الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية تخرج عن مهادنتها وتدحض مزاعم وزارة التربية الوطنية حول المنهاج الدراسي الجديد
هوية بريس – ذ. أحمد العبودي*
اختارت الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية هذه المرة أسلوبا آخر في مخاطبتها لوزارة التربية الوطنية وقررت أن تخرج عن مهادنتها المعهودة ومنهجها المألوف إزاء القضايا المستجدة للوزارة الوصية وعلى وجه الخصوص تلك التي لها صلة بمنهاج مادة التربية الإسلامية الجديد/المعدل (الصادر في يونيو 2016)، ويظهر ذلك جليا من خلال البيان الذي أصدرته هذه الجمعية المهنية بمناسبة انعقاد اجتماع مكتبها الوطني يوم 24 شتنبر2017 في مرحلة دقيقة وذات حساسية خاصة بسبب ما ارتبط بها من ترقب المدرسين وانتظاراتهم.
وبالنظر إلى البيان المذكور ومن خلال مضامينه وأسلوبه يبدو جليا أن العلاقة بين الجمعية والوزارة الوصية قد تأخذ منحى آخر.
فواضح أن البيان في صرخته المدوية ونفسه القوي يعتبر امتدادا طبيعيا للبلاغ الصادر عن الملتقى الوطني لأطر وأساتذة التربية الإسلامية بمدينة خريبكة (13/14 ماي 2017 )
والذي كان قد تحدث عما أسماه تجاوزات واختلالات ومحذوفات في المنهاج الجديد لمادة التربية الاسلامية، كما لاحظ البلاغ ذاته العجلة والسرية التي طبعت عمل الوزارة الوصية.
وعلى إثر صدور ما سمي بالمنهاج الجديد عاشت الجمعية المغربية لمدرسي التربية الإسلامية طيلة الموسم الدراسي المنصرم، فترة عصيبة، كلها ترقب وحذر وضبط نفس وتهدئة وهي تسعى لإقناع المدرسين بالتريث وعدم التسرع في التقييم وإصدار الأحكام، فتجنبت بذلك الحسم إزاء سيل الأسئلة المقلقة والحارقة التي كان يتداولها مدرسو المادة ويحرجون بها بعض أعضاء المكتب الوطني للجمعية وكتاب الفروع المحلية (أكثر من 58 فرعا) وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكلما سنحت لهم فرص التواصل المباشر. ولم تكتف الجمعية المهنية بالتهدئة بل “انخرطت في تأطير أساتذة التربية الإسلامية في جميع جهات المملكة وعيا منها بأهمية المرحلة التاريخية وما تستلزمه من يقظة وحذر” وذلك عملا باستراتيجية الجمعية وصونا لـ”مكتسبات المادة الدراسية”.
ولابد أيضا في هذا السياق من الإشارة إلى ان الجمعية قد اصدرت بيانا أخيرا بمناسبة انعقاد مجلسها الوطني بالدار البيضاء يومي 13/14 نونبر 2017، غير أن هذا البيان لم يأت بجديد ولذلك سنغض الطرف عنه، فقد اكتفت الجمعية فيه بالاستغراب من “عدم الأخذ بملاحظاتها حول تعديل منهاج المادة”.
ورغم وسطية الجمعية واعتدالها رؤية واشتغالا ومواقف، ورغم أن المكتب الوطني في بيانه “يثمن الإجراءات المبكرة للدخول المدرسي 2016/2017″، فقد اضطر البيان المذكور ان يلجأ للهجة قوية وصارمة مع الوزارة الوصية فاعتبر “المنهاج المراجع” -خلافا لما يحلو للوزارة أن تصفه به- مجرد “منهاج معدل” وليس بـ”منهاج مراجع”.
ولا شك أن هذا الموقف الذي اختارته الجمعية سيؤسس لخلاف ملحوظ بين تصور الوزارة الوصية وما أصبحت تؤمن به الجمعية التخصصية اعتبارا للمستجدات التي عرفها المنهاج الدراسي، كما يعتبر الموقف ذاته بمثابة رد على اللجنة العلمية التي أوكل إليها أمر إرساء مفردات المنهاج، إذ أنها تعتبر نفسها قد أحدثت “ثورة كوبرنيكية” في المنهاج. ولقد ذهبت الجمعية إلى أقصى مداها حين فندت مزاعم الوزارة التي جعلت من السنة المنصرمة سنة تجريبية للمنهاج الجديد، ليتبين بالأمثلة والوضوح وواقع الحال بان الأمر لم يكن سوى محاولة لذر الرماد في أعين المدرسين، لجأت لها مديرية المناهج والبرامج للخروج من المأزق والحرج، ولتمتص ردة فعل مفتشي ومدرسي مادة التربية الإسلامية، ولتسكت، قدر الإمكان، صيحاتهم التي تعالت مندهشة مستغربة ومستنكرة ما أقدمت عليه وزارتهم الوصية بعد اشتغال متستر تحت جنح الظلام، لتخرج لهم منتوجها “المراجع”.
