إشراقات مغربية: سؤال الإصلاح في منظومة التربية والتكوين.. أين يكمن الخلل..؟ (ح1)
إعداد: إلياس الهاني
هوية بريس – الثلاثاء 26 ماي 2015
الحمد لله وكفى وصلاة وسلام على عباده الذين اصطفى:
هذه سلسلة جديدة عنونتها بـ: “إشراقات مغربية“؛ سأنقب وأبحث من خلالها عن درر مغربية جسدت لنا أفكارا كنتيجة حتمية لتراكمات تجربية عميقة في المجال المختار، وذلك من خلال جس النبض على مجموعة من قضايا الساعة التي تهم الشأن الوطني وتخلق نقاشا يسيطر على الرأي العام بالتحليل والنقاش والتداول في الإعلام والمنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي في مختلف الميادين؛ سياسية، تاريخية، دينية، ثقافية، اجتماعية، اقتصادية، أممية،…
وبذلك سأختار قبسا من أقوال هؤلاء المغاربة في الشأن المختار، والتعليق عليه لتداول رأيه، حتى تتسم قضايانا بالجدية في الطرح والبحث الحقيقي عن حلول الوضعية المشكلة، وبالتالي خلق فضاء حواري يبحث عن الحق ويرنو إليه، وينكس أعلام الباطل ويزهقه، ويناقش الطرح المتنازع حوله بأدبيات الحوار المعروف، والله الكريم أسأله التوفيق والسداد في الحال والمآل.
وفي أول مشاركة عنونتها بـ: «سؤال الإصلاح في منظومة التربية والتكوين.. أين يكمن الخلل..؟»، يبرز من خلالها الاستاذ الباحث في شؤون منظومة التربية والتكوين ورئيس مركز الدراسات والابحاث في منظومة التربية و التكوين الدكتور سعيد العلام في كتابه: «إصلاح منظومة التربية والتكوين الأسئلة المغيبة» الأسباب الواقعية لنتيجة الخلل ومدى حضور الإصلاح الحقيقي في منظومتنا التعليمية التي أصبحت تشكل هاجسا مخيفا للقائمين على الأمر في المغرب، فيقول:
«لا اعتقد أن إشكالية الازدواج اللغوي وقضية المناهج وشكل البيداغوجيا المنتهجة، أو قضية ربط التعليم بسوق الشغل، قضايا استراتيجية، رغم أنها العنوان البارز للإصلاح المرتقب. في حين أن مظاهر الأزمة أعمق من ذلك، فهي قضايا تمس قيم المجتمع المغربي وتزعزع كيانه، خصوصا مع تنامي أشكال العنف المادي والرمزي داخل المدرسة سواء تجاه الفضاء أو الإنسان، فضلا عن قيم الغش والاتكالية والانحطاط القيمي، الذي جعل المدرسة فضاء يكرس التفاوت الطبقي ويهدد السلم الاجتماعي.
إن الرؤية التي تعزل المدرسة عن سياقات تشكل المجتمع وتمايزاته رؤية قاصرة تعبر عن فلسفة بائسة تغيب عمق الأزمة، ففي غياب إصلاح شامل لنظام الحكم ينبني على علاقات واضحة ومتوازنة بين المجتمع والدولة لن ينجح أي إصلاح، لان ذلك يعني بكل بساطة غياب مشروع مجتمعي متوافق حوله، يوجه سلوك الفاعلين في كل المجالات. اعتقد أننا بحاجة إلى تغيير، وليس إلى إصلاح، لان خطاب الإصلاح يعني استمرارية انساق قيمية متحكمة في إعادة إنتاج أسباب الهيمنة دون السماح بقيم جديدة تتجه نحو إعادة إنتاج البنيات الاجتماعية وعلاقات القوة التي تؤطر الصراع بين فئات المجتمع وطبقاتها».
فهنا نجد التحديات الكبرى التي تواجه منظومتنا التربوية والتي يمكن حصرها في:
– إشكالية الازدواج اللغوي: فهي خطر يتربص بنا وبهويتنا الثقافية والحضارية، وأصبحت معها العملية التعلمية التعليمية (التلميذ، الإداري، الأستاذ) نتيجة لهذا الازدواج أمام أمر عسير لا يمكن أن تحل بسهولة كما يظن البعض بإصدار قرار ينفذ، وإنما الأمر أكبر من ذلك.
