العيد فرحة ومنحة
رشيد وجري
هوية بريس – الثلاثاء 07 أكتوبر 2014
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
العيد في ديننا الإسلام يزاوج بين الفرحة والمنحة، فهو مناسبة سعيدة تأتي بعد أداء واجب رباني عظيم كالحج في عيد الأضحى والصوم في عيد الفطر، وكأن الله سبحانه وتعالى يعلمنا من خلال هذا أن فرحنا الحقيقي يجب أن يكون منطقه الأساسي ومبتدأه دائما هو العبادة والتقرب إليه عز وجل بمعنى آخر أن الفرحة الحقة يجب أن تكون تتويجا للعبادة، والعيد كذلك من شعائر الله عز وجل التي ينبغي إحياؤها دوما وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها السامية.
قال الله تعالى في محكم تنزيله: “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” (سورة يونس:58).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه قال: «كان لأهل المدينة في الجاهلية يومان من كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم: قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر» (أخرجه أبو داود وصححه الألباني).
بلى إن للإسلام شخصيته الفريدة والمتميزة فهو لا يقبل الذوبان في أي كيان كيفما كان فهو المهذب والمكمل لكل الفضائل والأخلاق على هذه البسيطة، لذلك فله أعياده ومناسباته وقيمه وشعائره و…
وعيد الضحى أو يوم النحر يوم عظيم عند الله تعالى، يلزمنا أن نحُسن استغلاله حتى ننهل من ثماره وغلاله، ولكي يتأتى لنا ذلك يجب علينا أن نحرص على باقة من الآداب الرفيع في هذا العيد المبارك السعيد:
يستحب الاغتسال والتطيب في يوم العيد:
من الآداب الاغتسال قبل الخروج للصلاة فقد صح في الموطأ وغيره أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى. وصح عن سعيد بن جبير أنه قال: (سنة العيد ثلاث المشي والاغتسال والأكل قبل الخروج ) ولعل ابن جبير أخذه عن بعض الصحابة.وذكر النووي رحمه الله اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد…
وعن عبيد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أخبرني نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما: « كان يغتسل للعيدين، ويغدو قبل أن يطعم » أحكام العيدين للفريابي. أما الطيب فهو من تمام الزينة ومن سنن النبي صلى الله عليه وسلم…
الأكل بعد صلام العيد من الأضحية إن تيسر:
فأما في عيد الأضحى فمن الآداب والمستحب ألا يأكل إلا بعد الصلاة من أضحيته.عكس عيد الفطر الذي كان لا يخرج فيه إلى الصلاة حتى يأكل تمرات لما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ.. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا” (البخاري 953).
التكبير يوم العيد:
وهو من السنن العظيمة في يوم العيد؛لقوله -تعالى-: “ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون” (البقرة:185). وروى الدارقطني وغيره أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجتهد بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يخرج الإمام. وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الزهري قال: كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا. (الإرواء؛ 2/121).
ولقد كان التكبير من حين الخروج من البيت إلى المصلى وإلى دخول الإمام كان أمرا مشهورا جدا عند السلف وقد نقله جماعة من المصنفين كابن أبي شيبة وعبد الرزاق والفريابي في كتاب (أحكام العيدين) عن جماعة من السلف ومن ذلك أن نافع بن جبير كان يكبر ويتعجب من عدم تكبير الناس فيقول: (ألا تكبرون)، وكان ابن شهاب الزهري رحمه الله يقول: (كان الناس يكبرون منذ يخرجون من بيوتهم حتى يدخل الإمام ).
وقت التكبير:
وجمهور العلماء على أن التكبير في عيد الفطر من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة.أما في عيد الأضحى: فمن صبح عرفة إلى عصر أيام التشريق وهي: اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.
صيغ التكبير:
يسن للمسلم أن يكبر ربه في تلك الأوقات الشريفة بما شاء.
1- إما أن يكبر شفعا فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
2- أو يكبر وترا فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
3- أو يكبر وترا في الأولى، وشفعا في الثانية فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
4- أو يكبر شفعا في الأولى، ووترا في الثانية فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
يفعل هذا مرة، وهذا مرة، والأمر في ذلك واسع (موسوعة الفقه الإسلامي: محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري)
التهنئة:
ومن آداب العيد التهنئة الطيبة التي يتبادلها الناس فيما بينهم بألفاظ متنوعة وفيها سعة إذا احترم فيها الطيب والجميل من الكلام مثل قول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم أو عيد مبارك وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة.وعن جبير بن نفير، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض، تُقُبِّل منا ومنك. (ابن حجر إسناده حسن، الفتح 2/446).
