الإضراب عن الطعام بين «الضرورة» السياسية والحكم الشرعي
ذ. الحسن العسال
هوية بريس – الخميس 17 يوليوز 2014
لقد عم الإضراب عن الطعام العالم، وعده العلماء من النوازل التي تحتاج إلى اجتهاد، لذا وجب بذل الوسع في معرفة حكم الشرع فيه، خصوصا فيما يؤدي للموت، أي ما يسمى الإضراب عن الطعام المفتوح، حتى لا يقع المظلوم في المحظور الشرعي فيخسر الدنيا والآخرة.
تعريف
الإضراب عن الطعام هو الامتناع عن بعض أو كل أنواع الطعام أو الشراب أو هما معاً، مدة محددة أو مفتوحة، للمطالبة بحقٍ ما لدى طرف ثانٍ.
وهو وسيلة من وسائل المقاومة السلمية أو الضغط السياسي، إذ يكون المشاركون فيه ممتنعين عن الطعام كعمل من أعمال الاحتجاج السياسي، أو ربما يكون لإشعار الآخرين بالذنب. وعادة ما يصاحب هذا الإضراب هدف محدد يسعى المضرب لتحقيقه، ومعظم المضربين عن الطعام لا يضربون عن السوائل، بل عن الطعام الصلب فقط.
ومن بين أسمائه «معركة الأمعاء الخاوية» و«إرادة الموت» و«إعلان التمرد السلبي» و«التدمير الذاتي».
نبذة تاريخية
يعود تاريخ الإضراب عن الطعام إلى ما بين 400 و750 سنة قبل الميلاد خصوصا في إيرلندا والهند، وكان الهدف الأول للإضراب عن الطعام في ذلك الوقت استرداد الديون، أو الحصول على العدالة.
وكان «المهاتما غاندي» أشهر المضربين عن الطعام احتجاجا على الاستخراب البريطاني للهند.
وكانت أول امرأة أضربت عن الطعام هي البريطانية «ماريون دونلوب» سنة 1909 احتجاجا على عدم إعطاء المرأة الحق في الاقتراع، وقد أُطلق سراحها لأن السلطات لم ترغب في إظهارها بمظهر الشهيدة.
الإضراب عن الطعام في فلسطين
في فبراير 2012 بدأ ما يقرب من 1800 سجين فلسطيني محتجزين في السجون الصهيونية إضراباً جماعياً عن الطعام احتجاجا منهم على تطبيق الاعتقال الإداري، وتتضمن مطالب المضربين عن الطعام حق الزيارات العائلية للسجناء من غزة، وإنهاء تمديد الحجز الانفرادي، وإطلاق سراح المعتقلين إداريا.
وبعدما عبّر كل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، واللجنة الدولية للصليب الأحمر عن قلقهما من ظروف المضربين عن الطعام، توصل السجناء مع السلطات الصهيونية في 14 ماي إلى اتفاق بوساطة مصرية وأردنية، على إثر طلب رسمي من محمود عباس، وافقت بموجبه اللقيطة الصهيونية على تقصير مدة الاعتقال الإداري إلى 6 أشهر فقط، عدا حالات تظهر فيها أدلة جديدة ضد المشتبه به، كما وافقت على زيادة الزيارات العائلية، وعلى إعادة المحتجزين انفرادياً إلى الزنزانات العادية، كما تم التوصل أيضاً إلى اتفاق لزيادة النقاشات حول تحسين ظروف السجن، وقد صرحت «حنان عشراوي» من المجلس الوطني الفلسطيني بأن المضربين عن الطعام «قد أثبتوا فعلا أن المقاومة السلمية أداة أساسية في نضالنا من أجل الحرية».
الإضراب عن الطعام في المغرب
ذكرت لجنة الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، في بيان لها، أن المعتقلين الذين أدينوا في قضايا «إرهاب»، أضربوا عن الطعام، لتحقيق مطلبهم في عزلهم عن معتقلي الحق العام، وتمكينهم من حقوقهم داخل السجن.
وأشارت إلى أن إدارة السجن تعاملت معهم بكل قسوة، وواجهت إضرابهم بشتى أنواع الاستفزاز والتضييق، بدء بمحاصرتهم وعزلهم في زنازين عقابية ضيقة جدا قصد ثنيهم عن الإضراب، وتوزيعهم جميعا، إذ زج بكل اثنين منهم في زنزانة مكتظة بسجناء الحق العام، في ظروف بئيسة، من دون أن توفر لهم مكانا للنوم، وهددت سجناء الحق العام بالعقوبة، إذا قاموا بمساعدتهم إمعانا في إذلالهم والضغط عليهم ليتخلوا عن مطالبهم المشروعة، بدل فتح حوار معهم.
