هل المجتمع سيتضرر بالعلاقات الجنسية الرضائية غير الشرعية بين بالغين وفي مكان غير عام؟
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
يعتمد المطالبون برفع التجريم عن الحريات الفردية المتعلقة بالجنس على منطق نفي الضرر لإثبات مشروعية طلبهم، أي أن العلاقات الجنسية غير الشرعية؛ سواء كانت بين رجل وامرأة أي علاقة زنا، أو بين رجل ورجل أي علاقة لواط، أو بين امرأة وامرأة أي علاقة سحاق، لا تسبب للمجتمع أي ضرر مادام أن تلك العلاقات ستكون في إطار الرضا بين بالغين وفي مكان غير عام، ولهذا وجب رفع تجريمها وترك الناس أحرارا يفعلون ما يشاؤون.
فيمكن أن نقرر أن المطالبين برفع التجريم عن الحريات الفردية المتعلقة بالجنس يستندون إلى ثلاثة أسس:
1 ـ ممارسة جنسية عن رضا بغير إكراه؛
2 ـ تصدر تلك الممارسة من بالغين غير قاصرين؛
3 ـ تمارس في مكان خاص غير عام.
فإذا تحققت هذه الأسس الثلاثة فإن المجتمع ـ حسب دعاة رفع التجريم ـ لا يلحقه ضرر. وبناء عليه، فلا يحق للدولة أو لأي أحد أن يتدخل بالمنع أو يحاسب من يمارس حريته.
فهل صحيح أن تلك العلاقات الشاذة، وباحترام تلك الأسس، لا تلحق المجتمع أي ضرر؟
فلسفة رفع التجريم للأفعال أو الأقوال
بداية، حينما نتكلم عن رفع التجريم لعمل ما فنحن نرغب في أن يصبح هذا العمل ينتمي إلى دائرة المباح، فمن شاء قام به ومن شاء تركه، لأن الناس أحرار اتجاه المباح ومخيرون فيه.
ولكي يتجسد هذا المفهوم واقعا في الناس ـ أي اعتقاد إباحة عمل ما كان مجرما من قبلُ ـ يجب على الدولة بجميع مؤسساتها المختلفة؛ المؤسسة التشريعية والحقوقية، والمؤسسة القضائية والتنفيذية، والمؤسسة التعليمية والتربوية، والمؤسسة الإعلامية والثقافية، والمؤسسة الدينية والعلمائية..، أن تنخرط في عملية استنبات هذا المفهوم وتبيئته؛ بمعنى أن تجعل لذلك المفهوم بيئة حاضنة تمكنه من أن يصبح مباحا مألوفا بين الناس، فإذا قام به من يرغب فيه فلا يجد أي عرقة مادية أو مضايقة معنوية من الآخرين .
وعملية استنبات المفاهيم وتبيئتها لا تقتصر فقط على إشاعة مفهوم المباح بل يعم جميع المفاهيم والقيم التي تريد الدولة أن تكون في المجتمع، حتى لو كانت مفاهيم مانعة تجرم أعمالا معينة كان موقف المجتمع منها من قبلُ هو الإباحة أو السكوت عنها، فلابد أن تسبق لإشاعة المفاهيم عموما، والتي ترغب الدولة في تحقيقها أو إجادها في المجتمع عمليةُ استنباتها وتبيئتها.
هذه المقدمة المقررة تفضي بنا أن تساءل عن ما هو المطلوب من الدولة ومؤسساتها المتنوعة إن هي أقدمت على رفع التجريم عن العلاقات الجنسية غير الشرعية، وسكنتها في دائرة المباح كما هو مقتضى هذا الرفع، فإن المباح الذي كان يعتقد أنه محضور ومجرم لن يصير مباحا عمليا إلا إذا سبقته بيئة حاضنة كما سبق تقريره، والمباح الذي نتحدث عنه بناء على الأسس الثلاثة أنفة الذكر (علاقات جنسية في إطار الرضا بين بالغين وفي مكان غير عام) له صور في غاية الخطورة، يحسن بنا أن نجليها للقارئ الكريم حتى يكون على علم بمآل فلسفة الشذوذ الجنسي، وهي تتنوع كالآتي:
ـ زنا المحارم: ليس هناك ما يمنع أن يمارس الأخ الجنس مع أخته ما دام أن هذه الممارسة كانت في إطار الرضا، وبين بالغين، وفي مكان خاص، وقس على ذلك ممارسة الجنس بين الأب وابنته، والأم وابنها، فإن هذه الصور من زنا المحارم تكون قانونية مباحة إذ رفع التجريم وفق فلسفة الحريات الفردية والمطالبين برفع التجريم.
