شريف عبد العزيز: يكتب هل تتورط مصر في حرب الرمال الثانية؟
شريف عبد العزيز
هوية بريس – السبت 10 يناير 2015
عندما سئل الرئيس المنتخب “محمد مرسي” قبل فوزه في أول وآخر انتخابات ديمقراطية نزيهة في مصر عن أول بلد سوف يقوم بزيارته حال فوزه بالرئاسة فأجاب على الفور ودون تردد: “السعودية”، للقاء الأشقاء وأداء العمرة التي منعت منها طويلا.
في حين أجاب منافسه “أحمد شفيق” مرشح نظام مبارك أجاب على الفور أيضا: “أمريكا” فعلاقاتنا بها هي الأهم والأكبر.
وكان الرجلان متسقين مع أنفسهما لأقصى درجة، لكن العجيب أن الجنرال السيسي قام بشيء مغاير تماما، فقد كانت دولة الجزائر هي أول بلد يزوره بعد انتخابات مايو 2014، ففي الخامس والعشرين من يونيو الماضي قام الجنرال السيسي بأول زيارة خارجية بعد تنصيبه رئيسا للجمهورية إلى الجزائر.
ورغم أنه ليس من التقاليد السائرة أن تكون أول زيارة لرئيس مصري بعد انتخابه للجزائر، رأى العديد من المحللين أن الزيارة تأتي لعدة أسباب في مقدمتها في “رد الجميل” للجزائر إذ لعبت الجزائر دورا محوريا في حمل الاتحاد الإفريقي على الموافقة على رفع تجميد عضوية مصر التي تقررت بعد إطاحة الرئيس محمد مرسي.
وأيضا من أجل توقيع اتفاقيات لتوريد الغاز المسال والطبيعي تستبدل بها مصر الغاز القطري بأسعار تفاضلية وشروط أكثر تيسيرا تتجاوز بها التعنت المتوقع من الجانب القطري في السداد بعد موقف الدوحة الرافض للإطاحة بالرئيس محمد مرسي.
والأهم من ذلك التنسيق المشترك إزاء الموقف في ليبيا، وكيفية مواجهة الإسلاميين هناك والتي يرى فيها الجنرال السيسي خطرا على نظامه الوليد، خاصة وأن النظام الجزائري الذي ما زال يهيمن عليه العسكر في ظل وجود رئيس شبه ميت يمانع بشدة أي تدخل عسكري في ليبيا ويري في ذلك تهديدا مباشرا لأمنه القومي.
والجزائريون يرفضون الدور المصري في شرق ليبيا ودعمه لمجلس النواب الليبي وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حتى أن الجزائر هددت السيسي صراحة قبيل انتخابه بخصوص إمكانية دعمه لشرق ليبيا واستقبلت اجتماعات لدول الجوار الليبي دون حضور مصر، بل أعلنت أنها مستعدة للتصدي للجيش المصري في حالة محاولته الدخول لشرق ليبيا قبل أن تتراجع عن هذه التصريحات العسكرية عقب الزيارة المشار إليها.
ولأن عالم السياسة القائم عالم براجماتي لا يعرف سوى لغة المصالح، فكان على مصر أن تقوم بخطوات وإجراءات ترد بها الجميل للجزائر أو على الأقل تثبت بها صدق نواياها تجاه الجزائر التي كانت على وشك القطيعة الكاملة معها سنة 2010 بسبب مباراة القدم الشهيرة بين البلدين.
ومن ثم اتضح أن المقابل ربما يكن حربا خاسرة جيوإستراتيجيا للجانب المصري بكل ما يعنيه المصطلح السياسي. فثمة مؤشرات عديدة تظهر أن نظام السيسي يدخل تدريجيًّا تحالفًا مع الجزائر التي استغلت الضعف الاقتصادي لمصر في الوضع الراهن وعدم استقرارها السياسي، فخططت لدفع نظام السيسي لقيادة حروب بالوكالة نيابة عن جنرالات الجزائر من شأنها أن تستنزف مصر.
إذ اتضح أن الجزائر طلبت من مصر صراحة التدخل بجانبها في الصراع التاريخي مع جارتها اللدود؛ المغرب بتأييد مطالب الصحراويين في الانفصال بإقليم الصحراء الغربية، وهي القضية التي تتربع على عرش أولويات الأمن القومي للمغرب نظاما وشعبا منذ أكثر من نصف قرن.
لذلك تشكك المغاربة من زيارة السيسي للجزائر وعاودتهم هواجس حماقات عبد الناصر الذي ورّط مصر في حرب الرمال سنة 1963 بجوار الجزائر ضد المغرب، لا لشيء إلا لكراهيته للنظم الملكية، وهي الحرب التي شكلت شرخا سياسيا واجتماعيا وشعبيا بين الجزائر والمغرب لم يلتئم حتى اليوم، بل زادته الأيام والحوداث والأطماع اتساعا وهوة.
