أزمة الفكر والوعي المنهجي

06 مايو 2015 16:20
أزمة الفكر والوعي المنهجي

أزمة الفكر والوعي المنهجي

كوثر العثماني*

هوية بريس – الأربعاء 06 ماي 2015

لا شك أن أولى خطوات تحقيق النهضة، واستعادة الأمة لعافيتها يقوم على الوعي بذلك، فنجد الدكتور فتحي حسن ملكاوي قد عقد لهذا الوعي المنهاجي من خلال كتابه منهجية التكامل المعرفي؛ مقدمات في المنهجية الإسلامية، وهذا الوعي إنما يشكل المدخل الطبيعي للإقلاع الحضاري، إذ أن الوعي المنهاجي هو الطريق والخطة والاستراتيجية، والذي يتطلب بالضرورة وضوحا في خطوات البناء المنهجي، وفي سبيل السعي للانتقال من غاية إسلامية المعرفة ومبتغاها إلى الأخذ بالأسباب وتنفيد البرامج، ويتطلب هذا الوضوح قدرة على التمييز بين عملية بناء المفاهيم وعملية بناء الأطر المرجعية للتحقق من فعالية تلك المفاهيم ولتحقيق غاية المنهجية.

وقد شرح المؤلف أسباب ضمور هذا الوعي المنهاجي في الأمة، وذلك بإرجاعه إلى سلسلة الهزائم العسكرية والسياسية التي أطاحت بالعديد من الطموحات الفردية والجماعية للأمة، فهذا الوعي تجسد فيما سماه الدكتور فتحي حسن ملكاوي بـ”منهجيات أحادية قاصرة“، حيث كان البعض يدعو على منهج سلفي لحتمه تقديس الماضي والثناء على السلف، وسداه القطعية مع مناهج الغربيين وبيان عوراتهم ومثالب إنجازاتهم، بحيث إذا التفتوا إلى نصيبهم في الدنيا، أرسلوا أبناءهم للتعلم على مناهج الغربيين، ولحقوا بهم للاستمتاع بمنجزات هذه المناهج، وملأوا بهذه المنجزات بيوتهم ومكاتبهم وشوارعهم، ومنهم من دعا إلى منهج حديث أعمل فيه فنون جلد الذات، والاختيار الانتقالي من التاريخ الإسلامي… والدعوة إلى القطعية معه، والارتماء في أحضان الغرب لما له من عبقرية وسيادة…

كل هذه النماذج من الوعي لم تستطع أن تنهض بديلا عن واقع مختلف متهالك، لهذا تصبح الدعوة إلى تجديد الوعي المنهاجي حاجة حضارية ماسة.

سأقدم بعض النماذج من الوعي بالمنهج لدى شخصيات مختارة من فئات المنظرين في الفكر والحركة والعلم:

– إذا نظرنا إلى المنهج العلمي للإسلام بخصائصه وأركانه فسنجده يتجسد مع يوسف القرضاوي في السنة النبوية؛ لأنها التفسير العملي للقران، ومن واجب المسلمين أن يعرفوا هذا المنهاج النبوي المفصل بما فيه من خصائص الشمول والتكامل والتوازن والتيسير، ليسهل عليهم فهم السنة والتعامل معها.

وإذا كانت أزمة المسلمين الأولى في هذا العصر هي أزمة فكر فإن أوضح ما تتمثل فيه أزمة الفكر هي أزمة فهم السنة النبوية والتعامل معها، وخصوصا في بعض تيارات الصحوة الإسلامية.

– وفي مجال النقد الأدبي والدراسات المصطلحية، يبين الشاهد البوشيخي أن مشكلة المنهج هي مشكلة أمتنا الأولى، ولن يتم تحليقنا العلمي ولا الحضاري إلا بعد الاهتداء في المنهج للتي هي أقوم؛ لقوله تعالى: “اهدنا الصراط المستقيم“. فينبغي أن نحرص على استقامة المنهج في كل شيء، وأن يكون الجهد المبذول في تقويم المنهج مكافئا لهذه الأهمية.

– وفي المجال الفكري يؤكد طه عبد الرحمان حاجة اليقظة الدينية المعاصرة في العالم الإسلامي إلى “السند الفكري“، وذلك بدعم التجربة الايمانية بأحدث المناهج العقلية وأقواها، وتأسيسها عليها، مؤكدا أن القصور في هذا الباب هو الذي جعل هذه اليقظة تنحو في اتجاهات أطغت الخصوم في التعرض لها والإساءة إليها، ولما حصلوا أهل اليقظة على ملكة منهجية، عمل التغلغل في تجربة الايمان على فتح أبوابها، ليتمكنوا من إقامة فكر إسلامي جديد يحصن هذه اليقظة.

