جرف الملحة والقائد الحجوبي والرئيس الحاج علال.. قصة سوق تحول إلى مدينة (صور)
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
قبل الثمانينيات من القرن الماضي لم تكن (جرف الملحة) تزيد عن تسمية مكان ينعقد فيه سوق أسبوعي يوم الإثنين، يطلق عليه (سوق الإثنين جرف الملحة)يغشاه سكان المنطقة التي كانت تسمى حسب تقسيم الحماية (قبيلة سفيان الشرقية وبعض الدواوير من بني مالك الغربية) على الطريق القادمة من فاس والمتوجهة نحو وزان، على ربوة بعد اجتياز قنطرة واد ورغة، في قبيلة سفيان الشرقية السالف ذكرها، تابعة لقيادة حدكورت وإن كانت بها جماعة قروية؛ ولما تحولت هذه الأخيرة لدائرة صارت جرف الملحة قيادة.
ولم يكن في السوق تجهيزات تذكر عدا خمارة قديمة ترجع لبداية الاحتلال الفرنسي للمنطقة، على الطريق المعبدة، يطلق عليها (كانتينا اخوان) غرب السوق، وبضعة منازل مبنية (بالمقدار) والقصب مشتتة هنا وهناك شمالي السوق تسمى دوار المرنيسي، وبعض الحوانيت التي يبقى أغلبها مغلقا في انتظار يوم السوق الأسبوعي، ومرجة كبيرة تحيط بها الأحراش والهوام في الشمال الشرقي تتجمع فيها السيول المنحدرة من المرتفعات المحيطة بها لتبقى هناك حتى منتهى الصيف أو أكثر.
في الثمانينات عين قائد للجماعة القروية (جرف الملحة) الموجود بها السوق، يسمى أحمد الحجوبي من أبناء منطقة لمريجة ناحية كرسيف، كان من قادة جيش التحرير، فوجد على رأس تلك الجماعة القروية رئيسا يسمى الحاج علال ولد عبد المولى، كان قائدا -من قياد الربيع، كما كان يطلق على رجال السلطة قبل الحماية وأثناءها- على قبيلة سفيان الشرقية خلفا لوالده القايد عبد المولى، وقد عزل عن القيادة في أواخر الأربعينيات، وبعد الاستقلال ترأس أول مجلس للجماعة القروية (جرف الملحة) في أول انتخابات جماعية ليبقى رئيسا لها لغاية التسعينات من القرن الماضي.
وكان الحاج علال يقول لمنتقديه سأبقى في الرئاسة حتى ولو لم يبق مني إلا (البوردو) فسيترأسكم، وذلك من فرط حبه للوجاهة والسيادة، والرئاسة في حد ذاتها، كأمثاله من الأعيان ممن بقيت فيهم نزعات النخوة القبلية كما يقال، ولو كلفته بيع ممتلكاته من أجل الحفاظ على منصب الرئاسة وكذلك كان، لدرجة أن القائد السابق لجرف الملحة قبل الحجوبي وكان هو أيضا من سلالة قياد الربيع، كان عندما يخرج لفض نزاع بدوار أو زيارة مكان بالقيادة، يخصص له استقبالا حافلا، حيث يستقبل بالزغاريد وصنوف الأطعمة والهدايا فيرد تحية المزغردات بنفحات نقدية بعد تناول الطعام وشرب الشاي، وعقد مجلس حلّ المنازعات، حيث كان يقضى في كل شيء يعرض عليه، على الطريقة التقليدية، ويتدخل السكان في إجلاء الحقيقة، وتبيان المخطئ، واقتراح الحل، فينفذ القائد ذلك فورا ومن لم يرض وينصع يساق للحبس.
فكانت مثل تلك الزيارات فرصة لحل العديد من النزاعات وهو سر ابتهاج السكان بها بخلاف القائد الجديد الحجوبي الذي كان لا يفتأ يردد (أنا مسكين وأحب المساكين)، ويسير في نفس المنوال لكن في إدارته، وقد اشترى أرضا وبنى بها مسكنا يقيم به مع أسرته بالجماعة على قاعدة القائد التقليدي الذي يكون مسكنه وسط القبيلة بين عشيرته، وقد رفض عرضا من رئيس الجماعة باختيار مكان أحسن من الأراضي الشاسعة التي يملكها هذا الأخير على ضفاف ورغة بالثمن الذي يريد.
