بين محراب المسجد ومحراب الحياة

07 أغسطس 2015 20:07
بين محراب المسجد ومحراب الحياة

بين محراب المسجد ومحراب الحياة

الشيخ عمر القزابري

هوية بريس – الجمعة 07 غشت 2015

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه اجمعين، أحبابي الكرام:

سؤال يطاردنا دائما، لماذا تتميز الأمم الأخرى بالإتقان، في الصناعة في الزراعة في النظام، بينما نحن في مؤخرة الركب؟..

ننظر فنجد أنفسنا عالة على تلك الأمم، وحتى في محاولتنا الإجابة عن هذا السؤال نبعد النجعة، فنلجأ إلى إجابات تتعلق بظواهر الأشياء، كتغير النظام التعليمي، أو إنشاء المصانع.. أو ما شابه ذلك، ولا نلامس السبب العميق، وهو :بنية الوعي المسلم المرتبط بالقرءان.. ففي هذه البنية القرءانية، بعد التأمل والتدبر، نجد أن مهمة الإنسان العبادة، وجوهر هذه العبادة إعمار الكون باسم الله، ذكر لله، وعمل متقن.. وإننا إذا نظرنا اليوم في بنية العقل المسلم، نجد انفصاما بين عروة العبادة الصرفة، وعبادة إعمار الكون.

لقد انحصر مفهوم العبادة عند أغلبنا داخل جدران المسجد، أو في الزكاة، أو في الحج، والعمرة.. فمع عظمة هذه الشعائر، إلا أن العبادة بمفهومها الشامل، هي اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين)، حين يختفي المعنى الكامن في هذه الآية، يختفي النشاط في مرافق الإنتاج، من مصنع ومزرعة ومتجر وجامعة ومركز بحث، وغير ذلك، أو ينفصل عن تلك الصلة العميقة التي أمر بها القرءان.

إن غياب المسلمين اليوم عن صناعة الحياة مرده لتقزم المفاهيم الكبرى في القرءان، وأولها مفهوم العبادة، لقد قبع أغلبنا في زوايا ضيقة، وانشغل آخرون بفهوم مغلوطة، نتج عنها تطرف وقتل وترويع.. وآخرون أسلموا أنفسهم للخرافات والبدع، وتركنا صناعة عمارة الأرض، للأمم الأخرى، الذين ارتقى عندهم مفهوم العمل، حتى أصبحت الجودة عنوانا لأعمالهم، فحصلوا السبق في صناعة الحياة، وتراجعنا نحن، بل لم نعد قادرين على نفع أنفسنا، أو رد عدوان أعدائنا.

لقد قزمنا مفهوم العبادة حتى أصبح المسلم لم يعد يرى أن الصناعة والزراعة والبحث العلمي هي وجوه للعبادة الشاملة، واليوم في لحظتنا الحاضرة، تريد الأمة الخروج من مأزقها الحضاري، وما لم يستعد معنى العبادة قامته في وعينا وفي خطابنا، فلا أمل في التقدم والحياة الكريمة، التي يكون فيها المسلم عزيزا كريما مرفوع الرأس كما أراد له الله،

لقد دعا الله المسلمين إلى إعداد القوة لإعطاء رسالة لكل من ينوي الاعتداء، أن إذلال المسلم أمر صعب المنال، (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم).

وقولوا لي بربكم كيف يكون الإعداد اليوم، إن لم يكن لنا نصيب من العلوم المعاصرة في جميع المجالات.. وليس الإعداد المطلوب هنا، مجرد الإعداد المتعلق بالسلاح فقط، بل هو إعداد علمي ومعرفي واقتصادي وسياسي وتخطيطي، فكل هذا داخل في القوة المطلوب منا إعدادها (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، الانكماش والاعتزال والدروشة والرهبانية، أمور لن تقدم لديننا نصرا، ولن تحقق لأمتنا عزا.. وإنما المطلوب المزاحمة على علوم العصر، في ما لا يتعارض مع القرءان، ولعل في بداية الوحي بـ”اقرأ“، وإتباعها بـ(ن والقلم) لعل في ذلك ما فيه من عنصر تحريك الهمة نحو العلم والبحث، اللذان بهما ترقى الأمم، وتزدهر الشعوب، ومن ثم فإن أمتنا مطالبة بإحياء مجالات العلم الرصين الذي ينطلق من القرءان ليصل إلى آفاق لا حصر لها، من العلوم التي من خلالها نسترد مكانتنا، ونستعيد قيادتنا، والمسؤولية في ذلك تقع على الجميع دون استثناء..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M