الفقيه المغربي؛ هل سيصبح «كبوي» (COWBOY) العالم؟

22 يونيو 2015 18:00
الفقيه المغربي؛ هل سيصبح «كبوي» (COWBOY) العالم؟

الفقيه المغربي؛ هل سيصبح «كبوي» (COWBOY) العالم؟

ذ. إدريس كرم

هوية بريس – الإثنين 22 يونيو 2015

يبدوا أن سقوط مبادرة تسليم الشمشام “كامبيز” زمام إصلاح الشأن الديني في مطلع العشرية لم يقبر، ولم يستسلم “الأنكلوفونيون” الذين أرادوا إلباس فقهاء المخزن قبعة “الكوبوي” بدعوى التحديث والتسامح والتقارب والتعايش، وما واتاها من العبارات المُصَدَّرة للعالم المتخلف المنافس على الحرية والديموقراطية والكرامة؛ هذه القيم التي هي سبب الاستعمار والحروب المخاضة في الشرق والغرب، والتي تدور حول شيء واحد، الكل في خدمة الغرب، ورفاهية شعوبه، وغير ذلك تطرف وتعصب وبدائية، يجب محاربته من طرف الجميع حتى ولو لم يكن لهم في ذلك ناقة ولا جمل.

وقد مثل الإسلام شكلا من أشكال التحدي الغربي الذي وجب القضاء عليه أو احتواؤه، وهو ما حاولت فرنسا فعله في المغرب خاصة وشمال إفريقيا عامة وأفريقيا أعم؛ ولذلك فالغرب منزعج من تحركات العاهل المغربي لإعادة الدفء للعلاقات المغربية الإفريقية، بل إن القمامين (الذين يعيشون على فضلات الغرب) يسومون بلدانهم الخسف والإهانة هم أيضا يتململون من هذا التوجه، لذلك دعوا لوضع قبعة “الكوبوي” على رؤوس فقهاء المغرب للملاءمة والتعمية على أن الأمر يسير في نسق طبيعي، وسيكون من الواجب أن تقوم بذلك الجهات الرسمية أو شبه الرسمية التي تتكلف بتدين الناس وحماية ذلك التدين انطلاقا من أعراف سائر وقواعد مرعية.

وفي هذا الإطار أعلن أن الرابطة المحمدية للعلماء، “ستستعين بخبراء أمريكيين من أجل تنفيذ دورات تدريبية تمكن العلماء و”رجال الدين” من مختلف الآليات الفكرية والعلمية لمواجهة الفكر الجهادي المتطرف؛ والمستقدمون متخصصون في مجال الحماية الأمنية والفكرية، مضاف لهم خبراء من تونس وسوريا ومصر، وذلك لاقتراح خطاب بديل وتحيين معارف الممثلين الدينيين، وتمكينهم من مهارات من أجل مواجهة فكر “داعش” الذي اكتسح شبكات التواصل الاجتماعي، والتعرف على مواقفه وتصوراته وجرائمه التي يمارسها في العراق وسوريا وليبيا ودحضها ومقاومتها” (“جريدة أخبار اليوم”؛ ع:1709؛ 22/06/2015).

فإذا كان “الشمشام كامبيز” قد أراد تحويل دار الحديث الحسنية لمؤسسة لاهوتية، وتنقية المناهج الدراسية من كل ما يميز تدين المغاربة وهويتهم ونظامهم الاجتماعي والسياسي والثقافي لكي يتلاءم والعولمة المتوحشة التي لا ترى في الناس إلا الجانب الاستهلاكي، فإن الاستعمار الفرنسي سبقه لذلك بقرن من الزمن، حيث تبين له من خلال المواجهات الحربية والإصلاحات التقنية والتنظيمات الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وكل ماله علاقة باحتلال الأرض وإفراغها من سكانها، لتقام عليها حضارة غربية -قالت المصادر في ذلك الوقت إنها رومانية-، وذلك لضمان تغذية دول جنوب القارة العجوز وتزويدها بالخدم والجنود لضمان هيمنتها، وجعل البحر الأبيض المتوسط بحيرة لاتينية.

وقد ساعد في ذلك قمامون مغاربة فقهاء وصلحاء وتجار وصناع وحكام، لكن ووجهوا بأمثالهم مما جعل أحد العلماء يقول بأن الصليب انتصر على الهلال عند غزو المغرب، لكن الهلال استطاع الانتصار على الصليب بإعادة محمد الخامس لعرشه وتحقيق الاستقلال.

 

الفقيه المغربي؛ هل سيصبح «كبوي» (COWBOY) العالم؟

يقول محمد الخامس موصيا طلبة مدرسة مولاي ادريس التي أقامها ليوطي لتخريج وسطاء بين المعمرين والأهالي، أي قمامين يدورون معهم حيثما داروا: “نرجو منكم إذا واصلتم الجهود لتحصيل العلم الجديد الذي جئتم تجنون ثماره في هذه المدارس أن لا تضيعوا شيئا من مزايا أمتكم وأن لا تغفلوا لحظة عن هذه الحقيقة، إن من ضيع دينه ولغته وتقاليده الغالية ضيع كل شيء.

تعلموا وجدوا ما أمكنكم ولكن تمسكوا بدينكم الحنيف واحفظوا لغتكم وراعوا تقاليدكم القومية لتحظوا بالسعادة الأبدية” (خطاب: 9 ماي 1940).

