ما استوعبت درس سلفك يا سيسي

29 يوليو 2013 02:00

د. رشيد نافع

هوية بريس – الأحد 28 يوليوز 2013م

اعلم أيها الفرعون الصغير أنك لست خالدا في منصبك، الأيام دول، وكم من رجال قبلك ظنوا أنهم باقون إلى الأبد، فداستهم الأيام بأقدامها، توهموا جنى ظلمهم دائما فجاءت العدالة وسحقتهم.

توهموا أن السوط سيبقى في أيديهم يلهبون به ظهور الأبرياء فإذا الأبرياء الضعفاء ينتزعون السوط ويلهبون به ظهور الطغاة المستبدين، وقد رأينا مصارع الظالمين ونهايات المستبدين، فما دام طغيان ولا استمر استبداد، فلا تتوهم أن الغرب وأذنابه سيبقون حلفاءك دائما، فقد تبقى المشنقة التي شنقت بها خصومك لتعلق فيها، وتبقى السجون التى ملأتها بمعارضيك لتسجن فيها.

أنت لا تستطيع أن تلوث الشرفاء وتحطم الأكفاء وتدفن الحقائق، ولا تتوهم أنك قادر على إخضاع الأحرار بطغيانك واستبدادك، ولا تصدق المنافقين حولك الذين يشيدون بعظمتك ويتحدثون عن عبقريتك فهم منافقوا كل سلطة، وكذابوا كل زفة، وعبيد لكل طاغية، إنهم يجتمعون معك في جبروتك وينفضون عنك في هوانك، إنهم يقفون أمامك راكعين يحنون رؤوسهم وهم في قرار أنفسهم يحتقرونك ويهزأون بك.

إن أهلنا في أرض الكنانة وهم يواجهون هذه الحملة الشرسة، والتي جعلت العالم الإسلامي مجرد هدف للقمع العسكري البوليسي بوصفه بؤرة للإرهاب، وأنه أصبح عدواً يهدد النظام العالمي مما جعل هذا مبررا للنظام العسكري بأن يتدخل بشكل سافر لخدمة أجندات أسياده الذين اشتروا ذمته وأتخموه بملايين الدولارات حتى ظهرت آثار تلك التخمة على قراراته العشوائية، وكما قيل إذا امتلأت البطنة ذهبت الفطنة.

اعلم ياسيسي يا شقيق بشار في القتل أن أهلنا في مصر وهم يواجهون هذا العدوان السافر المتجرد من القيم والأخلاق الإنسانية والمخالف لجميع القوانين الدولية ولعبة الديمقراطية المزيفة المفروضة بلغة الرصاص، أن تتذكر سنة الله في الطغاة والمستكبرين؛ وكيف كان مصيرهم
وها أنذا أذكرك.

لقد ذكر الله قصة فرعون في القرآن مرات عديدة، وبصور شتى، وما ذلك إلا أن البشر تبتلى دوماً بطغيان فرعون وتجبّره، فإن طغيان فرعون نموذج لطغيان السلطة الطاغية الظالمة. فالإنسان المتجرد من التقوى والصلاح إذا ترأس وكان ذا قوة فإن من عادته أن يطغى ويعيث في الأرض الفساد، فالطغيان والبغي يولد معه الفساد والظلم كما قال تعالى: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ) (الفجر:10-12)، جاء في تفسير هذه الآيات الكريمات: “وفرعون ذي الأوتاد: أي الجنود والعساكر والجموع التي تشد ملكه.. طغوا: أي تمردوا وعتوا وتجاوزوا القدر في الظلم والعدوان، فأكثروا فيها الفساد أي الجور والظلم”، وهذه الصورة تتكرر مع كل سلطة ظالمة، وهي أوضح ما تكون في الوجه البشع الكالح للحكم الأمريكي والذي انتشر شره وفساده في أرجاء المعمورة.

والطغاة في غالب الأمر لا يجد معهم النصح والإرشاد فقد أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون، فجاءه موسى وناداه بأعذب وأرق الألفاظ ليستلين قلبه فلعله يخشى قائلا له: (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى) (النازعات:18-19)، ولكن عمى الطغيان ران على قلب فرعون، فكان الرد (فكذب وعصى، ثم أدبر يسعى)، أدبر يسعى في الكيد والمحاولة، فحشر السحرة والجماهير، ثم انطلقت منه الكلمة الوقحة المتطاولة، المليئة بالغرور والجهالة: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)، قالها الطاغية مخدوعاً بغفلة جماهيره، وإذعانها وانقيادها؛ فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها، وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانا؛ إنما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب! وتمد له أعناقها فيجر! وتحني له رؤوسها فيستعلي! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغ !

والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى، وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم، فالطاغية -وهو فرد- لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين، لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها، وكل فرد فيها هو كفء للطاغية من ناحية القوة ولكن الطاغية يخدعها فيوهمها أنه يملك لها شيئا! وما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبدا؛ وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبدا، وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها وتؤمن به وتأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرا ولا رشدا !

فأما فرعون فوجد في قومه من الغفلة ومن الذلة ومن خواء القلب من الإيمان، ما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرة الفاجرة: (أنا ربكم الأعلى).. وما كان ليقولها أبدا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة، تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء. وإن يسلبه الذباب شيئا لا يستنقذ من الذباب شيئا !

وهؤلاء الطغاة تنقلب عندهم الموازين، وتتبدل لديهم المفاهيم فيرى الصلاح شرا، والشر خيرا؛ بل إن الطاغية أشد ما يواجه هي القيم الرفيعة والمبادئ السليمة والتي تقف حاجزاً في طريق طغيانه، فلا بد لهذه القيم أن تتغير، والموازين تزور، والتصورات توجه؛ كي تقبل صورة الطغيان البشعة وتكون مستساغة لدى الرأي العام.

