حين يـتـديـن «الرفـــاق»..

18 مايو 2015 19:39
حين يـتـديـن الرفـــاق..

حين يـتـديـن الرفـــاق..

ذ. نبيل غزال

هوية بريس – الإثنين 18 ماي 2015

قبل أن يدخل جون كيري وزير الخارجية الأميركي في السادس من ماي 2015 مسجدا بجيبوتي ويجلس القرفصاء ويحمل مكبر الصوت ويعظ المسلمين؛ ويحدثهم عن الإسلام وسماحته؛ كان عدد من اليساريين والعلمانيين والمنابر التي تسوق خطابهم وفكرهم قد غيروا جلدهم، وبدلوا لغة خطابهم، وصاروا يرتدون هم الآخرين الجبة الدينية ويوظفون الخطاب الشرعي.

فلم يفلت -مثلا- محمد الصبار الأمين العام لمجلس الوطني لحقوق الإنسان الحالي؛ والعضو السابق باللجنة المركزية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي؛ والنائب السابق لرئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وأحد قدماء الشبيبة الاتحادية أيضا؛ فرصة اعتراض رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران على إلغاء عقوبة الإعدام؛ فصرخ قائلا: «أنا مسلم ولست بمؤمن Je ne suis pas un musulman pratiquant».

وقال: «نحن محتاجون إلى مجددين دينيين.. حسن الترابي عالم دين ورجل سياسة في السودان أفتى في أربع مسائل منها السكر العلني، اعتمد على القاعدة الفقهية التي تقول: العلة تتبع المعلول وجودا وعدما، والعلة من تحريم الخمر تجنب الوقوع في المحذور، وإذا لم تقع في المحذور فلا ذنب عليك؛ لذلك فالمشرع المغربي نظم شرب الخمر لأنه يعاقِب على العلنية وعلى البينونة»!!!

بدوره طالب إدريس لشكر الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي والقوات الشعبية من رفاقه الالتحاق بشعبة الدراسات الإسلامية وعدم ترك هذه المجالات للإسلامويين، وندد بالفهم السيء للدين، وبتجاهل «الإسلام كمنظومة من القيم الإنسانية الرفيعة المساندة للمساواة في الحقوق والواجبات والداعمة للعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة». وجدد طلبه هو الآخر بإعمال الاجتهاد الإسلامي.

ولم تتوان القاعدية خديجة الرويسي عن الاستدلال بآيات من القرآن الكريم داخل قبة البرلمان، حيث افتتحت النائبة البرلمانية عن حزب البام مداخلتها خلال جلسة الأسئلة الشهرية بعد نقاش (النساء الثريات في البيوت) بقوله تعالى: «وكم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله»، وسردت أبياتا من نظم المرشد المعين لعبد الواحد ابن عاشر في ندوة حول الإجهاض بالمكتبة الوطنية لتبين لأحد المعترضين على طرحها أن الدين ملك للجميع؛ ولا أحد من حقه أن يحتكره لنفسه.

كما عملت على «تنوير» الرأي العام في برنامج ملف للنقاش على ميدي 1 تيفي بأن الجنين في الدين الإسلامي إذا مات لا يبعث يوم القيامة!!! وأنه إذا لم يكتمل خلقه فهو ليس نفسا ولا كائنا حيا!!!

بل حتى عصيد الذي رفض النطق باسم الجلالة في برنامج قفص الاتهام؛ وأصر على عدم النطق بالقسم باسم الله تعالى؛ ووصف رسائل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بأنها «رسائل إرهابية لا تشرفنا»؛ فقد طالب هو الآخر بعلماء مجتهدين يعيشون لحاضرهم لا لماضيهم!!!

وصرح في لقاء مصور أنه لم يَسبِق له أبدا «أن انتقد الإسلام كدين أو عقيدة، وجميع ما كتبه هو عن الإيديولوجية الدينية، وهي أيديولوجية سياسية»، وقال: «أنا أعترض عن الرؤية الماضوية والقراءة السلفية للدين».

وعلى نفس المنوال عزفت منابر إعلامية من قبيل «الأحداث المغربية» و«الاتحاد الاشتراكي» فخصصت الأولى ملحقا «شرعيا» بعنوان «ربانيات»، والثانية ملحقا جديدا تحت مسمى «شؤون دينية»، ولا تسل عما يمرَّرُ في هذه الصفحات من شبهات وطعن صريح في الدين، من قبيل ما نشرته «الأحداث» في عددها:5587 تحت مسمى: (قراءات نقدية للتراث الإسلامي.. دية المرأة وذكورية الفقه الإسلامي)؛ للمدعو إسلام البحيري وهو شخص ثبت بالصوت والصورة؛ والكتاب والصفحة؛ افتراؤه وكذبه على علماء المسلمين وما خلفوه من علم وخير.