حرب الرمال أو هكذا أطلقوا عليها لأنها كانت في الحقيقة على مناطق حدودية صحراوية جرداء، نشبت بين المغرب والجزائر بعد ثلاثة عشر عاما من بداية الخلاف الحدودي عام 1950 عندما ضمت سلطات الاستعمار الفرنسي منطقتي تندوف وبشار إلى الأراضي الجزائرية، من أجل تفخيخ العلاقات بين البلدين الكبيرين، في حين طالب المغرب باسترجاع المنطقتين بعد استقلاله عام 1956.
لم تلتفت باريس إلى المطالب المغربية، وبادرت عام 1957 بإقرار منظومة إدارية جديدة للصحراء، واقترحت على المغرب بدء مفاوضات أحادية لحل الإشكال الحدودي بعيدا عن الجانب الجزائري. لكن الملك محمد الخامس، رفض العرض الفرنسي، واعتبره خيانة للجارة الجزائر، مؤكدا أن المشكل الحدودي سيحل مع السلطات الجزائرية بعد استقلال الجزائر عن فرنسا.
ووقعت الرباط يوم 6 يوليوز 1961 اتفاقا مع فرحات عباس، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، يعترف بوجود مشكل حدودي بين البلدين، وينص على ضرورة بدء المفاوضات لحله مباشرة عند استقلال الجزائر.
كانت فرنسا تريد من وراء مقترحها وقف دعم المغرب المستمر للثورة الجزائرية، حيث كان يستضيف قادة الثورة وخاصة بمدينة وجدة شرق البلاد، كما كانت الرباط توفر إمدادات السلاح للثوار، وهو ما كان يقض مضجع الاحتلال الفرنسي.
وبعد أن نجح ثوار الجزائر في طرد الاحتلال الفرنسي وإعلان استقلال البلاد عام 1962، بادر أحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر، للتأكيد على أن التراب الجزائري جزء لا يتجزأ.
قام الملك الحسن الثاني -الذي خلف أباه في الحكم بعد وفاته عام 1961- بأول زيارة إلى الجزائر يوم 13 مارس 1963، حيث ذكّر نظيره الجزائري بن بلة بالاتفاق الموقع مع الحكومة الجزائرية المؤقتة بشأن وضع الحدود بين البلدين الذي خلقه الاستعمار الفرنسي. إلا أن الرئيس بن بلة طلب من ملك المغرب تأجيل مناقشة الأمر إلى حين استكمال بناء مؤسسات الدولة الحديثة.
وفجأة اندلعت حرب إعلامية بين المغرب والجزائر التي قالت إن الرباط لديها نيات توسعية، واتضح أن التصعيد الإعلامي جاء بتحريض مباشر من جمال عبد الناصر الذي كان يكره ملك المغرب ويكره كل الملكيات ويخطط لنشر أفكاره الناصرية بالمغرب العربي.
وتطورت الأحداث بعدها بشكل متسارع، حيث شنت عناصر من القوات الجزائرية يوم 8 أكتوبر 1963 هجوما على منطقة حاسي بيضا قتل فيه عشرة عناصر من الجيش المغربي الموجود بالمركز العسكري للبلدة.
سارعت الرباط بعدها إلى إرسال أكثر من وفد رسمي إلى الرئيس الجزائري بن بلة للاحتجاج على تلك الهجمة وغيرها من الهجمات التي اتهمت الرباط أطرافا جزائرية بالقيام بها على مناطق حدودية جنوبا وشمالا منها تينجوب وإيش، وتؤكد الرواية الرسمية المغربية أن تلك الوفود لم تجد لها آذانا صاغية في الجزائر.
وصل الجانبان إلى طريق مسدود، وأغلقت أبواب التفاوض والعمل الدبلوماسي، واندلعت الحرب في أكتوبر1963، واستمرت لأيام معدودة حقق فيها المغاربة تفوقا عسكريا كبيرا على الجزائريين الذي تلقوا مساندة عسكرية مصرية بمشاركة كتيبة مصرية مكونة من ألف مقاتل بالعتاد المتوسط والطائرات المروحية، وكذلك من كوبا بالسلاح والطيارين، قبل أن تتوقف المعارك في 5 نوفمبر 1963، حيث نجحت جهود جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية في توقيع اتفاق نهائي لإطلاق النار في 20 فبراير 1964.
والجدير بالذكر أن الرئيس المصري المخلوع قد وقع في الأسر وهو ومجموعة من الضباط بعد إجبار مروحيتهم على الهبوط اضطراريا. فهل تتورط مصر مجددا في حرب رمال لا ناقة لها فيها ولا جمل ضد المغرب نيابة عن الجزائر صاحبة الفضل الكبير في عودة مصر لحظيرة الاتحاد الأفريقي؟
عدة استفزازات للمغرب في ملف البوليساريو حدثت في عهد السيسي، كان أولها زيارته للجزائر، إذ أثارت هذه الرحلة مخاوف لدى المغاربة، من إمكانية حدوث تقارب مصري جزائري، شبيه بالذي حدث في حرب الرمال 1963، وهي الحرب التي اتحد فيها النظامان المصري بقيادة جمال عبد الناصر، والجزائري تحت زعامة أحمد بن بلا، ضد الملك الحسن الثاني.