وقد حكى الله عن فرعون أنه لما أراد قتل موسى عليه السلام تعلل بقوله: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر:26)، وهذه دائماً أقوال الطغاة فهي تتشابه في المعنى وإن كان لكل طاغية مصطلحاته وأسلوبه الخاص في التمويه على الناس، ومحاولة إقناعهم بكلمات يلوكونها بألسنتهم ثم يلفظونها، لا تستند على دليل شرعي أو منطق عقلي أو برهان حسي؛ فالباطل لا يستطيع أن يدمغ الحق بالحجة والدليل، وإنما هو التمويه والتظليل في تمرير مخططاته وتنفيذ شروره عن طريق إلباس الحق لبوس الإجرام والإرهاب.

وقد جرت العادة أن الطغاة هم الذين يقررون ويأمرون وينهون، وإلا فلم كان طاغية! فهذا فرعون يقول لقومه: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: من الآية29) فهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيه؟ هل يسمح لأحد أن يرفع “الفيتو” ضد رأي هذا الطاغية؟ إنه مبدأ الطغيان والاستكبار والتسلط في فرض الرأي وإقناع الآخرين بأن الحق ما أراه.

ولا بد لهذا الطاغية من حاشية تسند رأيه وتصوبه؛ بل وتحرضه على مطاردة الصالحين بحجة القضاء على محور الشر والفساد. فهؤلاء حاشية فرعون وهم الملأ يقولون لفرعون: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَك)، فالطاغية وحاشيته دائماً في تآمر وتناجي بالأثم والتحريض. فالملأ الحاشية يهيجون الطاغية، ويخوفونه عاقبة التهاون، من ضياع الهيبة والسلطان. فيزينون له سوء عمله، فتراه هائجا مائجا، مستعزا بقوته الغاشمة التي بين يديه، وبالسلطان المادي الذي يرتكن إليه، مستجيبا لصوت الباطل قائلاً:  (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) (لأعراف:127).

ولا يهتم غالباً الطاغية بمظاهرات الجماهير المناوئين لرأيه. فبعض الجماهير المبلطجة قد يستميلها الحق. إلا أن الطاغية يبذل كل ما في وسعه ليجذب هذه الجماهير إلى رأيه. فيستميلها بمنطق خلاب خادع، وإعلام ساحر يزيف الحقائق ،يروج لرأي الطاغية المتسلط . فهذا فرعون عندما رأى من قومه استمالة للحق، نادى فيهم قائلاً: (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِين، فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) (الزخرف:51-53)، ففرعون يحاول أن يتحكم في تفكيرهم، وينفث في روعهم أنه خير وأفضل.

ويستخدم المؤثرات المصطنعة ويعيدها ويكررها حتى ينسيهم حقيقة الأمور، عندها ينقادون لأمره ويطيعونه، ويصوتون لرأيه:  (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الزخرف:54)، ولا يملك الطاغية أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم مغررون لا يستقيمون على طريق، ولا يمسكون بحبل الله، ولا يزنون بميزان الإيمان؛ فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح.

جزاء الطغيان:

إن الشر مهما استعلى وطغى وبغى فلا بد له من نهاية مريرة. والطغاة قد تخدعهم قوتهم وسطوتهم المادية، فينسون قوة الله وجبروته، فيهلكهم الله عز وجل. فالبغي إذا تمرد وتكبر فإنه يهلك نفسه بنفسه فيهيء الله المستضعفين المعتدى عليهم أن يسحقوا هذا الباطل الأشر كما حكى الله عن بني إسرائيل:  (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5).

فدلت هذه على أنه حين يتمحض الشر والفساد ويقف الخير عاجزاً لا يستطيع دفع صائل الطغي والتجبر فإن الله يهيء سببا يهلك به هذا الطاغية. وهكذا كانت نهاية فرعون: (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ) (الفجر:13-14) فهذا مصير كل طاغية، وتأمل قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) فهو سبحانه يرصد عمل هذا الطاغية وكل إنسان حتى يجازيه، فالله عز وجل راصد لا يفوته شيء. مطلع على تمرد هذا الطاغية وتسلطه. فليطمئن قلب المؤمن ولا يوجل، فإن الله معه راصد للطغيان والشر والفساد.

وليس العذاب فقط عذاب أخروي؛ بل هو دنيوي أيضاً كما قال الله تعالى: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) وإن كان نكال الآخرة هو النكال الحقيقي الأشد والأبقى، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)، فإذا كان هذا ما حدث مع الطاغية فرعون صاحب السلطة والنفوذ والذي قد ملئ الأرض فسادا فكيف بمن كان غيره؟ إنها سنة الله في الطغاة . ولكن لا يدرك هذا إلا من يخشى الله عز وجل.

ومن سنة الله مع الطغاة أنه يمهلهم في غيهم وطغيانهم (وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (الحج:48)، فيستدرج الله الطغاة ليزدادوا إثماً (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (القلم:44-45)، فالله سبحانه وتعالى يمهل لهؤلاء الطغاة ويمدهم بأسباب القوة، والقدرة على الحرب كيداً ومكراً بهم لا حباً لهم ونصراً، ثم يأخذهم على حين غرة وثبت في الحديث: “إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته “. إنها مسألة وقت ” ولكنكم تستعجلون. 

أيها الفرعون الصغير هل ستتعظ بمصير فرعون الكبير؟؟؟؟؟؟ 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M