ترى أين من يسلمون فقهاء المغرب لـ”ليانكي” يدربهم ويعلمهم ويصحح محفوظاتهم من هاته التوجيهات التي فاه بها محمد الخامس؟

بل أين هو المجلس العلمي الأعلى الذي يناط به هذا التدريب والتأطير؟

وأين هي وزارة الأوقاف ومندوبياتها ومجالسها المحلية؟

أم أن الجميع غائب في نظر “عبادي” الذي يرى في تحويل العلماء لرعاة بقر (كوبوي)، ومن هم هؤلاء الخبراء الأمريكيون الذين اختارهم سيادته بناء على معايير سرية لا يجب البوح بها؟ وكم يكلفون؟ ومن يؤدي تكاليفهم؟ وما هي المدة التي سيقضونها في المغرب؟

تجدر الإشارة أنه قبل قرن من الآن كان من شروط الاعتراف بمولاي حفيظ سلطانا أن ينكر الجهاد إنكارا رسميا يوجه في منشور يتلى في المساجد، كما أن وزير الخارجية الفرنسية صرح عندما دخلت قوات الغزو مدينة وجدة بأن فرنسا دخلت المغرب لتبقى فيه، وكذلك قال قائد القوات الفرنسية بعد توقيع الحماية ورفع الراية الفرنسية بفاس “أن عاصمة المغرب اليوم أصبحت تحت حمايتنا الفتية التي انغرست في المغرب دون رجعة”.

القمامون بالمغرب ليسوا “أولاد اليوم” سواء كانوا وزراء أو رؤساء أو براحين ونكافة وديوتيين، ولكنهم كانوا دائما موجودين يقدمون الخدمات الدنيئة مقابل القمامة التي تترك لهم، ومن بين هؤلاء الذي أجابوا عن سؤال وجهته الإقامة الفرنسية في المغرب سنة 1914 إلى علماء العالم الإسلامي ومتصوفتها، تلتمس جوابا عن بطلان الخلافة العثمانية وعدم شرعيتها، هاته الخلافة التي قال الرسول عليه السلام عن أحد خلفائها الذي فتح القسطنطينية “نعم القائد ذلك القائد ونعم الجيش ذلك الجيش“.

يقول ابن المواز في جوابه حول الخلافة العثمانية، متحدثا عن فرنسا:

“ومعلوم أن الدولة الفرنسية هي أحرص على الوفاء بالعهد وحفظ الأوفاق ومراعاة الحقوق الإنسانية ومحبة السياسة السلمية على حسب ما تقتضيه، المشهورة في العالم بكمال التمدن ونشر المعارف وتقرير الراحة والحرية قولا وفعلا، وعدم إهمال الحقوق الإنسانية مع رفقها بالرعايا والمحميين وبناء قوانين الاستعمار على حفظ قواعد الأهالي وعوائدهم وديانتهم على حسب مراتبهم وأقدارهم ومزاياهم.

فالأمة التي تكون موصوفة بهذه الأوصاف كيف يسوغ لغيرها أن يظن بها تقصير أو جحود للحقوق في معاهداتنا؟”.

لقد نسي الشيخ المفتي الجرائم التي اقترفتها فرنسا في المغرب، والتي كان شاهدا عليها في كل من الدار البيضاء وسطات وتافيلالت وبني يزناسن وغيرها من مناطق المغرب التي اجتاحتها الجيوش الفرنسية، حارقة الأخضر واليابس.

لاشك أن مثل هذا سيقال عن خبراء العم سام القادمون لتدريب الفقهاء المغاربة على أساليب المواجهة على صفحات التوصل الاجتماعي للدفاع عن أمريكا وليس المغرب ولا النظام المغربي، وهو ما فعلته فرنسا عندما سيرت آلاف المغاربة للدفاع عنها ضد الاحتلال النازي دون جزاء ولا شكور.

والخلاصة: أن ما قام به عبادي من تطاول على اختصاصات مؤسسة منظمة بقانون تحت نظر أمير المومنين، ووزارة وصية على قطاع الشأن الديني لا تتوانى في إلحاق العقاب عمن يخرج عن دليل الإمام ونظر موظفيها ومقدميها، لا يستلزم فقط المساءلة، وإنما يجب على الحكومة اتخاذ المتعين مع من يستجلب خبراء لتغيير الثوابت التي تعارف عليها المغاربة ويعرض أمنهم للخطر باستجلاب عناصر من بؤر التوتر للعمل على تدريب فئات من الناس لا يعرف مآل تحركهم ولا أهدافهم.

إن ولاء العلماء لم يكن خارجيا في أية حقبة من حقب التاريخ، ولذلك كانوا سدى ولحمة استقلال المغرب وسيادته، وكانوا دائما سباقون للدفاع عن الشرعية الوطنية والدينية، ولولا ذلك الاستقلال والحرية، ما كان ذلك التلاحم الخالد مع الملك محمد الخامس لإعادته لعرشه، في زمن موضة الانقلابات التي كانت تطيح بالعروش والرؤساء، فكان العلماء الأحرار في واجهة الصراع يذبون عن الدين كأساس لكل شرعية، في غير ما حاجة لا للفرنسيين ولا للميركان، فإذا كان تفويت الشأن الديني في مطلع العشرية للشمشام كامبيز شكل فضيحة، فإن التعاقد مع الخبراء الأمريكان ومن والاهم من القمامين العرب خارج النظام، ليس فقط فضيحة وإنما هو كبيرة إن لم نقل جريمة، والله لا يهدي كيد الخائنين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M