مؤسسة العلماء وجماعة العدل والإحسان الغائب الأكبر عن الحراك المجتمعي الحالي

06 يونيو 2015 20:53
مؤسسة العلماء وجماعة العدل والإحسان الغائب الأكبر عن الحراك المجتمعي الحالي

مؤسسة العلماء وجماعة العدل والإحسان الغائب الأكبر عن الحراك المجتمعي الحالي

أحمد الشقيري الديني

هوية بريس – السبت 06 يونيو 2015

منذ حراك 20 فبراير لم تعرف الساحة السياسية المغربية انتفاضة شعبية عارمة مثل التي نعيشها هذه الأيام، والتي أطلق شرارتها فلم نبيل عيوش “الزين اللي فيك”، ورفع من إيقاعها نقل القناة الثانية لحفل المغنية الأمريكية “جنيفر لوبيز” ذي الإيحاءات الجنسية الواضحة من منصة مهرجان “موازين” إلى معظم بيوت المغاربة، ما اعتبر انتهاكا لحرمتها وإخلالا بتعاقدات دفتر التحملات الخاص بالسمعي البصري.

 

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالاحتجاجات، ووجهت أصابع الاتهام إلى وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة وإلى القائمين على القناة الثانية مطالبة باستقالتهم، وتجاوزت في كثير من الأحيان هذا السقف لتطالب برفع “الرعاية السامية” عن المهرجان الفاجر ومحاسبة القائمين على إدارته، وعلى رأسهم السيد منير الماجدي السكرتير الخاص للملك.

ثم انتقلت الاحتجاجات إلى الشارع من خلال تنظيم وقفات أمام مقرات القناة الثانية بعدة مدن، كما تم تقديم شكاوى من منظمات حقوقية وبعض الأفراد إلى الجهات المختصة من أجل محاسبة المسؤولين عن تنظيم الحفل الداعر أو عن نقله إلى قناة عمومية.

من أجل امتصاص غضب الشارع والمواقع المشتعلة على الفايسبوك، تمّ رسميا منع عرض فلم عيوش في صالات السينما المغربية، كما راسل رئيس الحكومة “الهاكا” باعتبارها الجهة المخولة دستوريا النظر في انتهاك القنوات العمومية لما ينص عليه دفتر التحملات، وأيضا تمّ ترحيل ناشطات الحركة النسوية العارية “فيمن” إلى بلدانهن الأصلية بعد يوم واحد من احتجاج منتميات لها أمام صومعة حسان بالرباط بصدور عارية ومطاردة عصابة المثليين في مراكش وأكادير.

لم تسجل أي أعمال عنف ضد مهرجان “موازين” طيلة أيام بث الحفلات، ولو من باب الاحتجاج الرمزي (غياب قذف منصة بالطماطم أو البيض) كما يحصل أحيانا في الدول الديمقراطية، وهذا يحسب لصالح المغاربة الذين أبانوا عن نضجهم واحترامهم للمؤسسات، لكن أيضا يحسب للدولة التي أسست لأعراف ديمقراطية في التمكين لحرية التعبير دون متابعات، باستثناء وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي ما زالت تشتغل بعقلية عتيقة موروثة عن عهد وزير الداخلية ادريس البصري، إذ تم توقيف الدكتور نور الدين قراط  من الخطابة ودروس الوعظ في مسجد محمد السادس بمدينة وجدة، بسبب تعرضه للحديث عن مهرجان موازين باعتباره مخلا بالحياء العام، وكذلك بسبب انتقاده لما بثته القناة الثانية من مشاهد مخلة بالحياء العام.

حزب الاستقلال ممثلا في شبيبته نظم هو الآخر وقفات احتجاجية ضد فلم عيوش وأيضا ضد بث القناة الثانية للحفل الماجن، وهو ما سارت عليه عدد من الجمعيات، على رأسها حركت التوحيد والإصلاح التي نشرت بيانا قويا بالمناسبة، بينما اختارت الأحزاب الحداثية والجمعيات الموالية لها التخندق في صف الانفتاح على العهر تحت مسمى حرية التعبير والإبداع، فكان اللقاء مع ادريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي على القناة الأولى فرصة للدفاع عن مهرجان موازين، وأصدر المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة بيانا يستنكر فيه ما أسماه “محاولات متكررة ومكشوفة للحجر على فكر المغاربة، ومحاصرة الفن والإبداع”..