– وذهب عبد الحميد أبو سليمان أن اصلاح حال الأمة لا يكون إلا عن طريق إعادة بناء الأجيال الجديدة ابتداء من التنشئة الأسرية مرورا بالمؤسسات التربوية، وأن حل معضلات التربية لا يأتي إلا بتنشئة “علم منهجي”، ودراسة علمية منظمة مستمرة، دون التأملات الفكرية العشوائية المحدودة، وهي نظرة في منهجية الإصلاح والتغيير.

وقد اقترح سيف الدين عبد الفتاح أربعة عناصر ضرورية لعملية بناء الوعي المنهجي تتجسد فيما يلي:

1- الوعي بمصادر التنظير المنهجي الإسلامي.

2- الوعي بالإمكانيات المنهاجية الغربية المتاحة ومراجعتها.

3- الوعي بالتطبيق المنهجي والتعامل مع مصادر التنظير الإسلامية.

4- الوعي بصعوبات التطبيق المنهجي وكيفية تجاوزها.

تجسيد مظاهر الخلل المنهجي في واقع الأمة:

ثمة عوامل عديدة أدت إلى وصول الأمة إلى واقع التخلف الحضاري الذي تعيشه منذ قرون عدة تتجلى فيما يلي:

1.الخلل في رؤية العالم: وقد تجسد في فقدان الرؤية الصحيحة، التي تقدر الأشياء بحسب أحجامها الحقيقية، فما هو جزئي يقدر على أنه كلي كبير، وما هو تابع يقدم على أنه أولوية… وهكذا ينعكس هذا النوع من الخلل المنهجي على قدرة الانسان على فهم مبادئ الواقعية السببية والشمولية، مما يشكل عائقا أمام الإقلاع الحضاري.

2.الخلل في فهم الواقع والتعامل معه: ولعل هذا الخلل المنهجي كان سببا في نقض الواقعية في الفكر والواقعية في التعامل، وهو اتجاه نفسي ينتهي عادة إلى الرفض المطلق دون اعتبار التفاصيل والمعطيات.

3.الخلل في ربط الأسباب بالنتائج: وذلك في التخلي بالأخذ بالأسباب والتعامل معها باتكالية، وبالتهرب من المسؤولية، وعدم الاكتراث بالنتائج لأنها حسب منتسبي هذا النهج من عند الله.

4.الخلل في المعرفة الحقيقية والعمل ضد مقتضياتها: ومن بين آلاف الأمثلة على هذا الخلل نجد افة التدخين التي انتشرت كالنار في الهشيم، في دولنا العربية الإسلامية، دون أن تكون للحكومات إرادة سياسية لوقف هذا النزيف الذي يهدد الالاف.

5.الخلل في عدم التكامل بين المصادر والأدوات.

6.الخلل فيما بين المصادر والأدوات.

بالإضافة إلى أن إسماعيل الفاروقي اعتبر الخلل الذي نعاني منه يتجلى في ثنائية التعليم ويدعوا إلى توحيد النظام المعرفي.

ويذهب عبد الحميد أبو سليمان إلى أنه هناك مجموعة من التشوهات في فكر الأمة تكمن في:

– التشوه في الخطاب.

– التشوه في الرؤية الكونية القرآنية.

– التشوه في المفاهيم.

– التشوه في المنهج.

وحين ينظر” مشروع إسلامية المعرفة” إلى قضية “المنهجية الإسلامية” بوصفها محورا أساسا في ” الأزمة الفكرية” التي تعاني الأمة منها. وحين يؤكد المشروع على الجهود الازمة لبنائها وبلورتها بوصفها قاعدة أساسية في المشروع الحضاري الإسلامي الذي تحاول الأمة بناءه، حين يتم ذلك ينصرف الذهن إلى أدبيات المنهجية وبحوثها، وإلى المظان التي يتوقع أن يجد فيها هذه الأدبيات، وعند التحقق تجد ضعفا كبيرا في التأليف والكتابة في مجال المنهج باعتباره حقلا معرفيا، ونجد ان ميادين التأسيس المنهجي والرؤية النظرية في المنهج غير مطروقة تماما في الدائرة الإسلامية، وأن القليل المتوافر من الأدبيات حول الموضوع محدود في التنبيه على إشكالية المنهج، وأهمية إعمال النظرة المنهجية والرؤية المنهجية والقراءة المنهجية…إلخ. وقلما نجد ممارسة منهجية في المجالات المعرفية المختلفة يقوم بها أهل الاختصاص في هذه المجالات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحثة بسلك ماستر التربية والدراسات الإسلامية بتطوان، خريجة كلية الشريعة والقانون بفاس.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M