أيها الزائر غيره احذر أن تأكل باطلا أو تكون ضيفا ثقيلا..

03 أغسطس 2015 17:27
أيها الزائر غيره احذر أن تأكل باطلا أو تكون ضيفا ثقيلا..

أيها الزائر غيره احذر أن تأكل باطلا أو تكون ضيفا ثقيلا..

د. محمد بولوز

هوية بريس – الإثنين 03 غشت 2015

جاء في الحديث الصحيح عَنْ أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه عن رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: (مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخرِ، فَلْيَقُلْ خَيراً أَوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله واليَوْمِ الآخِرِ، فَليُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) رواه البخاريُّ ومُسلمٌ.

فممَّا أمر به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المؤمنين: إكرامُ الضيف، والمرادُ: إحسّانُ ضيافته، وفي قصة إبراهيم عليه السلام مع ضيوفه قدوة من نبي كريم قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ، إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ، فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ}، قال ابن كثير رحمه الله تعليقا على الآية: هذه الآية انتظمت آداب الضيافة؛ فإنه جاء بطعام من حيث لا يشعرون بسرعة، ولم يمتن عليهم أولاً فقال: نأتيكم بطعام، بل جاء به بسرعة وخفاء، وأتى بأفضل ما وجد من ماله، وهو عجل فتي سمين مشوي، فقربه إليهم لم يضعه وقال: اقتربوا، بل وضعه بين أيديهم، (…) (و) قال: {أَلا تَأْكُلُونَ} على سبيل العرض والتلطف، (…) وقوله عز وجل: { فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ } أي انسل خفية في سرعة {فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } أي من خيار ماله، وفي الآية الأخرى:{ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69]؛ أي مشوي”.

قال عبد الله بن عمرو: مَنْ لم يُضِف (من الاستضافة)، فليس مِن محمَّدٍ، ولا من إبراهيم عليهما السلام.

وبخصوص مدة الضيافة التي حددها الشرع تبدأ بالوجبة الواحدة واليوم والليلة إلى ثلاثة أيام، ففي “الصحيحين” من حديث أبي شُريح، قال: أبصَرَتْ عيناي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وسمعتهُ أذنايَ حينَ تكلَّم به قال: (مَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليوم الآخر، فليُكْرِمْ ضيفَه جائزته)، قالوا: وما جائزته ؟ قال: (يَومٌ وليلة) قال: (والضيافةُ ثلاثةُ أيام، وما كان بعد ذلك، فهو صدقة) .

وأريد أخي القارئ أختي القارئة، أن نمعن النظر في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان فوق ثلاثة أيام بأنه صدقة، فهو من جهة طمأنة لمستقبل الضيوف بأنه لا شيء يضيع عند الله فما أكله الضيوف بعد جائزتهم وبعد ثلاثة أيام فيه أجر وثواب الصدقة، وإن كان أولئك الضيوف ليسوا من الفقراء والمساكين وممن تجوز لهم الصدقة، وهو كذلك صدقة وإن كان كارها مقامهم فوق ثلاث واستحيى الاعتذار منهم، وإلا كما قال بعض الفقهاء فالتعبير بالصدقة يعني ما كان بعد الثلاث: فهو صدقة، ومعروف، إن شاء فعل، وإن شاء ترك.

والمهم النظر في معنى التعبير النبوي بالصدقة في حق الزائر والضيف، بحيث يتأكد أن ما يأكله بعد ثلاثة أيام إنما هو أكل للصدقات وخصوصا إذا لم تتجدد مع انتهاء المدة دعوة حقيقية صادقة من المضيف من غير مجاملات واستحياء، فينظر الزائر هل هو من أهل الصدقات ومستحقيها، وقد حدد الله تعالى في كتابه مستحقيها ومن عداهم إنما يأكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(التوبة:60).

فهل أنت أيها الضيف المستحلي المقام عند غيرك فوق ثلاث من هؤلاء الأصناف؟

واحذر، قال النووي في المجموع في شأن صدقات التطوع: “ويستحب للغني التنزه عنها، ويكره التعرض لأخذها… ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة”. انتهى من “المجموع” (6/236).

وقال تعالى: “وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ“، وفي الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم: (لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ) رواه مسلم.  

والأصل الذي يجب أن يعلم تجنب إحراج من يضيفوننا ويتفضلون باستقبالنا في بيوتهم، خرَّج مسلم من حديث أبي شُريح أيضاً، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (الضيافة ثلاثةُ أيَّام، وجائزتُه يومٌ وليلةٌ، وما أنفق عليه بعد ذلك، فهو صدقةٌ، ولا يَحِلُّ له أنْ يَثْوِي عندَه حتى يُؤْثِمهُ)، قالوا: يا رسول الله وكيف يُؤثِمُهُ؟ قالَ: (يُقيم عنده ولا شيءَ لهُ يقرِيه به). وعموما لا يقيم عنده حتى يحرجه ويضيق عليه.

ففي هذه الأحاديث أنَّ جائزة الضيف يومٌ وليلةٌ، يُكرمه ويُتحفه ويخصه ويميزه عن حاله المعتاد بحسب قدرته واستطاعته من غير عنت ولا تكلف، وأنَّ الضيافة ثلاثةُ أيام، يكرمه في اليومين المتبقيين بما يكرم به أهله وذويه، وقد جاء النهي عن التكلف للضيف بما ليس عند الإنسان، فإذا لم يكن عنده فَضلٌ لم يلزمه شيءٌ، وأما إذا آثَرَ على نفسه، كما فعل الأنصاريُّ الذي نزل فيه قوله تعالى: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ” فذلك مقامُ فضلٍ وإحسّان، وليس بواجب.

والضيوف عموما كل من لا تجب نفقتهم على الانسان، وأما من تجب نفقتهم فلا يعدون ضيوفا كالأصول والفروع وخصوصا منهم المحتاجون ويمتعون بالجائزة (أي التفضيل والتمييز بيوم وليلة) وأكثر من ذلك.

ولا شك أن الزائر بحاجة إلى تعلم واستحضار جملة أمور حتى لا يسبب تضييقا وحرجا لمن يزورهم، من ذلك الاستئذان والتأكد من رضى المستقبلين، ومناسبة وقت الزيارة، وعدم ارباك برامجهم الخاصة كحقهم في العطلة والسفر أيضا، وقد تيسرت في زماننا سبل ذلك من الهاتف ونحو، وعدم الخلوة بمن لا يحل له من الأقارب كبنت العم وبنت العمة وبنت الخال وبنت الخالة وفي الذكور للإناث مثل ذلك، وزوجة الأخ والعم والخال ونحو ذلك، والاحتياط للعورات، والاختلاط الماجن، وكذا التأكد من سعة المكان وقدرات وإمكانات المستقبل، وحتى إذا كان الأمر بدعوة ورضى كامل فيستحسن مصاحبة هدايا وحتى المساهمة في بعض المصاريف والنفقات وليستحضر الزائر أنه لو توجه إلى الفندق والمنتجع السياحي فسينفق أضعاف أضعاف ذلك. وكما يقال في لساننا الدارج: “الله يرحم لي زار وخفف”.

وأما من ابتلي بمن لا يفهم آداب الزيارة ولا يقدر ظروف الناس فله أن يستعين بغيره من الأقارب وغيرهم من الناس حتى يكلموا الزائر لمعرفة تلك الآداب وتقدير الأحوال.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M