حيث خشي المغاربة أن يؤدي التقارب المصري الجزائري إلى اعتراف مصري بما يسمى بالبوليساريو.
أما ثاني الاستفزازات المصرية للمغرب فحدث نتيجة زيارة وفد إعلامي مصري لمخيمات تندوف جنوب الجزائر، وظهرت في الجرائد المصرية عدة مقالات حول الموضوع.
والاستفزاز الثالث، فقد كان في الصورة التي جمعت بين محمد بن عبد العزيز، رئيس جبهة البوليساريو والسيسي، في القمة الإفريقية التي عقدت في غينيا الاستوائية. وكانت صحيفة المصري اليوم القاهرية قد أجرت حوارا في يوليو الماضي مع أمين عام جبهة البوليساريو وصفته فيه بأنه “رئيس دولة جمهورية الصحراء الغربية” والتي يعترف بها الاتحاد الإفريقي منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وبالتالي فإنه بروتوكولياً -بحسب الصحيفة- يُعد “من أقدم الرؤساء الأفارقة” ومضت الصحيفة في حوارها مع محمد عبدالعزيز الذي وصف “المقاومة السلمية” للصحراويين ضد السلطات المغربية للحصول على “الحق في تقرير المصير”.
المصري اليوم لم تكن الوحيدة، فقد قامت مجلة روز اليوسفبنشر حوار مع عبد العزيز عنونته بتصريح لأمين عام البوليساريو قال فيه إنهم “مستعدون لاستئناف الحرب ضد المغرب في أي وقت!”.
والحقيقة أن هذا التورط المصري في ملف البوليساريو يكشف عن مدى هشاشة البنية السياسية لنظام السيسي وعدم أهليته لقيادة البلاد في هذه الفترات العصيبة في تاريخ مصر، فهو يتصرف بسذاجة متناهية حيال أزمات خارجية خطيرة، فهو يستدرج من قبل أصدقائه الجزائريين إلى المواجهة مع دولة لا مجال للاختلاف أو التنافس معها بل تجمعهما ملفات مشتركة أولها خطر الإرهاب في شريط شمال أفريقيا وملف إعادة بناء محور استراتيجي جديد في شمال أفريقيا والشرق الأوسط لمواجهة المخاطر القادمة الناتجة عن تداعيات اضطراب النظام الدولي.
وهذه العشوائية الاستراتيجية لنظام السيسي تجعله ينحاز إلى جانب على حساب جانب ثالث في قضية بعيدة تماما عن حسابات الأمن القومي المصري ولا مستقبل النظام أو سياساته، بل لا لشيء مطلقا سوى إرضاء الجانب الجزائري ورد الجميل له ومحاولة إقناعه بتغيير موقفه الرافض للتدخل العسكري المصري في ليبيا، وإن كانت الأحداث والوقائع والتفسيرات الاستراتيجية لما تقوم به الجزائر حاليا في ليبيا تصب في خانة المؤامرة الخبيثة لاستدراج المصريين وحدهم نحو المستنقع الليبي.
في حين ذهب البعض في تفسير إقدام نظام السيسي على إغضاب المغرب بالعبث بأهم ملفاتها القومية برغبة السيسي الجامحة في محاربة التيار الإسلامي في كل مكان، وذلك بالضغط على المغرب من أجل الإطاحة بحكومة بنكيران ذات التوجهات المحافظة، ظنا منه أن حركة التوحيد والإصلاح التي ينتمي إليها بنكيران هي جناح الإخوان المسلمين في المغرب، وكان رئيس الحكومة المغربية “عبد الإله بن كيران”، والذي ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية ذي الخلفية الإسلامية، قد أعلن رفضه للانقلاب العسكري في مصر، وهو الموقف الرسمي الذي يتخذه الحزب والحركة المؤسسة له “التوحيد والإصلاح”.
ومهما يكن من مبررات لدى الجانب المصري لتفسير التصعيد المتبادل مع المغرب إلا إن أخطر ما في الموضوع أن نظام السيسي يقود مصر نحو التحول لدولة وكيلة تنوب عن غيرها في الصراعات وتصفية الحسابات، وهي تلعب دور الوكيل في ليبيا وفي غزة وأخيرا في المغرب وذلك كله من أجل الحصول على الدعم والمعونات لإنقاذ اقتصاد متداعي لن تستطيع الدول العربية والأوروبية مجتمعة من أن تنقذه ما لم يتوفر الاستقرار السياسي والمصالحة المجتمعية وهي أمور لن تتحقق إلا بابتعاد العسكر عن المشهد السياسي.