والواقع كما ترى الجمعية، أن التجريب المفترى عليه “جعل المنهاج الجديد نشازا بين سائر المواد الدراسية ولا يساعد المتعلم على اكتساب الكفايات العرضانية”، ولم يمس سوى الكتاب المدرسي الذي خضع لـ”تعديلات شكلية طفيفة” بسبب التسرع وضيق الوقت الذي تم فيه إنتاج وتأليف الكتب المدرسية في طبعتها الأولى، مما اضطرت معه الوزارة ومديرية المناهج والبرامج إلى الدعوة لتجميع الملاحظات والاقتراحات عبر مراسلة المنسقين الجهويين التخصصيين لمادة التربية الاسلامية وليتبين أن الطبعة الجديدة للكتب المدرسية (2017) لم تشف -مرة أخرى- غليل المدرسين البيداغوجي، ولم ترتق إلى مطامح المدرسين بل شكلت عبئا إضافيا على الآباء وأولياء الأمر الذين اضطروا لشراء كتابين اثنين في ظرف بضعة أشهر. وكل هذا أعاد إلى الواجهة طرح أسئلة متشعبة متعلقة بالمنهاج ككل ذات صلة بالجدوى من هذا المنهاج “المراجع” أو “المتراجع” كما ينعته بعض المدرسين الممارسين أو كما ذكر البيان ذلك حين شهد على “التراجع الملحوظ والمعيب عن حصص التطبيقات والأنشطة رغم أهميتها”.
وبتحليل جانب من محتوى البيان المذكور نلمس في الخطاب التي اعتمدته الجمعية هذه المرة حزما غير معهود تجاه الوزارة الوصية على نحو جعل المتتبعين يعتبر الجمعية قد تخلصت من “مداهنة” المعنيين بالشأن التربوي، فقد لجأ البيان لمعجم جديد مفعم بالقوة والنقد، حيث سجل “قصور المنهاج وتراجعه عن أنشطة ذات دور في ترسيخ القيم الايجابية وإذكاء الفاعلية على تدريسية المادة”، كما استنكر البيان “إقصاء الجمعية من المشاركة في مراجعة منهاج التربية الإسلامية”، فضلا عن استخفافها (الوزارة) بالممارسين والمهتمين بقضايا المنهاج، وما حصل لها من الارتباك وما وقعت فيه من الحيف… وهذه الحدة -كما أشرنا- ظهرت إرهاصاتها في مضامين بلاغ خريبكة باعتباره آخر بلاغ أصدرته الجمعية المغربية حينما قيمت المنهاج الجديد من خلال رأي أساتذة المادة الذين “وقفوا بعد الممارسة الميدانية على تلك الاختلالات في التصور العام للمنهاج تجلت في غموض فلسفته” وإبهام مقاصده.
ولقد كان إقصاء الجمعية من المشاركة في اللجنة العلمية للمنهاج الجديد، وعدم استشارتها بمثابة إعلان صامت عن مصادرة حقها المشروع في المساهمة في مراجعة مناهج وبرامج المادة وذلك من قبل وزارة التربية الوطنية و وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى، بل ربما اعتبرته الجمعية شكلا من أشكال نزع الثقة عنها رغم كونها جمعية مهنية تخصصية تعتبر نفسها معنية بموضوع مراجعة المنهاج.
وثالثة الأثافي أن الوزارة الوصية وباقي الأطراف المشاركة في مراجعة المنهاج ” لم تكلف نفسها حتى الرد الرسمي على المقترحات الواردة في المذكرة – البيداغوجية – على الأقل من باب الاعتراف الذي بذله الأساتذة والمفتشون من أجل سد الفراغ بسبب تأخر صدور الكتب المدرسية والأطر المرجعية والتوجيهات التربوية “، وبالفعل، فرغم مرور وقت غير يسير على صدور البيان فإن الوزارة الوصية وعلى غير ما جرى به العمل عندها، لم تحرك ساكنا، ولم تصدر أي بلاغ أو توضيح حول ما جاء في بيان الجمعية، مع العلم أن الظرفية تقتضي ذلك وتفرضه، الأمر الذي يشكل إيذانا بتحول مرتقب في العلاقة الجديدة بين الطرفين، ويؤشر على بداية التوتر بينهما بعد تاريخ هدنة غير معلنة أدت فيه الجمعية ثمن ذلك مع قواعدها وخاصة التيار الشبابي داخل المجلس الوطني، لذلك اضطرت أخيرا لتنتفض في وجه الوزارة الوصية على الشأن التربوي بالمغرب، وتعلن عن: “استياء الجمعية العميق من عدم اهتمامها بمقترحات أساتذة التربية الإسلامية الممارسين ومفتشيها المؤطرين”.
فكان طبيعيا أن يطرح مدرسو المادة أسئلتهم حول “الوضعية المشكلة” التي أفرزها المنهاج الجديد من قبيل : لماذا تتعمد الوزارة نهج سياسة الآذان الصماء مع الجمعية ومع المعنيين بتدريس التربية الإسلامية ومفتشيها ؟ هل تنتظر أن تسكن العاصفة ويستثب الوضع وتتراجع حدة تذمرهم وسخطهم ! أم أنها وجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه بحيث يلزمها أن تبحث عن المهمة الأنسب لحل وضعيتها المشكلة.
