتمع والتزامات المغرب الدولية. وفي إطار ما يمكن مآخذته على المسودة هو غياب الديباجة لما لها من أهمية وصياغة الفصول بطريقة واضحة لا تحتمل تأويلات كثيرة لما للوضوح في التعريفات والعقوبات من أهمية. وكذا يجب تفعيل مقتضيات الدستور بشكل جذري في كل المواضيع الجنائية حتى يجد المواطن المغربي روح الدستور في مقتضيات القانون الجنائي وخصوصا فيما يتعلق بمحاربة الفساد والعنف والمساواة وعدم عزل القانون الجنائي عن السياق القانوني العام والتزامات المغرب الدولية.

أي أن أي ّ إخلال بالطابع المحافظ للمجتمع الذي لا يقبل السماح لمن قرر ممارسة حرياته الفردية بشكل يخالف ما هو متعارف عليه في ثقافتنا كمغاربة، يعتمدون الإسلام دينا رغم ما يشوب ممارساتنا الدينية من انحرافات وانزلاقات لا تمت للإسلام بصلة، لن يكون محل ترحيب ولا يمكن غض الطرف عليه مهما كانت جدة المطالب التحررية التي لن تفيد المجتمع في شيء.  

و في الختام، إذا كان لابد من إصلاح للمنظومة الجنائية بالمغرب على خلفية التحولات والتطورات التي عرفها المجتمع المغربي فإن ذلك يفرض عدم التفريط في ثوابت الشعب المغربي وتعاطي السلطات المعنية مع كل مكونات المجتمع المغربي بحكمة وتبصر دون السقوط في هفوة تلميع صورة المغرب أمام الرأي العام الدولي على حساب ما توارثه المغاربة أبا عن جد وما يعتبرونه خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M