محمد المرابط.. بين السلفية والوهابية

19 يونيو 2015 17:46
محمد المرابط.. بين السلفية والوهابية

محمد المرابط.. بين السلفية والوهابية

هوية بريس – ذ. طارق الحمودي

الجمعو 19 يونيو 2015

لم أكن أود متابعة محمد المرابط الاشتراكي، وكان قصدي مما كتبته في حقه تنبيهه إلى أنه قد مضى زمن «الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري»، وأننا في زمن مختلف، فلا يجوز أن يبقى المرابط وغيره متأخرين عن حركة الفكر والمجتمع، لكنه كتب ما جعلني أعيد النظر في قراري، فلو كان سكت لسكت، فإنه هذه المرة دخل «سبع لواوي»، وكتب متحدثا عن السلفية في المغرب والتي يصفها بالوهابية مقالا حاول فيه صياغة انطباعه الخاص بمقتضى خصومته وأيديولوجيته صياغة علمية.

ولم يوفق في ذلك، إذ لم تسعفه المعطيات التاريخية والمعرفية، مع انحراف منهجي مخل بقوانين البحث والتحليل، مما زعمه أن السلطان سليمان العلوي كان محافظا ولم يكن وهابيا، وهذا نوافقه عليه إن كان يقصد أنه كان محافظا على البلاد من أي فكر دخيل كالحداثة المستغربة والعلمانية، وأنه لم يكن وهابيا من أتباع محمد بن عبد الوهاب أو آل بيته، فسليمان العلوي ملك مغربي!!!

وإن كان قصده بالوهابية التي نفاها عنه محاربة الشركيات والبدع والأمر بلزوم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فلقد حاد عن الصواب، فهذا وصف حمال خير لا سوء فيه.

فبعد أن أرسل المولى سليمان وفدا إلى الحجاز للتعرف على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رجع الوفد بانطباع إيجابي، وبادر السلطان سليمان إلى إظهار الموافقة وكتب رسالة في ذلك، وقرئت على المنابر، ثم طبعت من بعد بتقديم العلامة محمد تقي الدين الهلالي، الذي جعل محمد المرابط ميلاد هذه الوهابية المريخية في المغرب على يديه، وأن دعوته كانت «انطلاقا من تبديع الثوابت، والحكم بالشرك على عقائد المخالفين من عموم الناس وخاصتهم وترهيبهم، وهدم المعالم والمشاهد، واستعمال أدوات التدليس والتقية والعمالة، للاستبداد بالأمر» والطعن بالعمالة.. طعن خطير في حق أحد رموز الوطنية المغربية .

هل كان الهلالي عميلا مبدعا للثوابت وهو ينشر رسالة المولى سليمان على ما زعمه المرابط؟

بل هل كان ما كتبه المولى سليمان «المحافظ» تبديعا للثوابت؟

لعل المرابط لم ينتبه إلى أن ما فعله كان مغامرة معرفية، وسأكتفي بذكر معطيين عن العلامة السلفي تقي الدين الهلالي تكشف مدى المغالطة التي مارسها المرابط حينما وصف الهلالي بـ«العمالة» وهي:

الأول: ألا يعرف محمد المرابط أن الهلالي كان محكوما عليه بالإعدام غيابيا بسبب أنه كان يهاجم المستعمر الفرنسي من برلين، أي بسبب أنه كان وطنيا، ثم لما كادت تسقط برلين حاول الرجوع إلى بلاده ووطنه، فألقي بالمظلة فوق جبال ثلجية، تسبب نزوله فيها وطول مدة مكثه فيها إلى بدء معاناته مع عمى عينه.

