هكذا خططت الإمارات للتأثير في ترامب
هوية بريس – وكالات
ككرة الثلج التي تكبر كلما دارت، تتكشف كل يوم تسريبات جديدة من تحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر عن السعي الإماراتي للتأثير في قرارات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لكن السؤال يبقى عن أسباب هذا السعي الإماراتي الحثيث لتكوين لوبي يؤثر في سيد البيت الأبيض، وتأثيرات ذلك في مستقبل العلاقات بين واشنطن وأبو ظبي.
وباتت التقارير عن السعي الإماراتي للتأثير في إدارة ترمب مادة يومية دسمة لمختلف وسائل الإعلام الأميركية، تزامنا مع التحقيقات المتواصلة مع الأميركي من أصل لبناني جورج نادر، الذي يقدم نفسه مستشارا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وغطت هذه التقارير بشكل لافت على انشغال الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية بالتحقيقات في احتمالات التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية، رغم ربط محللين ومراقبين بين السعي الإماراتي للتأثير في قرارات إدارة ترمب، والتحقيق بالتدخل الروسي.
قنوات غير معلنة
ومحاولات التأثيرات الإماراتية أخذت أشكالا عدة، أحدها ما يتعلق بمهمة المحقق مولر وهي التحقيق بالتدخل الروسي المحتمل، حيث سعت الإمارات لإيجاد قناة اتصال غير معلنة بين ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب ما كشفته صحيفة واشنطن بوست.
وفق الصحيفة، فإن مولر جمع أدلة تفيد بأن جورج نادر رتب وحضر نيابة عن محمد بن زايد اجتماعا سريا في جزر سيشل قبيل تنصيب ترمب، بهدف إقامة قناة اتصال مع الكرملين دون علم حكومة (الرئيس آنذاك) باراك أوباما.
وقالت إن الاجتماع عقد في يناير 2017 وحضره إيريك برنس مؤسس شركة بلاك ووتر ممثلا لترمب، وأحد كبار رجال الأعمال الروس ممثلا لبوتين، وناقش تعاونا أميركيا روسيا لهزيمة ما سمي “الفاشية الإسلامية”.
الوجه الآخر للدور الإماراتي يتعلق بالتحقيق بوجود دور لأبو ظبي في شراء التأثير السياسي في واشنطن والتأثير في قرارات إدارة ترمب، حيث يحقق مولر في توفير أبو ظبي أموالا لحملة ترمب خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، بحسب ما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز” وقناة “سي أن أن” الأميركيتان.
إقالة تيلرسون
وفي محاولات أبو ظبي التأثير في سياسات إدارة ترمب، تقفز للواجهة الأزمة الخليجية، حيث كشفت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن رسائل إلكترونية مسربة تظهر محاولات إليوت برويدي (رجل الأعمال الأميركي المقرب من أبو ظبي وأحد أكبر ممولي حملة ترمب) الضغط على الأخير لإقالة وزير خارجيته ريكس تيلرسون بسبب موقفه غير الداعم للإمارات في الأزمة الخليجية.
وجاء في المراسلات أن برويدي دفع بقوة خلال اجتماعه مع ترمب في أكتوبر الماضي بدعم الإمارات والسعودية في الأزمة الخليجية، وعدم الوقوف في صف قطر.
التسريبات كشفت عن سبب آخر لمساعي برويدي لصالح الإمارات، يتلخص في حثه ترمب على لقاء محمد بن زايد بعيدا عن الأنظار، حيث اقترح برويدي على الرئيس الأميركي أن يكون اللقاء في نيويورك أو نيوجيرسي، وأن ترمب رحّب بفكرة عقد الاجتماع.
والسبب وراء الرغبة بعقد الاجتماع السري بحسب التسريبات، أن ولي عهد أبو ظبي أراد إطلاع ترمب على إنشائه قوة أمنية لمكافحة الإرهاب ساهمت شركة أمنية -يعتبر برويدي أحد أهم الشركاء فيها- ببنائها بعد أن وقعت عقدا بمئات الملايين مع الإمارات.
العتيبة وكوشنر وترمب
وفي كل هذه التسريبات يبرز اسم جاريد كوشنر صهر ترمب وكبير مستشاريه في البيت الأبيض، حيث تكشف تسريبات بي بي سي أن برويدي اجتمع بشكل منفصل مع كوشنر وانتقد قطر.
ويحضر اسم كوشنر في مناسبات عدة عندما يتعلق الأمر بالأزمة الخليجية أيضا، حيث تربط العديد من التقارير بين موقف كوشنر الداعم للإمارات والسعودية في الأزمة الخليجية برفض قطر تقديم تمويل لمشروع عقاري متعثر تملكه عائلته.
وأحد الأدوار المثيرة لكوشنير تظهر في الاتهامات الموجهة له بالتأثير مباشرة في ترمب لتبني موقف مؤيد لحصار قطر.
حيث أفادت تقارير عدة نشرتها وسائل إعلام أميركية بأن البيان الذي تلاه ترمب في يونيو الماضي وتبنى فيه موقفا مؤيدا لدول حصار قطر نقله إليه كوشنر بعد أن نقله إلى الأخير السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة.
خطير جدا
في حديثه خلال برنامج “من واشنطن” الذي بثته الجزيرة مساء أمس الجمعة، اعتبر المحلل السياسي محمد المنشاوي أن ما كشفت عنه التسريبات والصحافة الأميركية “سيكون له تأثير خطير جدا في العلاقات الأميركية الإماراتية”.
وبرأيه فإن الأجهزة الأمنية الأميركية قد تتسامح مع المال السياسي واللوبيات، وهذا الأمر مقنن في واشنطن، لكن أن تتدخل دولة صغيرة كالإمارات في محاولة التأثير في صناعة السياسة الأميركية، فهذا ستكون له تبعات كبيرة لو ثبت، كما قال.
من جهته، يقول مدير مكتب صحيفة إنترسبت في واشنطن ريان غريم إنه من خلال تسريبات البريد الشخصي ليوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن، عرفنا أن الإماراتيين تفاجؤوا بفوز ترمب في الانتخابات فقد كانوا مستعدين لفوز كلينتون.
ويضيف “ولكن عندما فاز ترمب حاولوا بسرعة إيجاد طريقة للتأثير فيه، وهنا وجدوا ضالتهم في روسيا التي تتفق مع أهواء الإماراتيين في سلوكها مع الربيع العربي، فحاولوا التقريب بين روسيا وأميركا، لا سيما أنهم يعتقدون أن أوباما ومن خلفه كلينتون كانا سببا في الفوضى في الشرق الأوسط نتيجة دعمهما الربيع العربي”.
وبغض النظر عن الدوافع الإماراتية، فإن ما يلفت أنظار المراقبين أن أبو ظبي سعت في الظلام لفتح قنوات سرية وغير معلنة بين بوتين وترمب تارة، أو لترتيب اجتماعات بين ترمب ومحمد بن زايد، إضافة إلى سعيها للتأثير عبر المال في إدارة الدولة الأقوى في العالم، وهو ما يجعل مراقبين يعتقدون أن ملف الإمارات الذي فتحه مولر يتحول كل يوم لثقب أسود لا تعرف نهايته.
(المصدر: موقع “الجزيرة.نت”).