الحياء الحياة والحياة الحياء

01 يونيو 2015 16:11
الحياء الحياة والحياة الحياء

الحياء الحياة والحياة الحياء

الشيخ عمر القزابري

هوية بريس – الإثنين 01 يونيو 2015

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلی آله وصحبه أجمعين، أحبابي الكرام:

الحياة تحتاج إلى عمد تقوم بها أو عليها سواء في شقها الروحي المعنوي، أو المادي.. هذه العمد تشكل أسباب البقاء والارتقاء وضمان النقاء.. وعندما تخلو حياة ما من هذه العمد.. فالانهيار متحقق لا محالة، والوقوع حتمي بلا مجادلة، فحاجتنا إلى هذه العمد حاجة بقاء.. ومن ثم فلا خيار أمام الراغب في الحياة بمعناها الأرقى، أقصد حياة الأرواح لا حياة الأشباح..

لا خيار أمامه إلا تجديد الصلة بهذه العمد والتي هي الأخلاق، تجديد الصلة من خلال إعادة إقامتها إن كانت قد هوت، أو المساهمة في تدعيمها إن كانت قد وهت، والناظر في مجتمعاتنا يجد أن هذه العمد قد هوت في جوانب ووهت في أخرى، وكلا الأمرين يدعو إلى ضرورة التدارك قبل أن يخر البنيان، وينهدم الكيان، إن الأخلاق أيها الكرام هي مصدر الري، وما على المريد إلا الاستسقاء، وهي عين الانبجاس، والإعراض عنها انطماس وانحباس، وكيف تستقيم حياة بدون رواء، وكيف تهتز أرض وتربو وتنبت من غير ماء،

وهناك خلق يشكل قطب رحى الأخلاق، فهو واسطة العقد، وهو زينة الأخلاق وحليتها، وناظم عقدها، وجامع شملها، إنه الحياء، بل هو الحياة، فالحياء أمارة صادقة على طبيعة الإنسان، فهو يكشف عن قيمة إيمانه ومقدار أدبه، وعندما ترى الرجل يتحرج من فعل ما لا ينبغي، أو ترى حمرة الخجل تصبغ وجهه إذا بدر منه ما لا يليق، فاعلم أنه حي الضمير، نقي المعدن، زكي العنصر، وإذا رأيت الشخص صفيقا، بليد الشعور، لا يبالي ما يأخذ أو يدع، ولا يراعي أحدا، فهو امرؤ لا خير فيه، وليس له من الحياء وازع يعصمه عن اقتراف الآثام، وارتكاب الدنيا

وإن العجب كل العجب في من يعتبر التعري انفتاحا والتبرج حضارة، أي انفتاح وأية حضارة، ماهذا التزوير والتحوير، أي حضارة في العري، سؤال لا يجد له الحليم جوابا، إن الحضارة هي الشيء الذي تتميز به كل أمة من ثقافة وخصائص وموروث وغير ذلك من دلائل التفرد وأمارات التميز، فهل العري من ثقافتنا وموروثنا.. لا ورب الكعبة.. والدين يشهد، والتاريخ يعضد، إن الذين يعتبرون العري حضارة، هم قوم استبدت بهم الأهواء، واخترمتهم الأدواء، فضاع منهم الميزان، فأصبحوا يتكلمون بالعيب، ويبررون أقوالهم رجما بالغيب، والمدافع للفطرة، إنما يكشف عن جهله، ويكشف القناع عن وجهه، إن الحضارة التي نفتخر بها هي التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كتابا وسنة وسيرة وحكمة وتزكية، فهو مصدر فخرنا، وسبب عزنا، وإن تلكم الحضارة المزعومة التي يتنادى بها بعض المنتحلة، والتي تجعل العري انفتاحا، هذه الحضارة المزعومة يأتي عليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قواعدها، فيجتث أصلها، ويسقط سقفها، فيقول صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما ثم قال :ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)، فتبا لحضارة نهايتها النار..

ولذلكم يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث جامع: (إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء)، والحياء والإيمان قرينان، والقرينان لا يفترقان، فإذا رفع أحدهما تبعه الآخر.. نحن أمة الأدب، أمة الحياء.. أو بالأحرى هكذا يجب أن نكون، اقتداء بحبيبنا صلى الله عليه وسلم الذي كان أشد حياء من العذراء في خدرها.. يالله.. إنه وصف يقطر جمالا، ويزيدك تعلقا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فالحياء مطلوب منا نحو ربنا ابتداء باعتباره الخالق المنعم المتفضل، الذي لا يخفى عليه شيء من أمرك، جله ودقه، فنستحيي أن يرانا على خلاف ما يريد.. نستحيي من نبينا صلى الله عليه وسلم، باعتباره الدال على الله.. الذي بين ونصح وأقام الحجة.. بل وأفصح عن شوقه إلينا صلى الله عليه وسلم.. نستحيي من آبائنا وأمهاتنا.. وآية الإسراء حاكمة في الباب: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)، نستحيي من ولي أمرنا وقد وردت في ذلك نصوص كثيرة، وندعو له في ظهر الغيب بالصلاح والتوفيق والبطانة الصالحة، نستحيي، من علماءنا.. قال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا فضله)، نستحيي من الجميع.. وننشر هذا الخلق في جميع مجالات حياتنا.. فوالله ثم والله به يحصل الفلاح والنجاح.. وتتحقق السيادة والريادة.. ويستحق المجتمع ساعتها أن يلج أبواب الحضارة من أوسع وأطهر أبوابها..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M