ثم ألا يعلم طبيعة علاقة الهلالي بالحركة الوطنية المغربية التي أعانته على دخول تطوان؟

وهل كانت الحركة الوطنية فيها تمترس العمالة أيضا؟

الثاني: إن الهلالي كان من كتاب مجلة دعوة الحق لسنوات، فهل كانت دعوة الحق هي أيضا وهابية أو عميلة؟ ثم لأي جهة كانت عمالته، هل لعلمانية فرنسا، أو لنفعية أمريكا، أو لعصبية اليهود، أو لشيعة إيران، أو لإباضية عمان، أو لبوذية النيبال؟

لم يقف محمد المرابط عند هذا، بل كان قصده رسم خريطة لما وصفه بالوهابية في المغرب، فذكر أن الشيخ محمد بوخبزة وهو تلميذ الهلالي في تطوان هو عمدة الوهابيين فيها، وعدَّدَ بعض تلامذته، بطريقة تدل على أنه لا يعرف الشيخ بوخبزة جيدا، وإلا لكان كل من يزور الشيخ في بيته ولو مرة أو كانت له به نوع علاقة أخوية، وليس الأمر كذلك، فلذلك ضوابط معروفة، وإلا فالمرابط أيضا سيكون تلميذا للشيخ بوخبزة…

ويكون هو أيضا عرضة لتهمة «الوهابية» وإن تبرأ منها!

ينبغي أن أذكر محمد المرابط، إن كان قد نسي، بأن مدينة تطوان كانت معقل الحركة الوطنية، وفيها نزل تقي الدين الهلالي الوطني، وناضل مع إخوانه بطريقته، فحارب مظاهر التخلف والشعوذة والتخلف والرجعية والظلامية القبورية والاستغراب العلماني، ومع ذلك، يصفه المرابط بالعمالة… هذه في نظري قلة أدب في حق رجل اتفق الوطنيون على وطنيته.. حاول المرابط أن يعضد انطباعاته الشخصية بالقراءة -والقراءة آثمة كما يقول الباحثون- بالنيابة لِما ذكره أبو القاسم الزياني عن السلطان سليمان، فزعم أنها ترجح أنه كان «محافظا» ولم يكن «وهابيا»!!! على ما نبهت عليه سابقا…

وبالرجوع إلى الترجمانة نجد قوله عن رسالة السلطان سليمان في نصرة التوحيد والسنة ص471: «فمن سمع هذه الخطبة وتأملها علم اليقين وتحقق أنها برزت من قلب خالص عارف بما أعده الله في الآخرة للمتقين، وأن ذلك من المواهب الربانية».

ولمعرفة قصد الزياني، وعلاقة ذلك بالهلالي ودعوته، وما ارتكبه المرابط في حق قرائه مما رمى به غيره، أنقل عبارات من الخطبة، ومن ذلك قوله فيها:

«واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون»، ويقول: «ثم أنشدكم الله، هل زخرفت على عهد رسول الله المساجد أو زوقت أضرحة الصحابة والتابعين الأماجد»، وقال: «فليس في دين الله ولا فيما شرع نبي الله أن يتقرب بغناء ولا شطح»، وقال: «وليس الصراط المستقيم كثرة الرايات، والاجتماع للبيات، وحضور النساء والتصفيق والرقص، وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص»، وقال: «فمن ذهب بعد إلى هذه المواسم أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجر الوبال على أبناء جنسه، وتله الشيطان للجبين، وخسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين».

زعم محمد المرابط التمييز بين الحركة السلفية المغربية الوطنية وبين السلفية الوهابية كما يصفهما… وهذه مغالطة تدل على أن المرابط لا يقرأ أو لا يريد أن يقرأ وهو حر في ذلك، لكن لا يجوز له الخوض في هذا الأمر إلا بشروطه، فقد شهد كبار أقطاب الحركة الوطنية بالتجاوب الإيجابي بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين الحركة الوطنية، كما قال أبو بكر القادري رحمه الله عضو أكاديمية المملكة المغربية سابقا.