ولا ينبغي أن يقال إن هذه الصور سوف تستثنى من عموم إباحة العلاقات الجنسية الحرة بين الذكر والأنثى؛ لأن المنطق الذي بنيت عليه أحقية الممارسة الجنسية في ظل الحريات الفردية تأبى هذا الاستثناء، وأي استثناء لهذه الحريات الفردية سيعود عليها بالنقض، والسبب الذي سوف يعتمد لأجل تسويغ هذا الاستثناء يصلح أن يكون سببا مقنعا في منع علاقات الزنا عموما، فإن كان سبب المنع مثلا هو رفض المجتمع وعدم قبوله لزنا المحارم فكذلك هو في الزنا مطلقا، فالمجتمع المسلم لا يقبله، وإن كان سبب المنع هو المرجعية الدينية مثلا فكذلك هو في الزنا مطلقا، فإن العقول السليمة تأبى أن تفرق بين المتماثلات أو أن تجمع بين المتناقضات.
ـ ومن الصور الممكنة الخطيرة كذلك ممارسة اللواط والسحاق بين أفراد الأسرة الواحدة بناء على الأسس الثلاثة آنفة الذكر، فنجد اللواط بين الأخ وأخيه، والأب وابنه، والسحاق بين الأختين، وبين الأم وابنتها، وهكذا.. وأي منع لهذه الصور الممكنة والمنطقية وفق فلسفة الشذوذ الجنسي سيكون منعا لغيرها كممارسة لواط بين رجل وآخر لا تربطهم أي قرابة أسرية، فإن استبشاع الصورتين وقبحهما لا يختلف عليها العقلاء وسالمو الفطرة.
ـ ومن الصور الممكنة الخطيرة الجنسُ الجماعي، ولك أن تتصور الأمثلة التي يمكن أن تتولد وفق فلسفة الحريات الفردية المتعلقة بالجنس عند الحديث عن الجنس الجماعي داخل الأسرة والواحدة وخارجها.
ولهذا، حينما نتحدث عن رفع التجريم عن الحريات الفردية المتعلقة بالجنس، ونطالب بأن تدخل الممارسات الجنسية غير الشرعية في إطار المباح والمسموح به قانونا، فنحن أمام جميع هذه الصور الممكنة بالإضافة إلى الممارسات الأخرى من زنا ولواط وسحاق، والتي يجب على الدولة بمؤسساتها المختلفة أن تنخرط في استنبات هذا المباح الجديد بصوره المتنوعة وتبيئته كما سبق تقريره.
بعد رفع التجريم تأتي مرحلة المطالبة بالتقنين
نظرا لكون العلاقة التي تجمع أصحاب الشذوذ الجنسي تدخل في إطار العلاقات الإنسانية، فهم بشر على كل حال، فإن العادة الجارية تقتضي أن تلي مرحلةَ رفع التجريم عن الحريات الفردية المتعلقة بالجنس وتسكينه في دائرة المباح مرحلةُ المطالبة بتقنين تلك العلاقة، وسن قوانين لها كالاعتراف الرسمي والقانوني بالزواج بين الشاذين، وتغيير مفهوم الأسرة الذي كان يتكون من ذكر وأنثى كما هي سنة الزوجية التي فطر الله عليها الناس، فيصبح بين ذكر وذكر، أو أنثى وأنثى، ثم ستأتي مسألة كفالة الأطفال تبعاً لهذا الواقع المنكوس، وسيكون من الأطفال من يعيش حياة شاذة، لأنه لن يعرف الأمومة لا واقعا ولا شعورا ولا تصورا، فهو يعيش بين أب أوب، لا أمّ له، أو العكس؛ فمن الأطفال المتكفل بهم لن يعرف الأبوة لأنه سيعيش بين أم وأم فلا أب له، ثم ستفرض كذلك مسألة الإرث بثقلها على الواقع؛ لأننا أصبحنا نتحدث عن أسرة بمفهومها القانوني.
