تعليق بالتأييد على فتوى إغلاق المساجد وإيقاف الجمعة مؤقتا بسبب وباء كورونا من كلام السادة المالكية
هوية بريس – د. حميد بن بوشعيب العقرة
فقد استنكر بعض الأفاضل فتوى الهيئة العلمية للإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى (إيقاف صلاة الجمعة والجماعة بالمساجد) بسبب الضرر الناجم عن وباء كورونا الذي يجتاح العالم.
فأحببت تجلية المسألة والتأصيل لها من كلام أعلام المذهب واقتصرت على الجمعة خاصة لأن وجوبها مجمع عليه بين العلماء، فترجح أن دليل المنع قوي، تؤيده النصوص الشرعية، ويتوافق مع مقاصد الشريعة من حفظ النفوس وحمايتها وعدم تعريضها للضرر، لا سيما وأن هذا الوباء سريع الانتشار والانتقال نسأل الله السلامة.
واقتصرت في بُحيثي هذا على بعض شراح المختصر الخليلي فقط.
قال خليل رحمه الله في مختصره: : (وَاسْتُؤْذِنَ إِمَامٌ ووَجَبَتْ إِنْ مَنَعَ وأَمِنُوا، وإلا لَم تَجُز).
يعني يستحب أن يُستأذن ولي الأمر في ابتداء إقامة الجمعة ، فإن حصل الأمان ومنعهم فيقيمها الناس، وعكسه وهو إن لم يحصل الأمان كما هو الحال في النازلة التي نعيشها من انتشار وباء كورونا وفتوى المجلس العلمي الأعلى بعدم إقامة الجمعة حرصا على سلامة المسلمين من الإصابة بهذا الوباء، فتجب طاعة ولي الأمر في هذه الحالة، والاستثناء في قول الشيخ خليل (وإلا) راجع للشرط الأخير وهو الأمان، يعني عند عدم الأمان، قال أبو عبد الله القَوْري المكناسي (ت 872): والمعنى: وإن لَمْ يأمنوا لَمْ يجز لهم أن يقيموا الجمعة أي: للخوف عَلَى أنفسهم” نقله عنه ابن غازي المكناسي في شفاء الغليل في حل مقفل خليل (1/243)
وهذا مبني على قول الإمام مالك رحمه الله، ففي المجموعة لابن عبدوس عن مالك قال: إن أمنوا أقاموها، وإن كان على غير ذلك فصلى رجل الجمع بغير إذن الإمام لم تجزئهم. يريد: لأن مخالفة الإمام لا تحل. وما لا يحل فعله لا يجزئ عن الواجب ” اهـ التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب للشيخ خليل (2/49)”
قلت: خاصة وأن الأمر مما يسعه الاجتهاد، قال الفقيه سند بن عنان المالكي صاحب طراز المجالس (ت 546) في مسألتنا هذه : “لأنها محل اجتهاد، فإذا نهج السلطان فيه منهجا فلا يخالَف، ويجب اتباعه ،كحكم الحاكم بمختلف فيه بين العلماء، فإنه ماض غير مردود، لأن الخروج عن حكم السلطنة سبب الهرج والفتنة، وذلك لا يحل، وما لا يحل فعله لا يجزئ عن الواجب” نقله عنه الحطاب في مواهب الجليل (2/543) والخرشي في شرح المختصر(2/84)
والأمر الذي صدر من ولي الأمر ببلدنا سببه الخوف على الناس من هذا الوباء، وليس كما ادعاه بعضهم أن هذا فيه منع شعائر الله، وتعطيل الفرائض، وأعجبني نقل العلامة العدوي (ت 1112) مُحشي الخرشي عن بعض الشيوخ قوله: “هذا يقتضي أن المنع صدر عن اجتهاد لا عن تمرد وعناد” حاشية العدوي (2/84).
وقال أسيوطي زمانه أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي (ت 1096): إذا منع الإمام من إقامتها، فإما أن يكون ذلك منه اجتهادا .. وإما أن يكون ذلك منه جَوْرًا، فإن كان الأول وجبت طاعته ولا تحل مخالفته، فإن خالفوه وصلوا لم تجزهم، ويعيدونها أبدا، وإن كان الثاني ففيه تفصيل” نقله العلامة المسناوي (ت 1136) وسلمه، يُنظر شرح الزرقاني على المختصر (2/110).
فالمسألة كما رايت عزيزي القارئ من مسائل الاجتهاد التي لا ينبغي التضييق فيها ، وهي مؤيدة بالقاعدة الفقهية: حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف، لاسيما ان قوي دليله.
والله اعلم.
اللهم اصرف عنا هذا الوباء، ونجنا منه، واحفظ البلاد والعباد يا لطيف يا رحيم إنك على كل شيء قدير.