عندما يصير الفن عَفَنا

01 يونيو 2015 15:08
عندما يصير الفن عَفَنا

عندما يصير الفن عَفَنا

د. محمد ويلالي

هوية بريس – الإثنين 01 يونيو 2015

عرف العلماء الفن بكونه التعبير الجميل، الذي يرسم صورة الوجود بأداة فنية رائقة جميلة، يعبر من خلالها الفنان عن التصور الصحيح للكون والحياة والإنسان، ترغيبا في الخير، وترهيبا من الشر.

فالفن -بهذا المعنى- رسالة إنسانية رائعة، تربي الشباب، وتحملهم على مكارم الأخلاق، ووسيلة دعوية فاعلة، للتعريف بالدين، وما يتضمنه من عناصر الجمال الرفيعة، والتحريك الإيجابي للشعور النبيل تجاه الخالق -سبحانه-، والإنسان، والنفس.

ولقد جسد القرآن الكريم من معاني البلاغة، وجميل الفصاحة، ودقيق التصوير، ما سحر الألباب، ودخل القلوب من كل باب. وأوتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، فجاء كلامه نهاية في البلاغة، وقمة في البيان، وجعل له -صلى الله عليه وسلم- من الشعراء والخطباء مَن غَالَب بهم شعراء المشركين وخطباءهم، وكان يقول لحسان بن ثابت: “اهْجُ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ” البخاري. وقال له: “إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ“، ثم قال: “هَجَاهُمْ حَسَّانُ، فَشَفَى وَاشْتَفَىمسلم.

وأوصى معاوية أحد الشعراء قائلا: “قد رأيتك تعجب بالشعر، فإذا فعلتَ، فإياك والتشبيبَ بالنساء، فتعري الشريفة، وترمي العفيفية، وتُقر على نفسك بالفضيحة”.

والمسلم مطالب بأن يسخر قلمه -كلسانه- في ما يرضي الله تعالى، لا في ما يغضبه، ويجلب سخطه. قال تعالى: “مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”. وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا”.

وما كـاتـب إلا سيـفـنـــــى***ويبقى الدهرَ ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء***يسرك في القيامة أن تـراه

فكيف بمن يكتب رواية بفصولها وأبوابها وتفاصيلها، بل ينقلها إلى عمل سينمائي يقصف الأبصار، ويطرق الأسماع، ويدغدغ الوجدان، ويحرك الجَنان، بصوره المبهرة، وألوانه الزاهية، ومغرياته الجاذبة؟ وكيف إذا كانت رسالة المنتج من عمله أن يفضح الأسرار، ويهتك الأستار، ويتتبع العورات، ويتاجر بأعراض الفقراء، ويتغنى بعاهات المستضعفين، ويغتني بتعميق جراحات المكلومين، ويبني مجده بالعسف على جماجم المعوزين؟.

ذلك ما أحدثه شريط سينمائي ماجن داعر، روج له -هذه الأيام- خارج المغرب، وأريد له أن يعرض -أيضا- داخل المغرب، لولا لطف الله تعالى، ثم تحذيرات الغيورين، وصيحات الشرفاء اليقظين، ممن لهم غيرة على بلدهم وتاريخهم، وحرقة على سلامة شبابهم وسمعتهم.

شريط يصور النساء المغربيات داعرات، ماجنات فاسدات، زائغات متهتكات، مائلات مميلات، كأن المغرب ليس فيه خُلُق ولا فضيلة، ولا أدب ولا نَبالة، ولا مساجد تقام فيها الصلوات، ولا رمضان يتسابق فيه الناس إلى الخيرات، ولا يعرف فيه الحج الذي تبكي العيون لزيارة مقاماته، وتقرح الجفون للتملي بمَشاهده.

وكان الأولى أن ننتج فنا يمجد حرمة شهر رجب، الذي جعله الله شهرا حراما، تعظم فيه الفاحشة، وتفحش فيه الزلة، لا مناسبة لعرض التفاهات، وزرع البلابل والفتن والشقاقات.

شريط يدعو إلى الدعارة، بنقل صورها الفاضحة المكشوفة، تنبيها للغافلين المسالمين، وتشجيعا للممارسين الراصدين، وفضحا للمتسترين المسترحمين، “ومن ستر مسلما، ستره الله يوم القيامة” متفق عليه. “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ“.

شريط يدعو إلى الشذوذ، ويحرض على التطاول على أعراض الأطفال، ويسترخص الرذيلة، ويطعن في قلب الفضيلة. وكان الأولى أن ننتج فنا يأخذ على يد الشهوانيين الشاذين، ويوقف زحف الآدميين الحيوانيين.

شريط يدعو إلى الخيانة الزوجية، والممارسة الآثمة خارج حرمة الزواج الحلال، وكان الأولى أن ننتج فنا يعالج ظاهرة العنوسة والعزوف عن الزواج.

شريط يشيع أجواء الفساد والعربدة، عن طريق تصوير العلب الليلية، ونوادي الفساد والفسق الماجنة، وتجميل صورة ما فيها من رقص، واختلاط، وخمر، مما قد يقع عليه بصر أبنائنا وبناتنا لأول مرة، وكانوا في غنية عنه، مما قد يشجعهم على زيارتها، ويزرع فيهم حب الفضول للتطلع إلى ما يجري بداخلها، وكان الأولى أن ننتج فنا يحصن أبناءنا، ويحفظ صغارنا وشبابنا.