فالتهنئة كانت معروفة عند الصحابة ورخص فيها أهل العلم، ولا ريب أنها من مكارم الأخلاق ومحاسن العلاقات الاجتماعية بين المسلمين.
التجمل للعيدين:
وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر على التجمل لكنه أنكر عليه شراء الجبة من الحرير. وعن جابر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة. صحيح ابن خزيمة؛ وروى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه.فينبغي للرجل أن يلبس أجمل ما عنده من الثياب عند الخروج للعيد.
أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب وكذلك يحرم على من أرادت الخروج أن تمس الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة الله سبحانه وهل يصح من مؤمنة أن تعصي من خرجت لطاعته وتخالف أمره بلبس الضيق والثوب الملون الجذاب الملفت للنظر أو مس الطيب ونحو ذلك؟؟
أداء الصلاة قبل الخطبة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة» البخاري.
حكم الاستماع لخطبة العيد:
يستحب للناس استماع الخطبة، وليست الخطبة ولا استماعها شرطاً لصحة صلاة العيد، كما عند جمهور أهل العلم.روى عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة قال: (إنا نخطب من أراد أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب). وقال بعض أهل العلم، فكما كان الانصراف جائزاً.. فالاستماع ليس بواجب.
ليس لصلاة العيدين سنة قبلية ولا بعدية:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها…
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في يوم عيد أضحى، فلم يصل قبلها ولا بعدها.وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما: لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها (أحكام العيدين للفريابي).
الذهاب من طريق والعودة من آخر:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ رواه البخاري.وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج ماشياً يصلي بغير أذان ولا إقامة ثم يرجع ماشياً من طريق آخر. قيل ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ. وقيل لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين. وقيل لإظهار ذكر الله، وقيل لإغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه. وقيل ليقضى حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على أهل الحاجة أو ليزور أقاربه وليصل رحمه، وقيل تفاؤلا بتغيير الحال إلى أحسن…
تشرع التوسعة على الأهل والعيال في أيام العيد:
شرع الإسلام في هذه الأيام إدخال السرور على الأهل والأولاد ولكن لا بد أن يكون ذلك بالضوابط الشرعية التي أرشدنا إليها ديننا الحنيف بعيداً عما يغضب الله تبارك وتعالى… قالت السيدة عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم العيد وعندي جاريتان تغنيان فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني فقال له رسول الله يا أبا بكر دعهما فان لكل قوم عيدا وهذا عيدنا.
الحرص على أعمال البر والخير:
من صلة الرحم وزيارة الأقارب والجيران والعطف على المساكين والفقراء والأيتام ومساعدتهم وإدخال السرور عليهم ويهنّئ إخوانه المسلمين كما أسلفنا.
تنبيهات على بعض المنكرات:
ومن البدع أيضا تخصيص زيارة القبور يوم العيد وتوزيع الحلوى والمأكولات والإكليل ونحوها على المقابر والجلوس على القبور والاختلاط والسفور الماجن والنياحة على الأموات، وهذا ليس من هديه عليه الصلاة والسلام…
بعض الناس يعتقدون مشروعية إحياء ليلة العيد، ويتناقلون في ذلك حديثا لا يصح، وهو أن من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب وهذا الحديث جاء من طريقين، أحدهما ضعيف والآخر ضعيف جدا، فلا يشرع تخصيص ليلة العيد بذلك من بين سائر الليالي، وأما من كان يقوم سائر الليالي فلا حرج أن يقوم في ليلة العيد.
اختلاط النساء بالرجال في بعض المصليات والشوارع وغيرها، فإن كثيرا من النساء -هداهن الله- يخرجن متجملات متعطرات، سافرات، متبرجات، وفي ذلك من الفتنة والخطر العظيم ما لا يخفى على لبيب…
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين وأن يوفقنا لخير العمل وعمل الخير وأن يتوب علينا جميعا ويرزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل آمين… وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.