الحافلة «الدولة»..!!

20 مايو 2015 20:20
الحافلة «الدولة»..!!

الحافلة «الدولة»..!!

مسرور المراكشي

هوية بريس – الأربعاء 20 ماي 2015

السفر كتاب مفتوح وكلما سافر الإنسان اتسعت مداركه، رغم أن السفر يعد قطعة من عذاب، وبحكم جولاتي الفنية واستعمالي للحافلة كوسيلة نقل جماعي، أعتقد أنه في بعض الأحيان يكون عذابا كاملا بدل “القطعة”، بفضل “مجهودات” السائق ومعاونيه الكرام ومن يدور في فلكهم، فكل المشاكل تجدها في المحطة الطرقية بالجملة والتقسيط، ابتداء من الاحتيال والسرقة إلى الغش والكذب ثم اللعب على أعصاب المسافرين، لهذا كان دعاء المسافر مستجاب فهو في جهاد.

لقد اعتبرت الحافلة “دولة” داخل الدولة لهذه الأسباب التالية:

أولا: لكل حافلة اسم يميزها عن باقي الحافلات، وكذلك الدول لها أسماء وشعارات حسب هويتها وإيديولوجيتها.

ثانيا: خداع الشعار المرفوع؛ مثلا قد تجد حافلات تحمل اسم “برق الشمال” أو “سريع الغرب” وهذا لخداع المسافرين وإيهامهم بأن هذه الحافلات جد سريعة، والواقع هو “سلحفاة الشمال” و”دكاكة الغرب” فهي جد بطيئة إلى درجة يتمني المسافر معها لو سافر على رجليه كان أحسن.

وهذا يشبه عمل الكثير من الدول الشرقية أو الغربية، مثلا عندما رفعت الكثير من الدول العربية شعار “الجمهورية” في القرن الماضي، وهاكم بعض النماذج: “ـ الجمهورية العربية الديمقراطية – الجمهورية الاشتراكية العربية ـ الجماهرية العربية الاشتراكية العظمى..”، المهم طابق متنوع من مأكولات “الجمهورية” مقلية ومبخرة.

والواقع أن هذه الجمهوريات أسماء على غير مسمى تماما كالحافلات، فبعد الربيع الديمقراطي انكشف زيفها واتضح أنها ملكيات في “ثوب جمهوري” رديء. لهذا فكل الأسماء والألقاب البراقة التي تحملها الحافلات كـ”السعادة والراحة والهناء..”، فهي على غير مسمى كالدول التي تحمل ألقاب “المساواة والعدالة والحق والقانون..”، فتش قد تجد العكس تماما في الواقع.

 ثالثا: الحافلة تمثل الشعب حيث تجد فيها كل طبقات الشعب تقريبا، وهي جزء مصغر من المجتمع بكل تفاصيله، فهناك اللص والضحية والمحتال والنزيه، المهم تشبه تركيبة الدول في هذا الميدان. كما أن لدولة قائد ووزراء يساعدونه في تدبير شأن “الجمهورية”، فللحافلة كذلك سائق “قائد” له مساعد وعدة سماسرة ووسطاء “كورتية” يساعدونه في إدارة شأن “الحافلة”.

رابعا: فقائد “الجمهورية” يحمي نفسه بالقانون، ليكون محصنا من المتابعات القضائية، كذلك يفعل سائق الحافلة فقد تجد ملصق وراء ظهره يطلب من المسافرين الصمت وعدم التحدث مع السائق” لأجل سلامتك لا تتكلم مع السائق”، وقد حاول أحد الركاب التحدث معه متجاهلا هذا التحذير “القانون” فكانت العاقبة وخيمة، حيث تدخل مساعدوه وأشبعوا المسافر المحتج “أدبا جما” ولولا تدخل بعض الركاب لكان صاحبنا في عداد المفقودين، نفس التصرف تستعمله الدول في تجاهل تام لكرامة” المسافر.

فالمحطة الطرقية أعتبرها تجمع “لجمهوريات الحافلات المستقلة”، فعندما تصعد الحافلة تصبح تلقائيا تحث رحمة السائق ومساعديه، أولا: قد تستقبل بطابق من الشتائم عند احتجاجك على تأخر الحافلة في الانطلاق. فالشعار ـ”القانون”ـ الذي تحمله تذكرة السفر” إن لم تحضر في وقت السفر لن تقبل منك شكاية” يعد مجرد حبر على ورق، فالحافلة لها قانونها الخاص وأعرافها، فحسب هذا الشعار المرفوع قد يفهم منه احترام وقت انطلاق الحافلة، لكن الواقع هو العكس تماما فالأصل هو التأخر .

ثانيا: قد يسمعك السائق “القائد” أغاني من اختيار سيادته أغاني شعبية مقرفة من نوع “اعطيني صاكي باغانماكي” ولا تستطيع فعل أي شيء، فقط يمكنك الحوقلة والتجهم والعمل بحكمة “الصمت حكمة”، لأن للحافلة “موازينها” الفنية كذلك وهي غير قابلة لنقاش أو التعديل، ومن لم يصدق فالمحطة والحافلة رهن إشارته “سول لمجرب..”.

لقد سبق لي أن سافرت في عدة حافلات وفي كل الاتجاهات، لكن حافلة واحدة لم أستطع نسيانها، توجهت بنا من مراكش إلى منطقة جبلية صعبة المسالك، وكان الوقت ليلا وبعد مصادمات مع السماسرة والوسطاء، انطلقت أخيرا وكانت رائحة الخمر تفوح من السائق ومساعديه، ثم بدأ أحدهم يدخن فطالبت منه إطفاء السيجارة احتراما للقانون فلم يلتفت إلى احتجاجي، كما طالب مني الركاب تجاهل الأمر قائلين: “الكل يعرف القانون”، وقد تأخرنا كثيرا عن موعد الوصول بسبب توقفات لا مبرر لها، وكان بجانبي رجل مسن فقلت له: “الحاج راه كان علينا انكونوا دبا فالدار”، نظر إلي وبابتسامة خفيفة فقال لي:” أولدي أنا فهاد لبلاد مكنسول فالوقت بكري ولا معطل أنا إلى وصلت بخير كنحمد الله”…

أبالمعطي أش ظهرليك فالكران؟ الصبر.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M