فرغم نداءات المدرسين المتكررة عبر جميع القنوات الرسمية (المجالس التعليمية وبرامج التكوينات والندوات التربوية التي نظمها السادة مفتشو المادة…) وغير الرسمية (مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة)، فلا يزال، مثلا، إشكال التقويم مطروحا بالنسبة للشعب والمسالك ذات الحصة الواحدة (التقنية والعلمية والمهنية)، إذ أن واقع الأمر يقتضي أن ينصب التقويم على نصف برنامج المسالك ذات الحصتين، وكذلك بالنسبة لتدبير التعلمات: إذ لا يعقل أن ينجز المدرس ويقوم برنامجا واحدا تم إرساء مفرداته لمسلكين مختلفين ضمن غلافين زمنيين يشكل الأول نسبة النصف من الثاني، علما بأن القاعدة هي: “لا تقويم إلا فيما جرى فيه التعليم”. ويتضح أكثر سوء الوضع بالنسبة للمترشحين الأحرار في امتحانات البكالوريا حيث لا تجد فوارق بين امتحانات الشعب والمسالك، والإطار المرجعي للمترشحين الأحرار وضع لجميع الشعب فهو لا يقيم أي فوارق بخصوص هذا الجانب وقد استغرقت مجالاته الفرعية كل المداخل وكل الدروس فلم تبق ولم تذر. فهل عجزت الوزارة إلى هذا الحد؟ أم أنها أغفلت أمرا بهذا الحجم أم…؟؟ خاصة وأن شعب ومسالك البكالوريا المهنية ستجتاز هذا الموسم مادة التربية الإسلامية ضمن الامتحان الوطني، ومعلوم أن حصة هذا المسلك هي ساعة واحدة أسبوعيا، لكن يشتغل المدرسون ببرنامج شعب ومسالك ذات الحصتين (المذكرة 17×114 في موضوع مواعد ومواقيت إجراء الامتحانات المدرسية للسنة الدراسية 18 – 2017). ورغم أن مديرية المناهج أصدرت في 12 أكتوبر2016 مذكرة رقم 16.375 في شأن تدريس مادة التربية الاسلامية بالشعب والمسالك المهنية بالتعليم الثانوي التأهيلي، فإنها تحدثت كما لو أن لكل مسلك وشعبة حصصها وبرنامجها الخاصة بها، فأكدت على “تطبيق البرنامج والحصص المعتمدة بالجذوع المشتركة العلمية والتكنولوجية ومسالك العلوم ومسلكي العلوم والتكنولوجية بالسنتين الأولى والثانية من سلك الباكالوريا”.
وإلى جانب ذلك يتساءل المدرسون بحس منهجي حول المبررات البيداغوجية من الإبقاء على مؤلف السيرة النبوية -دروس وعبر- للمرحوم مصطفى السباعي بعد أن تم إقرار دروس مدخل الاقتداء ضمن المنهاج والتي هي عبارة عن دروس من السيرة النبوية، فمن شأن هذا أن يشكل إلى جانب مدخل الاقتداء مصدر إرباك بالنسبة لمتعلمي السنة الثانية مسلك علوم إنسانية. ولقد كان المدرسون يتوقعون إقرار مؤلف/مصنف لأحد علماء المغرب، يتم به تجاوز الارتباك الحاصل للوزارة، ويتيح للمتعلمين تعزيز قدراتهم التعلمية، ويمكنهم من الانفتاح على مدخل فن أو علم من العلوم الشرعية الأخرى. وفي هذا السياق اقترح بعضهم كتاب “المجتبى من أحاديث المصطفى” هذا المصنف الذي “تضمن مجموعة منتقاة من الأحاديث النبوية الشريفة” وضعها الدكتور إدريس بن الضاوية رئيس المجلس العلمي المحلي للعرائش راعى فيها “قصر المتون وسهولة الألفاظ وصحة الأسانيد كما راعى أيضا أن تكون منسجمة مع الوحدات المعتبرة بالتعليم العمومي”.
خلاصات:
* أثبت التجربة منذ أواسط التسعينات من القرن المنصرم أهمية رأي الجمعية وقدرتها على الفعل والتأثير، وأنها طرف قوي ومعني في مثل هذه السياقات التي تشهد إصلاح وتعديل المناهج والبرامج الدراسية.
* الاختلالات المرصودة في المنهاج الدراسي كان ممكنا تجاوزها بسلاسة تامة لو أن الجمعية أشركت أو استشيرت في الموضوع، فهي مرصد للطاقات ومجمع الاقتراحات من قبيل إخراج التوجيهات واختيار الكتاب البديل لمؤلف السيرة النبوية…
* بيان الجمعية موجه لكل من يعنيه أمر الشأن التربوي (وزارة التربية الوطنية ووزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى للتعليم…) وأن شدته تتناسب طردا مع الإقصاء الذي مورس عليها ومع ذلك ثمن البيان بعض الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها الوزارة بداية الموسم الدراسي الحالي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (باحث في مناهج تدريس مادة التربية الاسلامية).