الاستعانة على «غزو المغرب» بمدفعية الإعلام

11 مايو 2015 14:56
الاستعانة على «غزو المغرب» بمدفعية الإعلام

الاستعانة على «غزو المغرب» بمدفعية الإعلام

ذ. إدريس كرم

هوية بريس – الإثنين 11 ماي 2015

قبل انتقالنا لاستعراض مرحلة ما بعد الحماية، لا بأس من إيراد بعض ما كان يظن أن الحماية ستقوم به لصالح الأفراد والجماعة من إقامة مؤسسات اجتماعية واقتصادية وتعليمية تحقق التنمية وتنفذ ما كان مؤتمر الجزيرة سنة 1906 قد خطط له، وروجت له الصحف ذات النفس الاستعماري، وعلى رأسها “السعادة”؛ وفيما يلي بعض المقالات:

أحوالنا الحاضرة وأوربا

 تنظر إلينا أوربا اليوم نظرة المشفق المتألم على مضار جاره، وارتباك أحواله، وسوء مصيره، متألمة فيما نحن عليه داخليا وخارجيا، فتجس نبضها بيد الماهر الخبير، وتزعق بأذننا بصوت جهير قائلة هبوا من سبات الغفلة، فقد اكتنفتكم المخاوف وأحاطت بكم المتاعب.

هي ذي يدي القوية مبسوطة نحوكم ممدودة إليكم، وفيها قوة لا تضاهى، ولا تبارى، لا تدع الممسك فيها في حضيض ولا القابض عليها في هوتة التأخر وبساط الغفلة، فإذا جلسنا لها وجلست لنا، بسطت لنا عللنا ووصفت لنا أمراضنا وبلايانا واحدة فأخرى، ثم تصف لنا الدواء الناجع، والترياق الشافي، فلا تكاد تفعل ذلك حتى تعلو من جلبة وضوضاء، وتأخذنا رعدة وهزة لا ندري حقيقة سببها، ونهاية أمرها، سوى أننا لا نحب الإقلاع عن إلف ألفناه ونديم أنسناه، وجهل طوقنا به أعناقنا وتقلدناه، فيصعب علينا فراقه والانسلاخ عنه، فنسمع النصائح بأذن واحدة، بها فتحة أوسع من فوهة النسيان، فلا يبقى لها في حيز الفكرة من أثر، ونحن الآن في مركب صعب لا نرضاه لأنفسنا، وإن رضينا به فلا ترضاه لنا الأمم المجاورة لنا، القيمة علينا.

فالحالة التي نحن عليها الآن، لا تدل على حياة قومية، أو نهضة في الرعية، أو رغبة في مجاورة الأمم، والأخذ عنهم ما هو جدير بالأخذ، صالح لروح العصر، وكفى بنا وقد عشنا أمواتا، فذكرنا الماضي يدمي قلب العاقل، ويثير القروح، ولم يبق لنا سوى الإصغاء إلى القول الحق، والسعي وراء كل ما فيه مصلحة العموم، ولا يتم ذلك إلا بالتقرب للأمم، وتحديد العلائق الودادية، مع الدول التي بها راحتنا وراحة بلادنا، وخير مستقبل أولادنا. (السعادة، ع. 420-/04/10/1910)

فهل حقا هذا ما فعلته فرنسا بعد غزو المغرب والاستيلاء على خيراته، وتفريغه من ساكنته في السهول الخصبة، وعلى ضفاف الأودية، والسواحل الغنية مياهها بمصايد الأسماك، وخيرات البحر؟

جاء في كتاب Le Maroc (طبع سنة 1895) لكاتبه “فريسش”، قبطان في فرقة 106 مشاة، وضابط في الشؤون العربية الجزائرية والسورية والإقامة التونسية:

المغرب يحتل مكانا في نصف كرتنا الأرضية، يتميز بكونه متحكما في أهم مضيق عالمي له واجهتان واحدة على المحيط وأخرى على المتوسط، وهما البحران الأكثر استعمالا في العالم، وبذلك فهو يذكي المطامع الأوربية للدخول في السياسة الاستعمارية، المبنية على التنافس الصناعي والتجاري، ذلك أن الصناعة الحديثة، محتاجة لسوق استهلاكية واسعة، وبالتبعية، فغزو المغرب يفتح منافذ جديدة للغنى بالنسبة للوطن الأم (فرنسا)، تصرف فيه البضائع الجديدة في محيط ذا كثافة سكانية عالية، باحثة عن بضائع مواتية مناسبة لتجارة غير منافسة.

ناهيك عن أراضٍ واسعة خصبة، تحتاج للاستثمار، وتصدير إنتاجها للبلد الأم فرنسا، زيادة على كون المغرب سوقا كبيرا قريبا من أوربا، غير منظم، لا قانون يحكمه، منغلق معزول عن العالم، شاسع الأطراف لا منتهى له، بدون قوة وغير قادر على تجاوز الصعوبات التي وضعه فيها طغيان السلاطين وسوء الإدارة، اللذان أديا به إلى التأخر والانحطاط، بسبب التعصب الديني الذي أدى إلى جهل المعارف الأوربية، لدرجة أن “إبراهيم” لو نزل بها من السماء لوجدها كما تركها، بخلاف أوربا التي تتغير كل يوم، وتزداد معرفة وتقدما.