وما سطرناه في هذه الفقرة ليس هو مجرد خيال افترضناه ونريد به أن نستجلب به عطف القارئ ومخاطبة اللاشعور فيه، والذي يرفض فطرةً العلاقات الجنسية الشاذة، بل ما سطرناه كان بناء على علم ومشاهدة الواقع، فكل ما ذُكر في هذه الفقرة فهو واقع تعيشه المجتمعات الغربية التي رفعت التجريم عن الحريات الفردية المتعلقة بالجنس، ووضعته في دائرة المباح المسموح به، كما أنه تشهد له السنن الجارية في الحضارات والأمم.
الضرر الذي يصيب المجتمع بسبب العلاقات الشاذة جنسيا
ونحن إذا وصلنا بنا الحديث ـ بعد هذا التفصيل ـ إلى بيت القصيد كما يقال، فيمكن لنا أن نستخلص بعض أوجه الضرر الذي سيلحق المجتمع في النقاط الآتية:
ـ على مستوى التربية والتعليم: رفع التجريم عن الحريات الفردية المتعلقة بالجنس، وتسكين تلك الممارسة في دائرة المباح، تقتضي من المؤسسة الوصية أن تقرر دروسا تربوية وتعلمية ممنهجة لكي يتقبل الأطفال والمراهقين مستقبلا العلاقات الجنسية الشاذة في المجتمع؛ لأنها تقررت أنها مباحة. وهذا العمل من شأنه أن يتحول ضمنيا إلى إغراء هؤلاء الأطفال والمراهقين بممارسة الشذوذ الجنسي مستقبلا، وتطبيع نفوسهم عليه. ولا يقال ما العيب في ذلك، فالشذوذ الجنسي مباح، فالحقيقة ليست كذلك؛ لأن أصحاب الشذوذ الجنسي أنفسهم يعللون ميولهم إلى بني جنسهم أنه مخالف للنظام الكوني لقانون الزوجية، إلا أنهم قهروا عليه قهرا لأسباب عارضة، وإن كان هذا الادعاء ـ أقصد القهر المفروض عليهم ـ فرية بيّن الطب النفسي الحالي خطأها وزيفها وأنها قد استندت إلى رؤية مؤدلجة وليس إلى بحوث علمية، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نعرض الأطفال والمراهقين أو المجتمع إلى وضع غير سوي، أليس في هذا أعظم الضرر على المجتمع؟!
ـ على مستوى العلاقات الأسرية: هناك أضرار كثيرة، سأكتفي بذكر نوع واحد منها، يتعلق بالطفل الذي وضع في أسرة شاذة كما سبق توضيحه؛ فليتصور العقلاء مدى المعاناة النفسية والمجتمعية (ومن المعاناة النفسية حرمانه من حنان الأم وتصور مفهوم الأمومة أو العكس، ومن هذه المعاناة تربيته تربية شاذة؛ لأنه لا يمكن أن يأتي من الشواذ إلا الشذوذ. ومن المعاناة المجتمعية النظرة الدونية له من طرف أقرانه بسبب أبوين من جنس واحد، والنعت الذي سيشار له به: ابن اللوطي، وابن السحاقية..) قلت: مدى المعاناة النفسية والعقلية التي سيعيشها هذا الطفل، والذي لا ذنب له فيما يعيشه من معاناة سوى تحقيق شهوة شاذة رضائية من بالغين في مكان خاص، تخالف ناموس الكون، فأين حقوق الطفل التي يتغنى بها أصحاب حقوق الإنسان.