كانت نزعته التحررية وحبه للإصلاح مهيمنا على تصرفاته، معتبرا أنه ما يزال في الجهاد الذي كان قد خاضه ضد المستعمر وهو ضمن صفوف جيش التحرير.
وهكذا يمكن القول بأنه تم في هذه القيادة التقاء النخوة القبلية في شخص رئيس الجماعة الحاج علال، وحب الإصلاح لدى القائد الحجوبي، أي في الثنائي الذي يدبر شؤون “الجماعة القروية جرف الملحة” في ذلك الزمن الذي تميزت بعض سنواته بجفاف حاد عانى منه السكان.
فكان أن ابتكر القائد حلا للتشغيل والتنمية الذاتية عن طريق فتح ورش البناء في السوق ومحيطه، بعد تحويله من مكانه القديم باتفاق مع المجلس القروي، مما أوجد فرص شغل لسكان الجماعة سواء المحاذين لواد ورغة باستخراج الرمال والأحجار منه لصنع طوب البناء وملء الأساسات والأرضية والبناء والتكسية، أو الذين في دواوير المرتفعات بجمع الأحجار واستخراجها وبيعها للراغبين في البناء، وبذلك واجه إكراهات الجفاف التي ضربت البلاد في مطلع الثمانينيات بحلول مبتكرة استفاد منها السكان والجماعة والدولة دون الحاجة لأي تمويل، وثبتت السكان في أرضهم التي تم استصلاح المحجر منها، بل صارت الجماعة مصدر جذب للراغبين في الاستثمار العقاري وفي طحن الحجر وتصفية الرمل والكل يسير في سلاسة ويسر.
كما وفر القائد والرئيس الوعاء العقاري من خلال مناقلة مع المستفيدين من الأراضي المسترجعة المتاخمة للسوق، بإعطائهم عوضا مغريا في مكان آخر، مستفيدين من علاقات الرئيس بالسكان ومعرفته العميقة بأنسابهم ودوره في اختيار المستفيدين من توزيع الأراضي المسترجعة على ضعفائهم في السبعينيات، لتكون تلك الأراضي المتخلى عنها تجزئة فوتت لوزارة السكنى جزأتها بمعرفتها، لفيلات ومؤسسات، ودور اقتصادية ممتازة، كما تم تخصيص ثلاث هكتارات لإقامة محطة طرقية وسوق بلدي ومسجد كبير، وفي انتظار ذلك خصص قطعا عديدة لتشييد أفرنة وحمامات ومسجد، أشرف على بنائها من قبل من رغب، موازاة مع بناء أولى الدور.
أما طريقة التنفيذ فإن القائد كان يخرج مع من وجد من أعضاء المجلس القروي أو الرئيس ومقدم أو شيخ ومخزني لرسم الشوارع، وتحديد البقع، وتسجيل الراغبين في الاستفادة بعد تخييرهم بشرط البناء بمجرد الحصول على الوصل تحت طائلة سحب البقعة في حالة عدم البناء.
وللقضاء على البنايات القديمة أعطى لأصحابها بقعتين: واحدة يسمح له ببيعها ليبني بعائدها الثانية قرب المكان الذي يسكنون فيه أو اختاروه، وبهذه الوسيلة الذكية تفادى اعتراض المعترضين، وسرع وتيرة البناء، وكان يوصي الشيوخ والمقدمين وأعضاء الجماعة ومن يلقاه من الفلاحين والموظفين والجنود العاملين في المناطق الجنوبية، بالمبادرة لاقتناء البقع بثمن رمزي تسمى “الإستفادة” تدخل لصندوق الجماعة دون تحديد توقيت أدائها.
وعلى إثر خلاف بين القائد الحجوبي مع رئيس الدائرة والعامل قدمت لجنة من الرباط وأمرت بتوقيف البنيان لغاية تهييئ الدراسات اللازمة، فرفض كل من الرئيس والقائد الامتثال فتم توقيف القائد (ثم نقله لمقاطعة بفاس)، إلا أن سكان القيادة تقاطروا على مركز الجماعة معترضين على القرارات المتخذة، وتمت مواجهات بينهم وبين رجال الدرك ثم القوات المساعدة، الذين قدموا لضبط الأمن في القبيلة التي خرجت تحتج على الإدارة المركزية في سابقة لم تعرفها القبيلة قط.