وقالت اللجنة: إن المندوبية العامة لإدارة السجون مازالت تقوم بإبعاد المعتقلين الإسلاميين نحو سجون بعيدة عن المدن التي تقيم فيها عائلاتهم، وطالبت إدارة السجن بالكف عما وصفته بـ«سياسة النفي والإبعاد والتضييق والاستفزاز، واللامبالاة، والتجاهل والتعذيب التي ينهجها مدير والسجون»، كما طالبتها بالكف عن سياسة خلط المعتقلين الإسلاميين مع سجناء الحق العام التي ترمي، من وجهة نظرها، إلى «طمس خصوصية ملفهم وهضم حقوقهم»، وحملتها مسؤولية تردي الوضعية الحقوقية للمعتقلين الإسلاميين بكل السجون، وفتحها لحوار جدي ومسؤول معهم. وذكرت اللجنة أن معتقلين آخرين بسجني المحمدية وفاس بدأوا بدورهم إضرابا عن الطعام.
وفي أوائل نونبر 2013 توفي المعتقل الإسلامي محمد بن الجيلالي جراء إضرابه عن الطعام، وعلى الرغم من احتجاج بعض المنظمات الحقوقية، والمقربين من الفقيد، فقد خرجت السلطات من القضية، وكأن شيئا لم يكن، لا لشيء إلا لأن المعتقل إسلامي، لا بواكي له داخليا أو خارجيا.
وعلمت اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين أن المعتقل الإسلامي المضرب عن الطعام حسن زروق القابع بسجن بوركايز بفاس تحت رقم 21780 فقد وعيه يوم الإثنين 07-07-2014 وقد تم إسعافه داخليا، وذلك بنقله لمستوصف السجن ولم يتم إخراجه إلى المستشفى، علما أن حالته الصحية بدأت تتدهور بشكل ملحوظ وسط إهمال طبي وعدم مبالاة بمطلبه البسيط والمشروع.
يذكر أن المعتقل الإسلامي حسن زروق المرحل من سجن سلا 2 إلى سجن بوركايز بفاس قد دخل في إضراب مفتوح عن الطعام منذ يوم الثلاثاء 24-06-2014 احتجاجا على الزج به وسط معتقلي الحق العام في وضع كارثي لا يطاق، وللمطالبة بنقله إلى الجناح المخصص للمعتقلين الإسلاميين بنفس السجن.
وفي خضم هذا الوضع المزري للسجناء الإسلاميين أكد وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، يوم الثلاثاء 8 يوليوز الجاري بالرباط، أنه «لا يمكن أبدا القول إن التعذيب يمارس اليوم بصفة ممنهجة في المغرب»!
وأوضح الوزير، ردا على سؤال شفوي بمجلس المستشارين حول استمرار ظاهرة التعذيب بالمغرب، «أنه بالمقابل لا يمكن إنكار أن بعض الأشخاص القائمين على تنفيذ القانون يقومون بممارسات توصف بالتعذيب»، مضيفا أن «هذه الممارسات تأتي بمبادرة فردية منهم وهي ممارسات إجرامية يجب المحاسبة عليها».
وأكد الرميد أنه حرص منذ توليه الوزارة على إصدار تعليمات واضحة وصريحة للبحث في كل الادعاءات المتعلقة بالتعذيب، مشيرا إلى أنه غالبا ما يتعذر التوصل إلى وسائل إثبات إزاء من يدعى عليه أنه مارس التعذيب وأن الوزارة توقفت عند ادعاءات كاذبة لأشخاص بشأن تعرضهم للتعذيب.
من جهة أخرى، وجه الوزير الدعوة للبرلمانيين لتشكيل لجنة تقصي حقائق برلمانية بشأن ما يقول البعض إنه «تقاعس للقضاء في البحث في وقائع ترتبط بالتعذيب».
ولكن في المقابل يشتكي الكثير من السجناء في السجون المغربية من التعذيب الممنهج، وعلى رأس هؤلاء عدد من معتقلي ملف ما يسمى «السلفية الجهادية».
شروط نجاح الإضراب عن الطعام
ويذكر بعض الباحثين في هذا الموضوع أن لنجاح الإضراب عن الطعام شروطا؛ أجملها عبد الله آل سيف في سبعة وهي:
1- التنسيق المسبق مع وسائل الإعلام، وإبلاغهم بموعد الإضراب لتحصل له تغطية إعلامية.
2- تطويل مدة الإضراب بقدر الإمكان من خلال تعليق الإضراب أحياناً، أو شرب الماء والملح والسوائل والفيتامينات.
3- ترتيب اعتصامات وتجمهرات ومظاهرات وفعاليات إعلامية في أماكن بارزة تضامناً مع الإضراب وتغطيته إعلامياً كما يحصل كثيراً في فلسطين تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين.
4- دعوة الوفود العالمية للحضور والمشاركة في الفعاليات.