ـ على مستوى الصحي: هناك صور كثيرة تبين حجم الضرر الدي يتربص بالمجتمع جراء الاعتراف بالشذوذ الجنسي، أشدها انتشار مرض فقدان المناعة المكتسبة، فقد أثبت الدراسات العلمية أن هذا المرض ينتشر أكثر في صفوف الشواذ بنسبة أكثر من سبعين في المائة من غيرهم، وقد كانت تسمية هذا المرض من قبلُ هو سرطان الشذوذ، ولكن الرؤية المؤدلجة للشذوذ الجنسي منعت من تداول هذا الاسم لما له من اتهام واضح لهذا الشذوذ، فغُير اسمه إلى مرض الإدز.
ـ على مستوى النظام المالي المتعلق بالإرث: إن الاعتراف بوجود الأسر الشاذة في المجتمع كفيل بأن ينقض منظومة الإرث الحالية برمتها، فهي جسد دخيل سيفرض على جميع المجتمع أطروحته وإن كان الشواذ جنسيا هم القلة القليلة، بل نسبتها لا تعد شيئا يذكر، ولنا أن نتصور مدى الإرباك والاضطراب الذي سيعرفه المجتمع في تقسيم التركات بسبب رغبة شهوانية غير سوية.
لم يكن الغرض من هذا المقال أن يستقصي جميع أنواع الضرر الناجم عن رفع التجريم عن الحريات الفردية المتعلقة بالشذوذ الجنسي، فهناك دراسات معمقة في هذا المجال بينت خطورة هذه الممارسات الشاذة، وإنما كان الغرض من المقال هو إثبات جنس الضرر الذي سيلحق المجتمع جراء رفع هذا التجريم، وهو ضرر بان أنه متحقق ليس فيه أي تهويل أو تضخيم، ولم نُرد أن نتكلم بخطاب ديني في مقاربة هذا الموضوع، وليس لعدم إيماننا به أو بقوة حججه، فحججه ـ ولله الحمد قوية ـ ولكن أردنا أن نقارع المطالبين برفع التجريم عن الحريات الفردية المتعلقة بالجنس بمنطقهم الذي دعوا إليه، والذي يتمثل في أن العلاقات الجنسية غير الشرعية؛ سواء كانت بين رجل وامرأة أي علاقة زنا، أو بين رجل ورجل أي علاقة لواط، أو بين امرأة وامرأة أي علاقة سحاق، لا تلحق المجتمع أي ضرر مادام أن تلك العلاقات ستكون في إطار الرضا بين بالغين، وفي مكان خاص غير عام، ولهذا وجب رفع تجريمها وترك الناس أحرارا يفعلون ما يشاؤون، فنحن قد أثبتنا بالأدلة القوية أن الضرر واقع كأنه رأي عين، وعلى هؤلاء ـ إن كانوا منصفين ـ أن يلتزموا نتائج المنطق الذي دعوا إليه، ولكن هيهات هيهات، فنحن نعرف ـ من سيرتهم ـ أن المنطق الحقيقي الذي يعتمدونه هو منطق الفرعونية؛ (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)، ولكن رجاءنا ـ بعد الله سبحانه وتعالى ـ في إيمان مجتمع المغربي المسلم ويقظته وغيرته على دينه وعرضه في مدافعة هذا المنكر الكبار، وعلى أنه يفضل الموت على أن يعيش في ذلك الخزي والمسخ.
جزاك اللّهُ خيرا، تحليل ممتاز؛ وهو يكشف بدقة الهدف الحقيقي للمفسدين في الأرض.
ولا شك -إن سمحت الدولة لهؤلاء المفسدين بالإفساد في المجتمع، وتطبع الناس بهذا الواقع-، أنّ لعنة اللهِ ستنزل على المجتمع؛ لقوله تعالى:(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78-79].
وروى مسلم في صحيحه عن زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ.
وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا “[رواه البخاري وغيره].