أكيد أن كلام عصابة اليساريين يشتمل على العديد من المغالطات، وأن مفهوم الاجتهاد الديني الذي يدعو إليه «الرفاق» لا علاقة له بما أصله علماء أصول الفقه من جهة التنظير والتأصيل، ولا بما قرره الفقهاء من جهة التطبيق والتنزيل، لأن اجتهاد الرفاق يهدف إلى تطويع الإسلام ليصير قابلا لكل الفلسفات والأفكار البشرية الوضعية، وليذوب بعد ذلك ويتماهى مع ما نصت عليه المواثيق الغربية لحقوق الإنسان، وهذا ما عبر عنه بكل وضوح علي حرب في (نقد الحقيقة) بقوله: «ما هي حقيقة الاجتهاد إن لم يكن ممارسة عقلانية ذات طابع علماني تنويري».

وعودا إلى ما صرح به القاعدي محمد الصبار والذي اتضح من خلال تدخله المذكور أنه يفهم الإسلام فهما كنسيا -لأنه لا يوجد في الإسلام مسلم مطبق وغير مطبق- فلم يجد من يستدل به من علماء المسلمين ومفكريهم؛ غير رجل معاصر في السودان يدعى حسن ترابي، وجهت له انتقادات كبيرة وكثيرة، لزعمه أن أهل السنة والشيعة متفقون في 95% من المسائل، ودعوته لاجتماع الأديان السماوية في دين واحد يُسمَّى: جبهة أهل الكتاب، وقوله بعدم اكتمال الدين وأخذه لشكله النهائي في أي عصر من العصور حتى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومطالبته بتغيير النظرة إلى الأصول: الكتاب والسنة.. ودعوته للمنهج العقلي الاعتزالي في تطوير العقيدة والشريعة..

ولو كان الأستاذ الصبار يريد شرب الخمر أو يبحث عن مخرج ديني شرعي لمن ابتلي بشربها؛ فإنه أخطأ الطريق، وولج مجالا ليس من تخصصه، فصار أضحوكة بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، ذلك أن العلة من تحريم الخمر ليست هي «الوقوع في المحذور»، وإنما العلة هي الإسكار.

وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة واضحة تفيد بأن كل ما أسكر فهو حرام؛ ولو لم يكن خمرا، فبين صلى الله عليه وسلم بكل وضوح أن: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو لم يتب منها، لم يشربها في الآخرة»1. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»2. وقال: «ما أسكر منه الفرق، فملء الكف منه حرام»3.

وعلى العموم فتحريم الخمر من قطعيات الإسلام، وهو حكم معلوم من الدين بالضرورة بالنص والإجماع، ومن ثم فهو ليس من مسائل الاجتهاد؛ وليس مجالها من مجالات الاجتهاد السائغ أصلا.

وأما وأن السّقط لا يبعث يوم القيامة، فلم نسمع بهذه الفتوى سوى من الشيخة اليسارية «خديجة الرويسي»؛ حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسم فقال: (وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَى الجَنَّةِ إِذَا احْتَسَبَتْهُ)4 والسرر: ما تقطعه القابلة من السرة. وأخبرنا علماؤنا أن موت الواحد من الأولاد حجاب من النار وكذا السقط، لكن عدوَّةَ المحافظين وعضو المكتب السياسي للبام كان لها رأي آخر وأتت بما لم يأت به الأوائل ولا الأواخر..

أكيد أن خطة الرفاق لن تؤتي أكلها، ومصيرها لن يخرج عن مصير تجارب أخرى مماثلة في المغرب وغيره، وما لا يعلمه الرفاق أو لا يريدون أن يتعلموه هو أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله، وأن الدين الحق محفوظ بحفظ الله تعالى؛ فليبذلوا جهدهم..

وأحب في الختام أن أشير إلى أن هناك يساريين قد رجعوا إلى الله تعالى وتدينوا وحسن تدينهم؛ وأكثر من ذلك فقد تبرؤوا من أصحاب الشمال من خلال مقالات ومؤلفات، كما أن هناك أتباع لهذا التيار قد لبس عليهم دينهم، وتشكلت لديهم قناعات خاطئة، فهؤلاء يجادلون بالتي هي أحسن، ويبين لهم الحق بكل رفق ولين، أما من يروغ روغان الثعالب، ويحارب التدين بكل ما أوتي من قوة؛ فهذا له شأن آخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- رواه مسلم وأحمد.

2- رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

3-  رواه أحمد وصححه الألباني.

4- حسنه المنذري في الترغيب والترهيب 3/57، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص:39.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M