شريط يُسمِعنا من ألفاظ الشارع المقذعة، ومصطلحات المتماجنين المسترذلة، والكلمات البذيئة الغوغائية المتسفلة، ما يَعصر القلوب عند سماعه في الشارع عن غير قصد، فكيف يُسيج بقالب الفن، ويسربل بلبوس الإبداع، ويقدم لنا تحت مسمى السينما؟ أليس هذا إهانة لنا، واستغفالا لحِسِّنا، وطعنا في شخصيتنا، وتسفيها لقدراتنا؟ هل بلغ الحد بهؤلاء المتهوكين أن يصوروا المغاربة بهذه الدرجة من السذاجة، استبلادا لحسهم، وتنقصا لعقولهم، فنعرضَ عليهم هذه الرداءة، ونصور لهم هذه النذالة، ونزين لهم هذه البذاءة؟ وكان الأولى أن ننتج فنا يصور حقيقة المغاربة، مغاربة طارق بن زياد، وعبد الرحمن الداخل، ويوسف بن تاشفين وغيرهم من الأبطال الأفذاذ.

شريط -بصيحات سابقة شبيهة به- صَنف الغربُ المغرب ثاني وجهة للسياحة الجنسية بعد التايلاند، وجعلوه ضمن 23 وجهة للسياحة الجنسية للقاصرين والأطفال، وجعلوا مدينة مراكش تتربع على كرسي الجنس في البلاد ب 20 ألف عاهرة، لجلب مليون سائح سنويا.. وهذه كلها مبالغات ومزايدات وتهويلات يهدف أصحابها إلى التطبيع مع الفاحشة، والتعايش مع الرذيلة، وهو ما ليس من شيم الكثرة الطاهرة، التي شُوهت سمعتها بسبب القلة الفاجرة.

هل يرضى أي غيور على وطنه أن تُهدم سمعة بلده بهذه الفجاجة، وتُرمى أعراضه بهذه الفهاهة؟ هذه مِصْرُ، التي أبى أهلها إلا أن يلقبوها أم الدنيا، بلدُ الفن والسينما بلا منازع، تكلموا في كل شيء، إلا في أعراض المصريين، وسمعة المصريين، ونساء المصريين، وكلما اشرأب فن منكر بعنقه، وجد من رجال الأزهر، و أصحاب الجمعيات الحية الغيورة، من يقف لهم بالمرصاد.

قبل أيام (الأربعاء: 27/05/2015)، تقدم محامٍ مصري ببلاغ لنيابة إحدى المحافظات، ضد ممثلة ومغنية مشهورة جدا، وراقصة مشهورة جدا، طالب من خلاله بالقبض عليهما، وإحالتهما للمحاكمة الجنائية، لتحريضهما على الفسق، والفجور، ونشر الرذيلة في المجتمع، وقال في بلاغه: “إن ما يرتكبه أمثال هؤلاء.. يُعد من أشد الأخطار على المجتمع وعلى بناتنا، حيث يُنشر بينهن تعاطى المخدرات والإدمان”.

فهل بلغ -عندنا- رُخْص لحوم نسائنا، وأمهاتنا، وبناتنا، وأخواتنا إلى درجة تطاول فيها الأغمار، واستأسد فيها الأشرار، وسفهت فيها أحلام الأخيار، وتُهكِّم فيها بعقول الصالحين الأبرار؟

وإن مما يعمق جراحات هذه المآسي المحزنة، ويزيد القلب اعتصارا، كمدا على هذه الجرأة المتطاولة، وجودَ بعض الناس استمرأوا هذه السفاسف الرخيصة، واسْتَرَطوا هذه المنتوجات البذيئة، فشكلوا جمهورا يغري هؤلاء المتطاولين البائسين، ويشجع هؤلاء النكرات المستفزين المتخاتلين، يتزاحمون على أبواب صالات العرض، ويدفعون من أموالهم ما يملأ جيوب هؤلاء المتربصين. ما الذي رفع وتيرة المهرجانات المسرفة، وشجع انتشار الأفلام المقرفة، غير أولئك الذين يصفقون، ويصفرون، ويصرخون بألفاظ الإعجاب، وجمل الإكبار والمدح والإجلال؟

إن هؤلاء يتحملون نصيبا وافرا من الإثم، لأن في امتناعهم عن الحضور وأدا مباشرا لهذه الأعمال التافهة، ودفعا لهذه الإنتاجات الخادشة، وقضاء على هذه الأفكار الهادمة.

عنْ زَيْنَبَ بنتِ جَحْشٍ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: “لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ. فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ”، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ: الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: “نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُمتفق عليه.

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُونَ، إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍصحيح سنن أبي داود.

مَالي أرَاكَ على الذُّنوب مُواظبًا***أأخَذْتَ من سُوء الحساب أمَانَا

لا تـغـفـلَنَّ كـأنَّ يومَـك قـد أتـى***ولعلَّ عمرَكَ قـد دَنَا أَو حَانَـــا

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M