الغائب الأكبر في هذا الحراك المجتمعي قوتان لهما صلة بجوهر الصراع الدائر حاليا بين شعب يدافع عن قيمه وهويته في وجه أقلية حداثية متنفذة مسنودة من قوى خارجية تفرض أجندتها على المجتمع بعد احتلالها لمراكز التوجيه والإعلام وقربها من دوائر القرار العليا.

القوة الأولى هي مؤسسة العلماء: وهي الجهة الأولى المخول لها حفظ ورعاية أخلاق وقيم المجتمع والدفاع عنها ورد شبهات وانتهاكات خصومها، باعتبارها أولا مؤسسة علمية، ثم ثانيا باعتبارها الممثل الشرعي لأمير المومنين في كل ما يتعلق بالفتوى وأمور الدين والأخلاق والعقيدة.

لكن لم نعهد من هذه المؤسسة مواكبة للحراك المجتمعي أو حضورا في المحطات التي تشغل بال المواطنين، باستثناء العلماء المستقلين، وعلى رأسهم الدكتور أحمد الريسوني..

لاشك أن مؤسسة العلماء بالمغرب تعرف أعطابا بنيوية تتعلق أساسا بنظام وآليات اشتغالها، والذي يهمنا الاشارة إليه بهذه المناسبة أن هجرة الشباب إلى مواقع إلكترونية طلبا للفتوى أو الاسترشاد، سببه الرئيسي غياب العلماء عن ساحة الحراك الاجتماعي والتدافع القيمي والاكتفاء بإصدار البيانات الباهتة التي غالبا ما تكون تحت الطلب، أو الحضور في الرسميات، وهذا يضر بإمارة المومنين التي تحتاج إلى مؤسسة حيوية قوية حاضرة مستقلة وفاعلة تناصر أمير المومنين، وتستطيع أن تقول لا حين يقتضي الأمر ذلك، فهذه المؤسسة بهذه المواصفات هي التي يسمع منها الشباب الثائر إذا أعطت توجيهاتها له بالهدوء ولزوم الحكمة.

القوة الثانية الغائبة عن الحراك الحالي هي جماعة العدل والإحسان؛ فمن خلال تصفح ما تنشره هذه الأيام في موقعها على “النت”، لا يوجد أي بيان أو بلاغ أو تحليل أو مواكبة لما يجري في الساحة من حراك بخصوص فلم نبيل عيوش أو نقل حفل لوبيز على القناة الثانية، باستثناء تدوينة الأستاذ محمد حمداوي عضو مجلس إرشاد الجماعة الذي نقله الموقع..

فهل السبب هو انشغال الجماعة بإحياء ذكرى مقتل أحد مناضليها كمال عماري إبان حراك 20 فبراير؟ أم أن السبب هو تغير في خطاب الجماعة وإعطاء عربون طمأنة للمسؤولين من أجل الدخول في ترتيبات وتسويات من شأنها أن تسمح للجماعة بموقع في الخريطة السياسية؟

 أم أن السبب راجع لخوف الجماعة من تكرار سيناريو 20 فبراير حيث كانت هي عمودها الفقري دون أن تستفيد من نتائج تذكر، بينما كان حزب العدالة والتنمية المستفيد الأكبر من حراك لم يشارك فيه؟ خصوصا وأن الجماعة تتابع الصراع بين الفرقاء السياسيين على أبواب انتخابات أعلنت منذ مدة مقاطعتها، فلا تريد أن تتموقع في جهة تحسب عليها، أو تقوي طرف على حساب آخر، وفي هذه الحالة لا يمكن إلا أن تصطف في جبهة المدافعين عن القيم الحضارية للمغاربة، بما يعني تقوية جانب العدالة والتنمية في مواجهة حليفها التقليدي اليسار الراديكالي الرافع لشعار الحداثة.

تبقى الجماعة -في تقديري- الخاسر الأكبر مما يجري في الساحة اليوم، لأنها ستفقد بالتدريج ثقة الجماهير التي كانت مؤيدة لها من خارج التنظيم بسبب تخليها عنهم في ساعة العسرة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M