والسؤال المطروح، هو كيف يتعامل مع هذه التركة؟

إنجلترا اختارت طنجة، المقابلة لجبل طارق، إسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، ويمكن إيطاليا، تتصارع على الباقي، وبذلك لم يعد المغرب محميا من التنافس عليه، كما لم تتوقف الرغبة في إسقاطه تحت النفوذ الأوربي، لكن لا يعرف متى سيكون ذلك السقوط الحدث؟

يقول الدكتور “لونز” في كتابه عن رحلته بالمغرب والصحراء: إنها مهمة الدول المتحضرة، وخاصة الشعوب اللاتينية، لجنوب أوربا المقتنعة بقوة، لإدخال رقي الحضارة لهذه الأرض الإفريقية.

فرنسا هي من ستقوم بهذه المهمة في المغرب، كما فعلت من قبل في الجزائر، منذ سبعين عاما بدمائها وأموالها، من أجل إلحاقه بها وضمه إليها، وتعديل حدوده لما فيه أمن مستعمراتنا الكبرى. (انتهى منه)

ويشرح “هنري هاجر” ذلك في كتابه:

Cahiers Coloniaux de 1889

يقول: هناك شعور راسخ في فرنسا عامة، بأن كل الغرب الإسلامي (المغرب) لابد طال الزمن أم قصر، سيصبح تحت إدارة سلطتنا بشكل مباشر أو غير مباشر، لأنه مفتاح الطريق إلى تمبكتو، ومن أجل اقامة تلك السلطة، يجب إنشاء مدارس عربية فرنسية، للجنسين بفاس ومكناس ومراكش، وبالداخل بأسفي ومدن الساحل، كمزكان، والدار البيضاء، والرباط، والعرائش، وطنجة، وستكون ثانوية الجزائر معلميها.

علينا أن نروج للغتنا، ونعمل لتكون المفضلة، لتصبح بابا ينفتح أمام صناعتنا، ونجعل المغاربة يعتقدون أننا حماة للدين الإسلامي، بمساعدتنا للزوايا، وترميم المساجد والزوايا، ومعالجة المرضى بالمجان، وتعليم الأطفال، ومساعدة الفقراء والمعوزين، وحماية العاملين معنا. (انتهى)

هذه المطامح والمطامع تم تصريفها كما أسلفنا في جريدة “السعادة” التي انشأتها البعثة الدبلوماسية الفرنسية بطنجة لتكون وسيلتها لترويج شكلي لما يسمى بإصلاح البلد لفائدة المعمرين الفرنسيين كما سيتضح لاحقا.

جاء في جريدة “السعادة” تحت عنوان: شؤون مغربية

كان المغرب مستكينا في مهده، راقدا في وكره، مجهولا عند الأمم القريبة، والشعوب البعيدة، لا يعرف منه سوى الاسم فقط، منعزلا منفردا، لا يخالط جاره، ولا يتحول من وجاره، وقد أضرت به هذه العزلة، ضررا عظيما، لأنه اكتفى بما لديه، وقنع بما عنده، من كفاف العيش وقلة المعرفة والأخبار.

أما الآن وقد تبدلت الأحوال، وتغير العمران، واشتدت المزاحمة، وكثرت المنازعة على الحقوق وغيرها، وتعرى ما كان مستورا، وانفضح ما كان مكتوما، لم يبق في المغرب أمر خفي، على الأجانب، وزال العجب والحيرة من عقول المتشوفين إليه.

فالمغرب اليوم، أصبح مقيدا بعهود مكتوبة، وبعهود غير مكتوبة، وأصبحت العلائق السياسية أشد رسوخا، وأمتن إحكاما، مما كانت في الماضي، كانت الدول تتساهل في شؤون المغرب، لما يظهره من الضعف والوهن، فتأخذها عليه الشفقة، وترثي لضعفه، وتكتفي بوعوده، حتى ظهر لها الآن أنه لابد من المباشرة في إصلاح الشؤون الداخلية والخارجية، التي بدونها لا تقوم للمخزن قائمة، لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل.

ولقد تولت فرنسا إصلاح البلاد بطرق كلها منافع للرعية على السواء، وقد شرعت في إعطاء المخزن الموالي لوفاء ديونه، وأخذت بمقابل ذلك أكثر من ربع الديوانة لوفاء طالع هذه الديون، وكل من قابل حالة الديوانات في وقتنا الحاضر، وما زيد فيها من النظامات والدوائر بحالتها الماضية، يرى الفرق العظيم بينهما، ولا شك أن دخل الديوانات قد زاد زيادة عظيمة، ولا يلبث الحال حتى يتم تنظيم أمور أخرى لا تخطر على بال العامة. (ع. 40-13/11/1910).