– قضية المناهج التربوية: وهي من أهم جوانب أزمة التعليم في بلادنا، بما أصبحت عليه مناهج التعليم من الحشو والرتابة وعدم الترابط والانفصال عن الواقع.
– شكل البيداغوجيا المنتهجة: والتي كادت أن تصبح مدارسنا وكأنها أقسام لتجريب البيدغوجيات الأجنبية المستنسخة والتي لا تتماشى والمستوى الفكري والثقافي لبلادنا كما في حالة بيداغوجيا الإدماج.
– ربط التعليم بسوق الشغل: وإغراقه بمفاهيم جلها مرتبطة بالمجال الاقتصادي كالجودة، والإدماج، والكفايات، الحكامة،…
فوضع الخطط الاستراتيجية لإصلاح التعليم، وتطوير المناهج التعليمية بما يتناسب مع خصائص المجتمع المغربي، واستمرار مواصلة التكوين، وتجديد البنية التحتية للمدارس وفضاءاتها، هي من أهم مطالب خبراء التعليم التي يضعونها على طاولة الأولويات، باعتبار أن التعليم “كلبنة المجتمع الأساسية إذا صلح المجتمع كله وإذا فسد فسد المجتمع كله”، إذا تدهور المنظومة على مدار السنين الماضية هو الذي ترتب عليه الشلل والانهيار الذي أضحت عليه العملية التعليمية كانت نتيجة لتلك الأسباب السابقة الذكر.
لكن مما غاب عن الكثير ممن تزعم قافلة الإصلاح هو غياب الرؤية الواضحة للإصلاح الحقيقي مما قد ينعكس إيجابا على المنظومة، ويحدث تغييرا، لا الاكتفاء على الحالة الموجودة، الانحدار من السيء إلى الأسوأ كما هي حالتنا؛ فكل ما ذكرناه من أسباب لا يعكس النموذج الإنساني المغربي المنشود، ولا فلسفة واضحة المعالم بحيث تصبح الإجابة عن: لماذا نعلم واضحة، وبناء على هذا يتم وضع المناهج التعليمية في إطار ما يتعلق ويتناسب مع خصائص المجتمع وثقافته، وتعكس هويته الحضارية ليمتد جذورها في الآفاق متجاوزا للصعاب، بحيث غفل أو تغافل القائمون على الإصلاح «مركزية القيم»1 ودورها المحوري والمركزي في إصلاح منشود، فما زال المغرب يتعثر ولا يجد سبيلا تستقيم الأمور عليه، لأجل تجاوز هذا الأمر والتفكير في القضايا الأخرى، ولكن للأسف فإن جل الإصلاحات لم تبرح مكانها، فهي نفس المرتبة، ونفس التحديات تعاود نفسها، فيا للعجب.
فلا يخفى على احد ما نقاسيه في مجتمعاتنا جراء غياب منظومة القيم في واقعنا جراء سياسات بعيدة عن الواقع المجتمعي المغربي، وانعدام القدرة على تجاوز التحديات بشكل خطير على أفراد المجتمع وطبقاته وفئاته المتعددة ، وهو ما يفرز لنا تلك الظواهر التي أصبحت المدرسة بسببها تكاد تنعدم الهدف الذي من اجلها وجدت وأنشئت؛ فظاهرة الغش، وإدمان المخدرات، وتخريج العاطلين، والعنف المتبادل بين المعلمين والمتعلمين،…كل ذلك نتيجة لغياب القيم عن ساحة التدافع والتداول بين مكونات المصلحين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وقد فصل القول في ذلك الخبير الدولي في قضايا التربية والتعليم المغربي الدكتور خالد الصمدي رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية في كتبه الرائعة والتي كانت نتاج تراكمات معرفية وتجربية على مدى عقود من الزمن وهي: «القيم الإسلامية في المناهج الدراسية»، و«القيم الإسلامية في المنظومة التربوية: دراسة للقيم الإسلامية واليات تعزيزها»، و«خطاب التربية الإسلامية في عالم متغير: تجديد الفلسفة وتحديث الممارسة».