5- إجراء مقابلات صحفية مع ذوي الأسرى والتحدث عن مآسيهم.
6- إرسال البرقيات للجهات المعنية الداخلية والخارجية وطلب اتخاذ موقف.
7- إقامة إضرابات تضامنية مع إضراب الأسرى ونحوهم.
لكن ليس كل مرة تسلم الجرة، لأن السلطات المحتج عليها لا تستسلم بسهولة لمطالب المحتجين، بل تلجأ للإطعام القسري كما حدث سنة 1909 للواتي حذون حذو «ماريون دونلوب» في الإضراب عن الطعام مطالبات بحق اقتراع المرأة، مما دفع سلطات السجن إلى إخضاعهن للإطعام القسري، فنتج عن ذلك أن توفيت كل من «ماري كلارك» و«جين هيوارت» و«كاثرين فراي» وغيرهن.
وقد استعملت سلطات السجن الأمريكية هذا الإطعام القسري في السجن الرهيب «غوانتنامو»، كما استخدمته سلطات الانقلاب في مصر مع أحد صحفيي الجزيرة عبد الله الشامي.
وقد تهمل السلطات المضرب عن الطعام إذا لم تتوفر الشروط آنفة الذكر، مما يؤدي بالمضرب إلى التخلي عن الإضراب، أو إلى الموت.
حكم الإضراب عن الطعام
يرى الشيخ العثيمين رحمه الله أن من مات من الإضراب فهو قاتل نفسه، حكمه حكم المنتحر، أما إذا لم يصل لحد الموت، وكان هو السبب الوحيد لخلاص نفسه من الظلم، أو لاسترداد حقه فلا بأس بذلك.
أما الشيخ الألباني رحمه الله فيعتبر الإضراب عن الطعام عادة أجنبية كافرة لا يجوز للمسلم أن يتخذها وسيلة لعدم رضاه عما يصدر عن الدولة، كما يعتبر أن هذا الإضراب تشبه بالكفار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن مجرد الوصال في عبادة الصيام، فمن باب أولى أنه لا يجوز في غير العبادة. أما الدكتور القرضاوي فجوزه.
لهذا خلص عبد الله آل سيف في كتابه: «حكم الإضراب عن الطعام في الفقه الإسلامي» إلى أن الإضراب عن الطعام قد اختلف العلماء في حكمه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: التحريم المطلق.
والثاني: الجواز المطلق.
والثالث: التفصيل وهو قول جمهور العلماء المعاصرين.
أي أنه يجوز ما لم يصل لمرحلة الخطر أو الموت. ولا يصح تكييفه على أنه دفع للصائل؛ لأنه تعمد للموت في منأى عن العدو، ومدافعته المباشرة. كما اعتبر أن الصيام للتضامن مع المضربين بدعة محدثة لم يرد بها الدليل، والله أعلم.
وإن سرد ما يتعلق بالإضراب عن الطعام لا يعني تبنيه، بل المقصود إظهار مثالبه التي من بينها أن أصل هذه الوسيلة هو وسط غير إسلامي، بمعنى أنها وليدة ظروف خاصة بالبيئة التي نشأت فيها، فليس كل ما أتى به الآخر علينا الالتزام به كأنه وحي منزل، ومرتبطة بشروط يتحكم فيها الماسكون بزمام الأمور محليا ودوليا، وتبني إسلاميين لها لا يعني شرعيتها بمجرد ذلك، لأن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما الرجال يعرفون بالحق، ولم نسمع أن أحد الإسلاميين استصدر فتوى في الأمر، ولم يصدر عن أحدهم قبل إضرابه عن الطعام أن أدلى بتصريح يوضح فيه الدليل أو الفتوى التي اعتمد عليها لتجويز استخدام هذه الوسيلة، ولما كان الإضراب عن الطعام قديما بمئات السنين، فلم لم يستخدمه السلف الصالح، كابن تيمية مثلا لما كان في سجن القلعة، أو الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن، وقبلهم سيد السجناء نبي الله يوسف عليه السلام؟
والسؤال المطروح هو: هل يجوز تعذيب النفس من أجل نيل الحقوق؟
ألا يدخل حفظ النفس ضمن الكليات الخمس التي أتى الدين للحفاظ عليها؟
هل يكون حفظ النفس بتعذيبها؟
ما الفرق بين تعذيب السجان والتعذيب الذاتي؟
إن حال السلف الصالح مع السجن يصوره قول الشاعر الذي ألف “ملحمة الابتلاء” داخل السجن الحربي في القاهرة عام 1955، ومنها هذه الأبيات:
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي***بالسوط ضع عنقي على السكّين
لن تستطيع حصار فكري ساعة***أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يديْ***ربّي.. وربّي ناصري ومعيني
سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي***وأموت مبتسماً ليحيا ديني