من المستفيد من الإصلاح أو الغزو؟

كتب مدير الشؤون المدنية بالمغرب “دوطارد” في مجلة France-Maroc (05/11/1917) موضوعا تحت عنوان “لماذا نحن بالمغرب؟”:

المغرب اليوم بين يدينا، إنه مدرسة كبرى ستجعل في فرنسا رجالا أشداء مسلحين من أجل حياة عصرية، جئنا له مبتهجين لمعرفة مقدار حيوية الفرنسيين الذين كونتهم التجارب الاستعمارية.

أعرف أن فرنسا جاءت للاغتناء في المغرب، وقد حددت لها به هدفا وحيدا، هو الحصول على المال لإسعاد مواطنيها، الذين هم ورثة العبقرية اللاتينية، والفكر الروماني، لذلك فغزو المغرب سيتواصل، لأن الحرب هي التي ستطلق أيدينا فيه. (انتهى).

من أجل هذا الهدف الذي لا يتطرق إليه المحميون، ومن في حكمهم ممن يرون أن الإصلاحات المراد إدخالها لا تخدم مصالح المغاربة، إلا بقدر ما تسهل تحقيق الأطماع الاستعمارية في تسخير مقدرات البلاد لإسعاد المعمرين، ومواطنيهم في فرنسا، لذلك لم يبخلوا بجهد معرفي وإعلامي لتسويق برنامجهم، وإفهام البعض أن مصلحة البلاد مرتبطة بمصلحتهم، وهو ما لم يكونوا يعيرون مصالح السكان التفاتا، إلا بمقدار ما يفيدهم ويحقق مبتغاهم، من ذلك تأسيس البعثات والمدارس والمنشآت التأهيلية لتكوين اليد العاملة وتدريبها على الآلات الحديثة.

جاء في برنامج: Le Programme du Comité du Maroc de 1904-1914

سياسة فرنسا بالمغرب انتقلت في المرحلة الأخيرة إلى مخطط يعتبر الشغل الشاغل للبلاد، بحيث أصبح مستقبل المغرب مدار اهتمام الفرنسيين قاطبة، فرنسا تسيطر على الجزائر وتونس، ولا يمكن لها ألا تبالي ببلد جار، تقلدت مسؤولية إعادة تنظيمه.

وبما أنه غير معروف لدى الفرنسيين، فقد كونت La Comité de L’Afrique Française من خلال أعضائها La Comité du Maroc سنة 1904 تقوم بالدراسات والمحاضرات اللازمة لذلك عن طريق مجلة “إفريقيا الفرنسية”.

ولإنجاز تلك الدراسات، ورسم الخرائط، والقيام بما يلزم من البحوث، تم إرسال السيد “سيكونزاك جانتي دوفلوط” لبلاد السيبة، ووهاد درعة وسوس، وبعثة “بول ليموان” لناحية مراكش، وبعثة “إدمون دوتي” إلى موكادور، والقيام ببحث اقتصادي كلف به “روني لوكليرك” في فاس والعرائش، والقيام بدراسة هدروليكية للساحل المغربي، وبعثة “كاسطون بوش” للشمال، وبعثة” كوتيير” لناحية فكيك، وبعثة “لادريي دولاشاريي” للشاوية وسوس، وبعثة للبحث الاقتصادي لحوض سبو… إلخ، وكل ذلك بدعم من قبل عالم الصناعة والتجارة الفرنسيين، لضرورة تلك الدراسات وحيويتها (بالنسبة لغزة المغرب). (مجلة إفريقيا الفرنسية 1910)

فهل تعتبر السياسة الفرنسية التي تهلل لها “السعادة” سياسة لإسعاد المغاربة؟ كما جاء في المقال التالي المعنون بـ:

شؤون البلاد السياسية

كانت الشؤون السياسية في الماضي معقدة لسوء التفاهم، وكثرة الأغراض والمقاصد، وكان ذلك يفقد الثقة في المخزن، ويعرضه لخطر عظيم، أما الآن وقد أصبحت مقاليد السياسة بأيدي أناس لهم معرفة وخبرة بما ينفع وبما يضر، بتنا في أمن من العثرات.

ومن منا لا يعرف أن للدول كافة حقوقا لابد من الاعتراف بها، وأدائها عند المطالبة بها، فلئن أخلصنا لهم أخلصوا لنا، وإن لم نخلص لهم فالضرر عائد كله علينا، لأن الضعف لا يقابل القوة، وضعفنا لا ينكره غير الجاهل، كما أن قوتهم لا يجهلها غير الغبي منا.

فنحن أضعف من أن نقوم لمصالحنا بدونهم، أو نعرف أو نباشر أمورنا، لكثرة أغلاطنا وشدة غفلتنا في الماضي. (السعادة 13/11/1910)

فإذا كان هذا حالنا كما تقول الجريدة، فلماذا قامت المقاومة؟

ولماذا لم يحقق الفرنسيون وراثة اليونان والرومان على أرض المغرب الذي بقي مسلما، قائم الكيان، بالرغم من نهش العديد من أطرافه شرقا وجنوبا وشمالا؟

لابد أن هناك محددات أخرى لم ينتبه لها الباحثون، أو تغافلوا عنها لسبب من الأسباب، سيتم تناولها لاحقا بحول الله.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M