وقد عقدت فصلا حول الموضوع في كتاب لي بعنوان: (الأدوار والعلاقات في ظل العصرنة بالمغرب)، تعرضت فيه للكيفية التي تتحول بها السلطة إلى سلطنة، ويدافع المحكوم عن الحاكم كما حدث مع الراحل محمد الخامس في الخمسينيات والأمير نردهوم سهنوك في السبعينيات.
لقد توفي القائد الحجوبي، والرئيس الحاج علال، وبقي العمل الذي صار مدينة خالية من العشوائيات، خالية من الصفيح، تضم عددا من المساجد، والمؤسسات التعليمية الرسمية والحرة، والخدمات، ومحطة للنقل، ومتاجر، من غير أن يكون هناك من يقول بأن المؤسسين استغنوا أو احتكروا البقع لهم ولذويهم، مثلما فعل من جاء بعدهم من غير أن يقوى أحد منهم على توقيف نمو المدينة أو عرقلة توسعها.
مما يجعلنا نقول بأن هذه المدينة يمكن اعتبارها نموذجا لما يمكن أن يكون من تطوير الدواوير التي ستصبح في العشرية القادمة مدنا لكن بدون توجيه ولا تصميم ولا تصور تنموي، مع وجود صناعات محلية ببعضها في طريق الانقراض إن لم تكن انقرضت بموت أصحابها أو هجرتهم، وكان الأجدر أن يكون في المدينة الناهضة (جرف الملحة) محترفات تنميها وتجمع المشتتين من الصناع، لكن يحتاج لمبادرين ممن كتبوا قصة مدينة جرف الملحة.
فرحم الله القائد الحجوبي والرئيس الحاج علال وباقي أعضاء المجلس الذين شاركوا في كتابة قصة مدينة جرف الملحة، وكذا الذين نكل بهم في الاحتجاجات فضربوا وسجنوا وانتهكت دورهم في الدواوير من قبل القوات العمومية، وكل الذين شاركوا في صنع ذلك العمل الجليل حتى ولو لم يقوموا إلا ببناء منازلهم بالسرعة المطلوبة كما كان يشترط عليهم، لأنهم بذلك البناء تم إخراج العديد من دائرة الفقر والهشاشة بلا قيد أو شرط، وخلق فرص للشغل ما تزال لليوم تتنامى دون أن يدور في خلد المستفيدين منها أن وراء ذلك قائد يسمى الحجوبي ورئيس يسمى الحاج علال ما تزال سكناهما تطل على مدينة جرف الملحة من دوار الزوايد بالنسبة للرئيس، وطريق لمجاعرة بالنسبة للقائد، شاخصتان تنتظران من سكان المدينة إنصاف كاتبي قصة سوق تحول لمدينة عصرية جذابة ما تزال تتوسع لأن لها ما يبرر ذلك تسمى (مدينة جرف الملحة).
دار القائد الحجوبي:
دار الرئيس الحاج علال:
صدقت استاذي الجليل ان لم اقل الدكتور الفاضل على نبشكم هذا في تاريخ جرف الملحة. دمت وفيا ورحم الله كل من ساهم في اطلاق هذا الورش كما تفضلتم بتسميته ووفقكم سيدي للمضي في استجلاء المزيد من الحقائق ليحرفها ابناء المدينا شكر الله لك
كل الشكر والتقدير استادنا على هدا المجهود القيم في التعريف بمدبنة جرف الملحة مع العلم اننا شباب المدينة نشانا وترعرعنا بها لكن لا نلمس شئ من تاريخ مدينتا
لكن هدا المجهود هو ارث تاريخي يجب المساهمة في نقله للشباب مدينتنا مشكور استادنا الفاضل دمت رمزا من رموز المدينة تحياتي
تاريخ جميل ومشرف وشخصيات رئعة
ونتشرف في نقل هذه المشاركة في صفحتنا
دوار الزوائد هو من كان يتراس جرف الملحة على مر السنين التي مضت
شكرا دكتور علي التعريف بهده الشخصيات التي اتمنا ان تعطا لها علي الاقل اسم احد شوارع جرف الملحة ومؤسسات للتعريف بهم