وكيف لا وقد وصف محمدَ بن عبد الوهاب محمدُ عزيز الحبابي رحمه الله عضو أكاديمية المملكة سابقا بكونه «مجتهدا رمى إلى تحقيق ما سعى إليه من سبقه من السلف الصالح أي إلى تحرير الدين من الشبهات والمستحدثات التي تنحرف عن جوهر العقيدة والتشريع عن الفضائل والمعايير التي يقوم عليها المجتمع، فإن عبد الوهاب من هذا الجانب، قد فضح التدجيل على الدين، فكان عمله محررا».

فهل أدع تحريرات كبار أقطاب الحركة الوطنية المغربية، وتقريرات أعضاء أكاديمية المملكة لأجل انطباعات أيديولوجية لمحمد المرابط.؟.. لا.

وبالمناسبة، فكلمة الوهابية اخترعها أعداء هذه الدعوة، وروج لها البريطانيون واستعملها الصوفية الطرقيون، وأخيرا صار يستهلكها الحداثيون العلمانيون…وهي حديث خرافة؛ مثلها مثل الفضائيين؛ وهي سليلة «السلفية الجهادية» و«الإرهابيين»، فالمنتج واحد.. والمستهلك واحد.. ولذلك نبه محمد الفاسي رحمه الله عضو أكاديمية المملكة سابقا حينا ذكر أنه ألف فيها «مئات التآليف، وكانت الشغل الشاغل للساسة الاستعماريين في كل البلاد الغربية وبالخصوص عند الفرنسيين والإنجليز والهولانديين».

وقد كان الإنجليز حريصين على محاربة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لأن صداها كان قد وصل إلى الهند، وبدأ يهدد وجودها الاستعماري، فحيثما حلت دعوته قامت الثورات التحررية، خصوصا وأن الإنجليز صنعوا في مقابلها ديانة كفرية هي «القاديانية» أو «الأحمدية».

ومع ذلك فلا مشاحة في الاصطلاح، لكن ينبغي التقيد بضوابطه، فالذين استعملوه بموضوعية قصدوا به أتباع محمد بن عبد الوهاب من آله وأنصاره في الحجاز، فلا يجوز جعلها فرقة أو طائفة خاصة، ولا التوسع في استعمالها، فينبغي أن يكون في نطاق ضيق، كما هو المقتضى التاريخي، مع التوفر على الإنصاف والموضوعية والإحاطة العلمية، ومن ذلك أن أمثال الحبابي رحمه الله وغيره كان يصفها بذلك، لكنه عرضها في معرض مدح لا ذم فقال:

«حاربت الاستغاثة بالموتى، والتبرك بالشجر وتقديس الحجر، وكما أن التقدمية تدعو الملتزمين إلى الاندماج في صفوف الطبقة المحرومة، كان ابن عبد الوهاب إلى جانب المستضعفين والفقراء، يحيا ويعادي مستغليهم».

فهل يرى المرابط جواز ما فعله محمد ابن عبد الوهاب من محاربة الظلم..؟

أو هل يرى حرمة نصرته للفقراء والمستضعفين؟

لماذا لا يجعله تقدميا اشتراكيا مثله.. أم هو حجاب الخصومة يمنعه من الإنصاف؟

أريد قبل الختم التنبيه على أمر لطيف، وهو أنني كنت قد استعملت كلمة «تجبيد الودنين» فحملها المرابط وآخرون على التهديد، بل تهديدا داعشيا، وجعلوها اقتباسا في كثير من مقالاتهم، فعجبت لهم، يحسبون كل صيحة عليهم، فإن كان لهم خصوم سياسيون فذاك شأنهم، إنما كان قصدي «تجبيدا» علميا بالرد والانتقاد العلمي فقط، وهذا ما قد أحسنه.. أي أنني تجوزت وبس…

فهل حالت حَرفيتهم في قراءة النص دون اكتشاف مقاصد كلامي…!؟

هذا تعليق سريع على ما كتبه.. فأرجو أن لا أكون مضطرا للكتابة في هذا مرة أخرى، فبلادنا لا تتحمل مثل هذه الأمور.. فلندع حركة التنمية تدور.. فالمغاربة أهل خير.. يستحقون بإذن الله كل خير.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M